الخميس 14 رمضان 1444 هـ الموافق لـ: 06 أفريل 2023 00:04

- الوصايا العِظام عند انتصاف شهر الصّيام.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

[الخطبة الأولى] بعد الحمد والثّناء:

فها هو قد انتصف شهر الصّيام، وستنقضي معالمه بعد أيّام، ويصل القوم إلى نقطة الوصول: فينقسمون إلى: مرحوم مقبول، أو محروم مخذول.

ولعلّ الصّالحين العابدين، الرّاكعين السّاجدين، لا يشغلهم إلاّ سؤال واحد: ما الحيلة والسّبيل إلى مواصلة السّير إلى رضوان الله العليّ الجليل ؟ كيف السّبيل إلى الثّبات وأنا أرى الحميم والصّديق، والزّميل والرّفيق، قد تنكّبوا وتساقطوا على الطّريق ؟!

ولعلّ كثيرا من المفرّطين ممّن أسرفوا على نفوسهم، وكثيرا من المقصّرين ممّن وقعوا على أمّات رؤوسِهم، سمعوا قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ )) فتراهم يتنساءلون:

ألا من خير مفسوح ؟ ألا من باب مفتوح، لنتدارك ما فاتنا، ونجمع شتاتنا، ونلمّ رفاتنا ؟

ألا من سبيل إلى أن نلحق بركب الصّالحين، فنكونَ من الفائزين ؟

إلى هؤلاء وهؤلاء .. أزفّ إليكم ما رواه البخاري ومسلم عن أَبِي سعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قالَ:

اعْتَكَفَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم العَشْرَ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السّلام، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ.

فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ . 

فكان الخير كلّه في العشر الأواخر من هذا الشّهر.

فلا أجد ما أوصيك به بعد الدّعاء، للثّبات على الهداية، واجتناب أسباب الضّلال والغواية، إلاّ ثلاثاً:

حسن اختيار المكان، وحسن استغلال الزّمان، وحسن اختيار الجليس من بني الإنسان.

أمّا الأمر الأوّل، فهو: حسن اختيار المكان.

ودع الاختيار لله الواحد القهّار، فهو القائل:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}، ولن تجد مكانا أعظم ولا أحلى، ولا أحسن ولا أغلى، من بيت الله تعالى.

فتعالَ معي لتُلقِي نظرة على تعظيم جلوسك في بيت الله:

1- فاعلم أنّك في مكان سمّاه الله ( بيت الله ).

فإنّك لن تذهب إلى بيت غنيّ من الأغنياء، أو ثريّ من الأثرياء، وإنّما ستذهب إلى بيت ربّ الأرض والسّماء، فأنت ضيفه مدّة مكوثك فيه، كما في الحديث الّذي رواه البخاري ومسلم عن أبِي هريرَةَ رضي الله عنه عنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ )).

وَالنُّزُل - بضمّ الزّاي -: المكان الَّذِي يُهَيَّأُ لِلنُّزُولِ فِيهِ، وبسكون الزّاي: ما يُهيّأ للقادم من الضّيافة.

2- وأنّك في خير البقاع.

روى مسلم عن أَبي هريرَةَ رضي الله عنه أَنّ رَسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا )).

وسترى هذه الأيّام كيف تكتظّ شرار البقاع عوضا من ملء خير البقاع.

3- وأنّك في مكان تضاعف فيه الأعمال.

ففي الصّحيحين عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً )).

4- وأنّ الماكث فيه مشهود له بالإيمان.

قال تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18].

5- وانظر فقط إلى فضل المشي إليها.

فإنّه إذا ثبت الأجر العظيم لمن زار أخا له في الله، فكيف بمن زار وقصد بيتا من بيوت الله ؟ لذلك روى مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( إنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ )).

6- أنّ الماشين إلى المساجد بشّرهم الله بالنّور التامّ، يوم تزلّ على الصّراط الأقدام.

روى التّرمذي وأبو داود وغيرهما عن بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه عنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )).

من أين نحصل على هذا النّور العظيم ؟ قال تعالى في آية النّور:{اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35].

ثمّ قال تعالى بعدها مباشرة:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور:36].. فلا يكون هذا النّور إلاّ في بيوت الله.

7- وسمّى انتظار الصّلاة بعد الصّلاة رباطا.

حتّى إنّ بعض السّلف فسّر بذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، وكأنّ الذي يلازم المساجد على ثغرة من ثغور بلاد المسلمين.

روى البخاري وومسلم عن أبي هرَيرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ )). وفي رواية لهما أيضا: (( الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ )).

8- بل شبّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم المؤمن الملازم للمسجد بالوتد الذي يشدّ البناء.

روى أحمد عن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا، الْمَلَائِكَةُ جُلَسَاؤُهُمْ، إِنْ غَابُوا يَفْتَقِدُونَهُمْ، وَإِنْ مَرِضُوا عَادُوهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ )).

9- المُكث بالمسجد من مكفّرات الخطايا.

روى الترمذي عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي تبارك وتعالى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ [قَالَ: أَحْسَبُهُ قَالَ فِي الْمَنَامِ] فقالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى ؟ قالَ: قلْتُ: لَا.

قالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فِي الْكَفَّارَاتِ، وَالْكَفَّارَاتُ: الْمُكْثُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَالْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ، وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ )).

من أجل ذلك كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعتكف في شهر رمضان بمسجده، ويعتكف معه نساؤه، أي: يبقون به للذّكر والعبادة لا يبرحونه.

الخطبة الثّانية:

فإنّ الأمر الثّاني الّذي يحسن بك أخي المسلم أن تحرص عليه:

حسن استغلال الزّمان.

فإنّ الله تعالى يقول:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون].

وفي صحيح البخاري قال ابن عمر رضي الله عنهما: أَخَذَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بِمَنْكِبِي فقالَ: (( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ )). وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.

لأجل هذا كان السلف الصّالح أشدّ الناس حرصًا على اغتنام أوقاتهم في ذكر الله تعالى، وتلاوة كتابه، وتعلّم دينه، والإحسان إلى خلقه.

فمن ذلك:

عامر بن عبد قيس، إذ قال له رجل: قِفْ أكلّمْك، قال: أمسك الشّمس، أي إن استطعت أن تمسك الوقت فلا يمرّ، فسأقف.

وكان داود الطّائي يستفّ الفتيت، يأكل فتات الطعام، ويقول: بين سفّ الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية.

وكان عثمان الباقلاني دائم الذّكر لله تعالى، فقال: إنّي وقت الإفطار أحسّ بروحي كأنها تخرج لأجل اشتغالي بالأكل عن الذّكر.

والله تعالى قد وصف هذه الدّنيا بالقلّة والضّآلة، ووصف أيّام شهر الطّاعة بقوله:{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، فكيف إذا لم يبق من الشّهر إلاّ أيّام قليلات ؟!

وأختم كلمتي هذه بأمر ثالث بعد ضرورة حسن اختيار المكان، وحسن استغلال الزّمان، فإنّ عليك:

أن تحسن اختيار الجليس من الخلاّن.

والأدلّة أكثر من أن تُحصَى في بيان منزلة الجليس الصّالح، وخطر وضرر جليس السّوء، منها:

- فاعلم أنّ الجليس يؤثّر فيك لا محالة.

روى البخاري ومسلم عن أبِي موسَى رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ: لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً )).

- ثمّ اعلم أنّ الجليس السّوء من عوائق التّوبة، وهو ما أشار به العالم على قاتل المائة نفس: (( وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ )).

- بل حتّى رؤيته جاء في الشّرع ما يدلّ على دفعها.

ولعلّك تلحظ أنّ من عقوبة الزّاني زيادة على الجلد النّفي ففي الصّحيحين عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه عن رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: ( أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِجَلْدِ مِائَةٍ وَتَغْرِيبِ عَامٍ ).

- وتذكّر أنّ الماء والهواء والجماد يفسد إذا كان بقُرب الجيف، فكيف بأنفاس العصاة ؟!

والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر بإلقاء ما جاور النّجاسة فقال عن السّمن الذي وقعت فيه الفأرة الميتة: (( أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ وَكُلُوا سَمْنَكُمْ )) رواه البخاري ومسلم عن مَيْمُونَةَ رضي الله عنها.

فاصحَبْ من يعِظُك بلحظِه قبلَ وعظِه بلفظِه.

روى الطّبراني عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (( أَوْلِيَاءُ اللهِ تعالى الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِِرَ اللهُ تعالى )) ["السلسلة الصّحيحة" رقم (1732)].

قال عبد الله بن المبارك: إذا نظرتُ إلى الفضيل جدَّد لِيَ الحزنَ، ومقتُّ نفسي !

وكان الإمام أحمد رحمه الله إذا بلغه عن شخص صلاحٌ أو زهدٌ أو قيامٌ بحقٍّ سأل عنه، وأحبّ أن يجري بينه وبينه معرفة.

أنـت فـي النّـاس تقـاس     بالـذّي اختـرتَ خـلـيـلا

فاصحب الأخيـار  تعـلـو     وتـنــل ذكـرا جـمـيـلا

وكانت امرأة حبيب أبي محمّد الفارس - وكان مجاب الدّعوة - رحمهما الله تقول له باللّيل: قم يا حبيب ! قد ذهب اللّيل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصّالحين قد سارت أمامنا ونحن بقينا مكاننا.

وإن أعجزك إيجادُ الجليس الصّالح، فعليك بجليس لا يملّ:

قراءة سير السّلف:

وممّا يدل على أنّ دراسة تراجمهم فيه كلّ الخير، تلكم القصص التي ذكرها الله تعالى في القرآن، وأمر بالاقتداء بهم أهل الإيمان:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} [الأنعام: من الآية90].

فأخبار الصّالحين جند من جنود الله يُثبّت الله بها قلوب أوليائه. وكان أبو حنيفة يقول: أخبارهم أحبّ إلينا من كثير من الفقه.

قال تعالى:{وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}.

هذا عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه تزوّج امرأة من نساء عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقال:" والله ما نكحتها رغبةً في مالٍ ولا ولد، ولكنّي أحببت أن تُخبِرني عن ليل عمر رضي الله عنه ".

وذكر الذّهبي رحمه الله في "السّير" (1/33)، وابن حجر رحمه الله في "الإصابة" (6/178) عن ابن أبي ليلى: تزوّج رجل امرأة ابن أبي رواحة، فقال: والله ما تزوّجتها إلاّ لتُخبِرني عن صنيع عبد الله في بيته.

وختاما، فإنّي أدعوك أخي الكريم، إلى أن تعيش هذه النّصوص، ثمّ انظر إلى ما ترمي إليه.

فإنّه إذا كان هذا حال مجرّد الجليس وهو يحدّثك، فكيف بجليس يصف لك الفتنة وأهوالها، والدّنيا وأحوالها ؟!

كيف بجليس يعرض عليك عالم الشّهوات، وميادين النّزوات ؟!

ولا أعني بذلك إلاّ أجهزة وسائل الإعلام الّتي دمّرت بيوتنا، وأفسدت قلوبنا، وخرّبت عقولنا ..

فإنّه من جلس أمامها ساعة، أفسدت عليه سبل الخير والطّاعة.

أخر تعديل في الخميس 15 رمضان 1444 هـ الموافق لـ: 06 أفريل 2023 08:35
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي