السبت 22 شوال 1431 هـ الموافق لـ: 02 أكتوبر 2010 09:30

- تفسير سورة الفاتحة (1) معنى كلمة: سورة

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فإنّ من تعظيم الله تعالى لكتابه العظيم: القرآن الكريم، أنّه جعله كتابا خالف كلّ ما كان عليه شأن العرب من قبل، فأراد أن يميّزه عن غيره في كلّ شيء.

فعندما قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88]، نفى المثليّة في معانيه، وألفاظه، وحكمه، وأحكامه، وشمل ذلك أسماءه وأسماء أجزائه.

فانظر كيف سمّاه القرآن، والفرقان، وهم كانوا يسمّون كتبهم بالدّيوان ..

وسمّى أجزاء كتابه سورا، وهم كانوا يسمّون أجزاء كتبهم بالقصائد ..

وسمّى أجزاء السّورة آيات، وهم يسمّون أجزاء القصيدة أبياتا ..

وكلمة ( سورة ) تحتمل أربعة معان:

- الأوّل: هي المنزلة الرّفيعة، ومنه قول النّابغة الذّبياني يمدح النّعمان بن المنذر:

ألم تر أنّ الله أعطاك سورة     ترى كلّ ملك دونها يتذبذب

قال في " لسان العرب ":" أي: أعطاك رفعة وشرفا ومنزلة "، ولا شكّ أنّ السّورة من القرآن لها المنزلة العليا في الكلام.

- الثّاني: أنّها مأخوذة من السّور، وهو البناء المرتفع المحيط بالبلدة ونحوها، ومنه السّوار لإحاطته بالسّاعد، والسّورة من القرآن محيطة بمجموعة من الآيات.

وهذا قول أبي عبيدة وابن الأعرابيّ رحمهما الله، وهو اختيار الكوفيّين.

ومن أمعن النّظر في هذين القولين وجدهما يرجعان إلى معنى واحد وهو الارتفاع، بدليل أنّه يقال: تسوّرت الحائط إذا ارتفعت عليه، وفي التّنزيل العزيز:{إِذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ}.

- الثّالث: من السّؤر، فتكون بمعنى الطّائفة من الشّيء والجزء، ومنه سؤر الهرّ [1]، وهو الجزء الباقي من شربه.

وإنّما تركوا الهمزة، وقالوا: ( سورة ) للتّخفيف، وهو كثير في كلام العرب، فإنّهم تركوا الهمزة في " ملأك " وقالوا: ( ملاك وملك )، والسّورة من القرآن جزء منه، وهذا اختيار أبي الهيثم رحمه الله.

- الرّابع: التّمام، ومنه قول العرب:" هذه ناقة سورة "، أي: تامّة كاملة الخلق.

قال ابن سيده رحمه الله:" سُورُ الإبل: كرامها "، ولا شكّ أنّ هذا الوصف يصدق على السّورة من القرآن الكريم.

فهذه المعاني كلّها تصدق على السّورة من القرآن ولله الحمد.

معنى كلمة ( آية ):

أمّا الآية فللعلماء قولان في معناها:

1-      العلامة، كقوله تعالى:{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُم} [البقرة: من 248]، فالآية من القرآن الكريم علامة على أنّه ليس من كلام البشر؛ ولذلك سمّّيت المعجزة آية كذلك.

2-              أنّها بمعنى الجماعة، لأنّ الآية مجموعة من الكلمات، قالت العرب:" خرج القوم بآيتهم "، أي جميعهم، ومنه قول الشّاعر:

خرجنا من النّقبين لا حـيّ مثـلنا     بآيتنا نُزجـي القلـوص المطـافـلا



[1] ومنه تعلم أنّ كلمة ( سائر ) بمعنى ( باقي )، من السّؤر، وليست بمعنى ( كلّ ) و( جميع ) كما اشتهر على ألسنة النّاس. وقد ذكرنا ذلك مفصّلا في الجزء الثّالث من سلسلة ( قل ولا تقل ).

أخر تعديل في السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 10:09
الذهاب للأعلي