الثلاثاء 25 شعبان 1432 هـ الموافق لـ: 26 جويلية 2011 13:25

- شرح كتاب الذّكر (13) مجالس الذّكر: رياض الجنّة

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

تابع: الباب الثّاني: ( التّرغيب في حضور مجالس الذّكر، والاجتماع على ذكر الله تعالى ).

الحديث التّاسع:

وعن أبي هريرةَ وأبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنهما أنّهما شهِدَا على النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:

(( لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عزّ وجلّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ )).

[رواه مسلم والترمذي وابن ماجه].

شرح الحديث:

- قوله: ( لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ )، وفي رواية: ( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ )، ففيه دليل على فضيلة الاجتماع، وخاصّة على الطّاعة، فبذلك يكثُر الخير وتعمّ البركة.

وفي الحديث الّذي رواه ابن ماجه عن عبدِ الله بنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: سمعتُ عمَرَ بنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه يقول: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ الْبَرَكَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ )) وإذا كان الحديث ورد في الطّعام، فالعلم من باب أولى.

والعكس بالعكس، فمتى زال الاجتماع قلّ الخير ورُفِعت البركة.

وهذا الحديث يبيّن أنّ الأجر حاصل من الاجتماع على الذّكر ولو في غير بيوت الله تعالى، فقوله في الرّواية الأخرى: ( فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ ) جاء على الغالب، والأجر يعمّ كلّ الأماكن، بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث البخاري ومسلم: (( إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا )).

- قوله: ( السَّكِينَةُ ): قال القاضي عياض رحمه الله: هي الرّحمة.

وفي هذا نظر؛ لأنّه عطف عليها الرّحمة، والعطف يفيد التّغاير. والصّواب أنّها الطّمأنينة.

والطُّمأنينة قد تنزل نزولا معنويّا، وهو الغالب، فيشعر المؤمن حينها بحلاوة الإيمان، والحرص على سبل الإحسان.

وقد تنزل نزولا حسّيا على شكل سحابة، كما حدث لأسيد بن حضير رضي الله عنه وغيره حين كانوا يقرؤون القرآن.

فقد روى البخاري ومسلم عن البراءِ بنِ عازبٍ رضي الله عنه قال: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ، وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ ! فَجَعَلَتْ تَدْنُو، وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ ! فَلَمَّا أَصْبَحَ، أَتَى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: (( تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ )).

- قوله: (( وَذَكَرَهُمْ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ): على سبيل المباهاة، فيُباهِي بهم ملائكته، وقد مرّ معنا بيانُ ذلك.

الحديث العاشر:

وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال:

(( إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا )).

قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ:

(( حِلَقُ الذِّكْرِ )).

[رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب].

شرح الحديث:

- قوله: ( برياض الجنّة ): الرّياض: جمع روضة، وهي الأرض المخضرّة بأنواع النّبات.

- قوله: ( فارتعوا ): قال الإمام المنذري رحمه الله:" الرّتع هو الأكل والشّرب في خصْبٍ وسعة ".

وفي الحديث مزيّة ظاهرة لمجالس الذّكر والعلم، حيث شبّهها برياض الجنّة، فكما ينتفع المرء بالرّياض من منظرها، ونباتها، وثمارها، فكذلكم ينتفع بمجالس الذّكر.

تنبيه:

فإنّ من وفّقه الله تعالى إلى زيارة مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يرى يوميّا النّاس يتنافسون على الصّلاة في (الرّوضـة)، حتّى إنّ بعضهم ليتساقط أمامك تساقطهم في مقامات الحجّ كمنى والحجر الأسود !

كلّ ذلك وهم يستحضرون قول الحبيب صلى الله عليه وسلّم: (( مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ )) .

وإنّه من الجدير بهم أيضا أن يتفطّنوا إلى رياض الجنّة في مساجد أحياءهم، وأقرب شيءٍ إلى ديارهم، ألا وهي مجالس ذكر الله عزّ وجلّ وطلب العلم.

نسأل الله التّوفيق والسدّاد، والهدى والرّشاد.

أخر تعديل في الثلاثاء 25 شعبان 1432 هـ الموافق لـ: 26 جويلية 2011 13:40
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي