الأربعاء 08 رجب 1435 هـ الموافق لـ: 07 ماي 2014 07:49

- معنى:{تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا}

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق
قييم هذا الموضوع
(2 تقيم)

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فلا يختلف اثنان في أنّ تكليمَ نبِيِّ الله عيسى عليه السّلام للنّاسِ في المهد كان من أعظم البيّنات، وأجلّ الآيات الباهرات.

ولكن أين الآية والبيّنة في تكليمه عليه السّلام للنّاس وهو كهل ؟

فنقول وبالله التّوفيق:

إنّ الله تعالى ذكر هذه الآية البيّنة في مقامين عظيمين:

المقام الأوّل: مقام التّذكير بنعمته وتأييده لعبده ورسولِه عيسى عليه السّلام؛ فقال عزّ وجلّ:{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} [الآية: 110 من المائدة].

المقام الثّاني: مقام التّبشير والتأييد لمريم عليها السّلام، فقال جلّ وعلا:{إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)} [آل عمران].

والمهد: هو مضجع الصّبيّ في رضاعه.

والكهل: من الكهولة، وهي مرحلة بين الشّباب والشّيخوخة، وأغلب علماء اللّغة يذكرون أنّها من ثلاث وثلاثين سنة إلى الشّيخوخة.

- أمّا الكلام في المهد فكان معجزة خارقة أن يتحدّث الرّضيع بحديث يُعجِز البلغاء، ويحسده عليه الدّعاة العلماء، قال تعالى:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31)} [مريم].

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرَةَ رضي الله عنه عنْ النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى عليه السّلام ...)) الحديث.

وفي ذلك نعمة عليه عليه السّلام، وعلى والدته إذ أثْبَتَ وأظهر براءتَها ممّا اتّهمت به.

وممّا يُثير العجب، أنّ النّصارى - وهم أحرص النّاس على ذكر معجزات المسيح عليه السّلام - لا يذكرون ولا يشيرون إلى هذه البيّنة !

ذلك لأنّ أوّل ما نطق به هو قوله:{إِنِّي عَبْدُ اللَّه} !

- أمّا الكلام حال الكهولة فأين وجه الإعجاز فيه ؟

ذلك من وجهين اثنين:

الأوّل: أنّ مريم عليها السّلام فهِمت من تبشير الله إيّاها بذلك أنّ ابنَها عليه السّلام سيعِيش إلى أن يصير كهلا، فكان ذلك توكيدا لقوله تعالى:{ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم: 24].

الثّاني: أنّ المراد بالتّكليم هنا ليس التّكليم المعهود، وإنّما المراد به التّكليم الّذي يحصل به النّفع، وهو نعمة الوحي، وهو أجلّ النّعم.

كأنّ الله تعالى يقول لها مبشّرا: سيوحِي الله إليه وهو في المهد ليٌبرّئ والدتَه، ويوحِي إليه وهو كهل ليبلِّغ دعوة الله ورسالتَه.

لذلك قال القرطبيّ رحمه الله:" يكلّم النّاس في المهد آيةً، ويكلّمهم كهلا بالوحي والرّسالة ".

والله تعالى أعلم.

أخر تعديل في الأربعاء 08 رجب 1435 هـ الموافق لـ: 07 ماي 2014 07:51
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي