الثلاثاء 22 شعبان 1431 هـ الموافق لـ: 03 أوت 2010 11:54

إعلام الساجد ببعض آداب المساجد

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء ...] أمّا بعد:

معاشر المؤمنين والمؤمنات .. فاعلموا أنّ من أعظم مظاهر العبوديّة لربّ العالمين، الّتي تعتبر من أعظم مقامات المؤمنين، وأشرف منازل السّائرين: تعظيمَ الله تعالى وتعظيمَ حرماته .. وأعرفُ النّاس بالله تعالى: أشدّهم تعظيما له وإجلالا .. وقد ذمّ الله عزّ وجلّ من لم يُعظّمه حقّ تعظيمه فقال:{مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13].

قال ابن عبّاس ومجاهد: أي: لا ترجون لله عظمة، وقال سعيد بن جبير: ما لكم لا تعظّمون الله حقّ عظمته ؟!

وفي الوقت نفسه يبيّن الله تعالى الخيرَ كلّ الخير إنّما هو في تعظيم حرمات الله تعالى، فيقول عزّ وجلّ:{وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: الآية30]، وقال:{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].. والحرمات هي: ما لا يحلّ انتهاكه .. هي الأمر والنّهي .. هي ما يجب احترامه وتعظيمه وحفظه من الحقوق والأشخاص والأزمنة والأمكنة..

روى البخاري ومسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ )).

فمن الأشخاص: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصحابته رضي اللهُ عَنْهُمْ، وآل بيته، وأهل العلم..

ومن الأزمنة: الأشهر الحرم، ورمضان..

ومن الأمكنة: بيوت الله تعالى..

وقد سبق للشّيخ الفاضل المبارك، إمام هذا المسجد المبارك أن حلّى مسامعَكم، وأنار قلوبكم بمنزلة المسجد في الإسلام، ورفعتها عند ربّ الأنام، فما أقوله بين أيديكم لن يكون افتياتا ولا أحسن قيلا:

فهو بسبْقٍ حائـز تفضـيـــلا    مستوجـب ثنائـي الجميلا

وقد وضعت خطبتي تكميلا    فاشكر كليهما شكرا جزيلا

فنسأل الله تبارك وتعالى أن يزيّن قلوبنا بتعظيمها، ورعايتها وتكريمها، فيعاملنا بجميل عنايته، وحسن رعايته..

* فأوّل أحكام المساجد وآدابها: عمارتها.

يقول الله تعالى ف يمحكم تنزيله:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التّوبة:18].

قال المفسّرون: المراد بالعمارة أمران: أحدهما: بناؤها وإصلاحها وتوسيعها، والثّاني: دخولها والجلوس فيها وملؤها بالذّكر.

وجزاء ذلك تراه آخر الآية:{ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ }.

فلا شكّ أيّها المؤمنون أنّ بناء المساجد من أعظم القربات، ومن أشرف المقامات، وجاء في السنّة ما يشحذ همم المتّقين، ويزيد شعلة في قلوب المؤمنين، ألا وهو ما رواه البخاري ومسلم عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ِصلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ:

(( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ - وفي رواية -: بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ )).

بيت في الجنّة ! بيت لا كسائر البيوت، فكما أنّ أبواب الجنّة تختلف: هذا باب الصّائمين، وذاك باب المصلّين، وآخر باب للمجاهدين، فكذلك البيوت..

- هناك بيت خاصّ بمن واظب على النّوافل الرّواتب كما في حديث مسلم عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ))..

- وهناك بيت خاصّ بمن صبر على موت فلذة كبده، واسمه: بيت الحمد، فقد روى التّرمذي عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ ! فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ !. فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ )).

وهذا من فضل الله تعالى على هذه الأمّة، تنال مثل هذا الشّرف المحمود، والمقام المشهود، بينما كان من قبلنا لا يناله إلاّ ببذل النّفس لله تعالى، فإنّ أقصى ما طلبته من الله آسيا بنت مزاحم ما يناله العبد إذا بنى بيتا لله، قال تعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11].

لكن قد يقول أكثرنا: ليس بمقدور كلّ أحد أن ينال هذا الأجر العظيم.. ليس بمقدورنا أن نبنِي بيتا لله تعالى..

والجواب: أبشِر عبدَ الله ! أبشر واغترف من فضل الله، فإنّ هذا الوعد يناله كلّ من أسهم في بناء بيوت الله، ولو أسهم بحجرة واحدة.. ولو بخشبة تغرز.. ولو بإعانة على حمل أو وضع أو غير ذلك.. المهمّ أن يقام بيت الله..

روى ابن ماجه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ )).

مفحص القطاة: القطاة: طائر صغير يشبه الحمامة، والمفحص: هو الموضع الّذي تفحص التّراب عنه أي: تكشفه لتبيض فيه..

سبحان الله ! وهل يمكن أن يكون مثل هذا القدر مسجدا ؟!

الجواب ما ذكره أهل العلم، قالوا: هذا الحديث يشمل كلّ من أعان على بناء المساجد، فذاك يضع من ماله ما يبني به قدر شبر، وذاك مثله إلى أن يكتمل المسجد

( لا تحقرنّ من المعروف صغيرة       إنّ البعوضة تُدمي مقلة الأسد )

وقد روى البخاري ومسلم عن عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ )). أي: ولو أن تتصدّقوا بنصف تمرة.

وممّا ثبت في فضل بناء المساجد أنّه سبب من أسباب مغفرة الذّنوب، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بم مالك رضِيَ اللهُ عَنْهُ يحكي لنا يوم بنوا المسجد قال: وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَالنَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم مَعَهُمْ يَقُولُ:

(( اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ      فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ )).

* ثانيا: وإنّ ممّا يدخل في عمارة المساجد المحافظة على طهارتها ونظافتها:

قال الله تعالى:{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: من الآية108].

وإنّ الله قد أمر بتنظيف بيوت الله ورتّب على ذلك أجرا عظيما، وخيرا عميما:

- أمّا الأمر فقد جاء في مسند الإمام أحمد وسنن التّرمذي عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (( أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم أَنْ نَتَّخِذَ الْمَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا )) ومعنى قوله: ديارنا: بلدتنا، فقد كانوا يسمّون المحلّ الذي تجتمع فيه القبيلة دارا.

- وتنظيف المساجد كان يتقرّب به الصّالحون من الأوّلين، فهذه امرأة عمران تنذر لربّها بأن يكون ولدها محرّرا لخدمة بيته، فقالت:{رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران: من الآية 35]، أي: خالصا لك خادما لبيتك المقدّس.

ولم يكن يخدم البيت إلاّ الذّكور، لذلك قال تعالى:{فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:36] فكانت مريم قيّمة على المسجد تنظّفه، فبلغت كمال الرّجال، روى البخاري ومسلم عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( كَمُلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ )).

- ومشى على هذا الهدي الصّحابة ونساؤهم رضي الله عنهم، ليبيّنوا للناس أجمعين أنّ من أشرف المقامات أن تخدم بيت ربّ الأرض والسّماوات، فقد روى البخاري ومسلم - واللّفظ لمسلم - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ: (( أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي !؟)) فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ، فَقَالَ: (( دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ [أو قبرها] )) فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا.

الشّاهد أيّها المؤمنون ! أنّه ما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليسأل عنها ويتفقّد حالها لو لم تكن في أشرف المقامات.

- ثمّ اعلموا أيّها المؤمنون أنّنا صِرنا اليوم لا نطالب النّاس بهذا الأدب العظيم، ولكن صِرنا نتودّد إليهم ونطلب منهم أن لا يفسدوا المسجد بإلقاء الأذى، فمن كان لا يستطيع أن ينفع فلا يضرّ، كأولئك الذين يقلمون أظافرهم في المسجد، والذين يأكلون ويتركون بقايا الطّعام في المسجد، وغير ذلك من الآفات ..

هؤلاء نذكّرهم بما رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنْ الطَّرِيقِ وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ )).

فلينظر كلّ منّا اليوم إلى نفسه أين هي ؟ صرنا نعلّق هذه الأعمال الطيّبة بقيّم المسجد وحده، مع أنّنا كلّنا مخاطبون بهذا الأدب الرّفيع: تنظيف المساجد.

( تنبيه مهمّ ) فعلى روّاد المساجد أن لا يغفلوا عن رحبة المسجد: وهي ساحة المسجد، سمّيت رحبة لسعتها، كقولنا: "مكان رحب" أي: متّسِع، وعرّفها العلماء بـ: " المكان الذي يُضاف إلى المسجد موقوفا موقفه ". والصّحيح من أقوال أهل العلم أنّ رحبة المسجد من المسجد كما حقّقه العزّ بن عبد السّلام وابن تيمية وابن حجر رحمهم الله تعالى.

إذا تبيّن لنا هذا أيّها الإخوة الكرام، فلا بدّ أن ننتبه إلى أنّنا بمجرّد دخولنا ساحة المسجد أنّنا في المسجد، لها جميع أحكام المسجد.

- ثالثا:-عمارة المسجد بالذّكر والعبادة والعلم.

قال العلماء: بعد إقامتها ينبغي الجلوس فيها، وشغلها بالعبادة، فقد روى ابن أبي شيبة عن أَنَسٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَبْنُونَ المَسَاجِدَ يَتَبَاهَوْنَ بِهَا، وَلاَ يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً )).

* أمّا الذّكر: فيبدأ من وقت الخروج إلى المسجد، وهو من أنفع الأدعية.. روى البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ - أي وهو ذاهب إلى المسجد -: (( اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا )).

هذا النّور الّذي فقده أكثر النّاس هذه الأيّام، صاروا يرون الحقّ باطلا، والباطل حقّا، صاروا يرون السنّة بدعة، والبدعة سنّة.. هذا النّور لن تجده إلاّ في بيوت الله تعالى، وإنّ الله تعالى ذكر بعد آية النّور قوله: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ}إشارة إلى أنّ هذا النّور العظيم لن تجده إلاّ في بيوت الله تعالى..

ثمّ يأتي الذّكر عند الدّخول إلى المسجد والخروج منه:

فتقول وأنت داخل بالرّجل اليُمنى، وخارج باليسرى ما رواه مسلم عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ)).

ثمّ يجلس المسلم يذكر ربّه سبحانه، وذلك عدّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الرّباط.

* أمّا العبادة: فتبدأ من وقت الدّخول إلى المسجد، وذلك بأداء تحيّة المسجد: وهي مستحبّة عند جمهور العلماء، وبعضهم أوجبها، والمقصود بتحيّة المسجد أن لا تجلس حتّى تصلّي ركعتين فأكثر، وتشغل هذه البقعة المباركة بالعبادة، روى البخاري ومسلم عن أَبي قَتَادَةَ الْأنْصَارِيَّ رضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ )).

فلو كان عليه فريضة سابقة، أو راتبة، أو صلاة استخارة، أو ركعتا وضوء، وغير ذلك كفاه ذلك، والمهمّ أنّه لا يجلس حتّى يُصلّي.

* أمّا حضور مجالس العلم فيها، فإنّ الله جعل الجلسة الواحدة في درس من الدّروس كأجر حجّة يحجّها المسلم، مصداق ذلك ما رواه الطّبراني عن أبي أمامة رضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (( مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْر حَاجٍّ تَامًّةً حَجَّتُهُ ))[1].

وروى مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ )).

- رابعا: أخذ الزّينة إليه.

فقد قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: من الآية 31]، ومعنى هذه الآية: أنّ الله أمر بستر العورة، ولكنّه ما قال: استروا عوراتكم، ممّا يدلّ على أنّ هناك أمرا زائدا على ستر العورة ألا وهو أخذ الزّينة، ومعنى زينة المسجد أن يلبس ثوبا لائقا بملاقاة ربّه، معظّما لجنبه، وخير ما يلاقى الله به هو ثوب ساتر للعورة، فلا يكشفها ولا يُحجّمها، لذلك أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم باتّخاذ الأزر، فقد روى أبو داود عن بُرَيْدَةَ قَالَ: (( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ رِدَاءٌ )).

قال ابن عمر رضِيَ اللهُ عَنْهُ: " ربّي أحقّ من أتزيّن إليه "، وقال ابن القيّم:" وكان لبعض السّلف حلّة بمبلغ عظيم من المال وكان يلبسها وقت الصلاة ويقول:ربّي أحقّ من تجمّلت له في صلاتي ".

الخطبة الثّانية:

الحمد لله، على إحسانه، وجزيل نعمه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله الدّاعي إلى سبيله ورضوانه، أمّا بعد:

فنختم حديثنا عن أحكام المساجد وآدابها، بالحديث عن بعض المخالفات التي تقع منّا في بيوت الله تعالى، قياما بواجب النّصح أوّلا، ولكي نقضي على كثير من أسباب الخلاف ثانيا، فالخير كلّ الخير في مراعاة هذه الآداب.

فمن الأمور التي نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنها:

1-الكلام عن الدّنيا في المسجد:

 وهذا من المخالفات الشّائعة في مساجدنا اليوم إلاّ ما رحم ربّك، ولا بدّ أن نبيّن أنّ هناك كلاما مباحا وأنّ هناك كلاما ممنوعا، أمّا الكلام المباح فهو ما لم يكن فيه تذكير بالدّنيا وشهواتها، ولا يدفع بالنّفس إلى تطلّعاتها، فإذا خلا من ذلك فلا بأس، فقد روى مسلم عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: ( كَانَ رَسُولُ الله ِصلّى الله عليه وسلّم لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ ).

فهذا وإن كان حديثاً عن الدّنيا لكنّه لا يضرّ بالآخرة، إذ إنّ الإنسان إذا تحدّث عن أمر الجاهليّة فإنّه يعتبر من ذلك ما يزيده شكرا لله على نعمة الإسلام.

المقصود بالكلام الممنوع ما كان فيه خروج عن الأدب الشّرعيّ، كحديث الشّوارع الّذي نسمعه اليوم، فيستوردونه من المقاهي والملاهي إلى المساجد، حتّى إنّك لتسمع أحدهم ينسى نفسه فيقول عن فلان: حمار أو كلب، أو غير ذلك، ناهيك عن الغيبة والتّحريش والكلام البذيء، واللّعن، فهو محرّم خارج المساجد، وفي المساجد تعظُم وتزداد الحرمة.

ومن الكلام الممنوع ما كان عن الدّنيا أي: عن البيع والشّراء، والهدم والبناء، وفلان له كذا والآخر بنى كذا، ولو رأيت آخر سيارة من طراز كذا، وآخر موديل من كذا، فإنّ المساجد لم تُبْن لهذا، قال تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه} [النور: من الآية 36]، والآثار في النّهي عن ذلك كثيرة جدّا:

- ما رواه ابن حبّان في "صحيحه" عن عبد الله بن مسعود رضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَأْتُونَ المَسَاجِدَ، فَيَقْعُدُونَ فِيهَا حِلَقًا حِلَقًا، ذِكْرُهُمْ الدُّنْيَا وَحُبُّهَا، فَلاَ تُجَالِسُوهُمْ، فَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ )).

- ما رواه ابن حبّان أيضا والطّبراني في "الكبير" عن ابن عمر رضِيَ اللهُ عَنْهُ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لاَ تَتَّخِذُوا المَسَاجِدَ طُرُقًا، إِلاَّ لِذِكْرٍ أَوْ صَلاَةٍ )).

- وقال سعيد بن المسّيب:" من جلس في المسجد فإنّما يجالس ربّه، فما حقّه أن يقول إلاّ خيرا ".

- بل حكى العلماء أنّهم يكرهون الكلام بالأعجميّة في المساجد لغير ضرورة.

2-رفع الصّوت في المسجد:

قال العلماء رحمهم الله: لا يُرفع الصّوت إلاّ بالأذان والتّعليم كإلقاء درس أو موعظة، ولكنّ الإمام مالكا خالف في ذلك، فقال لا يُرفع الصّوت ولو بالعلم، ويا سبحان الله ! فكيف بمن يرفع صوته بغير العلم كنداء شخص، أو ضحك، أو جدال وخصام.

قال الشّاطبي رحمه الله: " وأمّا ارتفاع الصّوت في المساجد فناشئ عن بدعة الجدال في الدّين ".

واستمعوا إلى هذا الحديث العظيم الذي رواه البخاري ومسلم عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى: (( يَا كَعْبُ ! )) قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ: (( ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا ))- وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيْ الشَّطْرَ - قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ: (( قُمْ فَاقْضِهِ )).

فإنّنا نرى أنّه صلّى الله عليه وسلّم راعى حرمة المسجد فلم يعجبه رفع الأصوات حتّى أمره بأن يضع النّصف من ماله !!.

وفي صحيح البخاري عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ، فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب رضِيَ اللهُ عَنْهُِ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا، قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا ؟ أَوْ - مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا ؟ قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ ! قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ؟!.

لذلك، أوجّه نداء للإخوة المصلّين، أن يعظّموا بيوت الله تعالى، ويعلّموا أولئك الّذين ينهضون فور انتهاء الصّلاة رافعين أصواتهم بسؤال النّاس الإعانة، فليقم منكم رجل رشيد يحسن المعاملة، ويسكته، ويعلّمه أنّه لا يجوز رفع الصّوت بمثل هذا، وإنّما عليه أن يجلس مكانه ويتّصل بالقائمين على المسجد، أو يجلس واضعا علامة على أنّه يحتاج إعانة.

لذلك جاء نهي عن مخالفة شرعيّة أخرى:

3-نشدان الضالّة أو إنشادها: فقد روى مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ ! فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لهذا )).

4-عقد البيع في المساجد: وهذا من الأمور المحرّمة باتّفاق أهل العلم، بل ذهب الحنابلة إلى أنّه باطل لا يصحّ، والأحاديث في ذلك كثيرة جدّا:

- ما رواه أهل السّنن الأربعة عن عبد الله بن عمرِو أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم ( نَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ ). بل جاء ما هو أكثر من ذلك:

- فقد روى التّرمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ )).

- وفي آثار من سبقنا أنّ عيسى  عليه السلام  أتى على قوم يتبايعون في المساجد، فجعل رداءه مخراقا - لفّه حتّى صار خشنا - فجعل يضربهم به وهو يقول:" يا أبناء الأفاعي ! اتّخذتم مساجد الله أسواقا، هذه سوق الآخرة ".

وإن كان النّاس قد ابتعدوا عن وضع سلعهم في المسجد كما توضع في الأسواق، ولكنّهم يقعون في النّهي في حالتين:

بيعهم في ساحة المسجد، وقد بيّنا أنّ ساحة المسجد من المسجد.

الاتّفاق على البيع في المسجد، كأن يقول له: تبيعني كذا بكذا، فيوافق الآخر، فهنا قد وقع البيع.

ومن المخالفات المرتكبة:

5-التّشبيك بين الأصابع في المسجد: ألا فاعلموا أنّ التّشبيك بين الأصابع مكروه في حالات ثلاث:

- الأولى: في الصّلاة.

- الثّانية: أثناء المشي إلى الصّلاة.

- الثّالثة: في المسجد. والأدلّة على ذلك كثيرة:

روى التّرمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ )). فهذا فيه النّهي عن التّشبيك بين الأصابع حال الخروج إلى الصّلاة، والعلّة قوله: (( فإنّه في صلاة )) فدلّ ذلك على أنّه يُكره في الصّلاة من باب أولى.

وروى أحمد عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم الْمَسْجِدَ وَقَدْ شَبَّكْتُ بَيْنَ أَصَابِعِي فَقَالَ لِي: (( يَا كَعْبُ ! إِذَا كُنْتَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا تُشَبِّكْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ فَأَنْتَ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتَ الصَّلَاةَ )).

ومن المخالفات أيضا:

6- الإيطان:

فقد روى الإمام أحمد وأبو داود والنّسائي وابن عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ رضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم (( نَهَى عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَقَامَ لِلصَّلَاةِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ )).

7- الاستهانة بأوقاف المسجد: ويلحق به:

8- حجز الأماكن في المسجد: فإنّ هذه الظّاهرة يعدّها العلماء من غصب الأماكن في المسجد، فينبغي للمسلمين أن يتنزّهوا عن فعل ذلك، ولا يُغني عند الله كونهم حريصين على الاقتراب من المدرّس ومن الخطيب، فأحقّ النّاس بالمكان من جاء فوجده، فإنّ المسجد ومكانه وقف لجميع المسلمين، ولا يجوز الحجز إلاّ إذا قام لعارض، مثل تجديد الوضوء، وإعانة شخص على شيء في المسجد، وذلك للحديث الذي روه مسلم عن أبي هريرة رضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ )).

معاشر المؤمنين، إنّه لمّا كان صدر هذه الأمّة بمثل هذه المثابة أخرجوا لنا من المساجد رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأقبلوا بكلّ ما أوتوا من قوّة إليه، وعندما ذهب هذا التّعظيم وهذه الرّسالة عادت الأمّة كثيبا مهيلا، لا تحسن إلاّ صراخا وعويلا:

يا أمّتي قـد وجب الكفـــــاح     فدعي التّشدّق والصّيـــاح

لا يـُصنـــــع الأبــطـــــــال إلاّ      في مـساجدنا الفـســـاح

في روضــة القـــــــرآن فــي      ظلّ الأحاديـث الصّـحــــاح

في صحبـــة الأبــــرار مـمّن       فـي رحــــــاب الله سـاح

أمّـة مـن غـــيـــــر صــــــلاة       وَرَقٌ تــــــــــذروه الرّيــــاح

من خان حيّ على الصّلاة       يخون حـيّ عـلى الكفاح.


[1]/ " صحيح التّرغيب والتّرهيب " (1/38).

أخر تعديل في الخميس 08 ذو القعدة 1432 هـ الموافق لـ: 06 أكتوبر 2011 05:23
الذهاب للأعلي