- · أوّلا: أنّ الأصل في سجود السّهو أن يكون بعديّا، لحديث: (( لكلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ )).
[رواه أبو داود وغيره، وحسّنه الشّيخ الألباني رحمه الله في " صحيح أبي داود "، و" السّلسلة الصّحيحة " (4/510)، و" الإرواء "، و" صحيح الجامع " (5166)].
وإنّما لم يشتهر هذا الحديث عند الفقهاء لكلام أهل العلم في سنده، من أجل إسماعيل بن أبي عيّاش[1]، وحاله فيه تفصيل لا يخفى على طلبة علم الحديث إن شاء الله.
فقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( لِكُلِّ سَهْوٍ )) عامّ، يدخل فيه من سها فزاد، أو نقص، أو شكّ، أو غير ذلك.
وجعل حكم هذا العموم هو السّجود بعد التّسليم، فقال: (( بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ )).
- · ثانيا: هذا العموم خُصّت منه حالتان، نرى فيهما النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد سها فسجد قبل السّلام، فحينها لا نبقى على العموم السّابق، وإنّما نتّبعه فيما سجد فيه قبل السّلام، وهاتان الحالتان:
1- إذا نسِي التشهّد الأوسط فقام.
وذلك لما رواه البخاري ومسلم ( أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى بِهِمْ الظَّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ ).
2- إذا شكّ، وبنى على اليقين.
لما في صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى: ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ )).
وما عدا ذلك، فإنّه يسجد فيه بعد التّسليم زاد أو نقص، لعموم حديث أبي داود السّابق ذكره.
وهذا هو المناسب ليُسر الشّريعة وسماحتها ووضوحها، فكان أولى من مذهب المالكيّة رحمهم الله ومن وافقهم كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الّذين فصّلوا تفصيلا يصعُب على عامّة النّاس فهمه واستحضاره.
- · ثالثا: وهناك مذهب آخر لو أخذ به المسلم لكان أيضا أوفَق للشّريعة، وهو ما قال به بعض أهل العلم كالشّوكانيّ رحمه الله أنّ للمسلم الخيار في ذلك كلّه، فله أن يسجد قبل التّسليم أو بعده، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فعل هذا وذاك.
هذا ما يظهر لي جوابا عن سؤالك باختصار شديد، ووفّنا الله لما يحبّه ويرضاه.
[1] والعلّة في حقيقة الأمر ليست من ابن عياش، فقد روى هذا الحديث عن عبيد الله الكلاعي، وهو شامي. وإنّما العلّة في زهير بن سالم العنسيّ، لم يوثّقه غير ابن حبّان، وضعّفه الدّراقطني وغيره. ومن حسّن الحديث حسّنه من أجل شواهده، والله أعلم.