الأربعاء 01 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 05 جانفي 2011 01:03

- الزّواج من نساء أهل الكتاب: حكمه، وشروطه، ومفاسده (1)

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسلام على رسول الله، أمّا بعد:

فهذا بحث مختصر نتطرّق فيه إلى بيان مسائل مهمّة تتعلّق بزواج المسلم من نساء أهل الكتاب، وذلك لأسباب كثيرة منها:

أ‌) لشيوعه في زماننا، فكان لزاما معرفة حكمه الشّرعيّ، ويكون المسلم على بيّنة من أمره.

ب‌) ولجهل أكثر من يباشر هذا الزّواج بشروطه وقيوده الّتي ذكرها أهل العلم.

ت‌) ولبيان المفاسد المترتّبة على هذا الزّواج، والمخاطر النّاجمة عنه.

المبحث الأوّل: حكم زواج المسلم من نساء أهل الكتاب.

وقبل البدء في بيان ذلك، فإنّه لا بدّ أن نعلم أنّ هناك مسائلَ مجمعاً عليها بين أهل العلم ولله الحمد، منها:

* فأجمعوا عل تحريم التّناكح بين المسلمين والمشركين: فلا يجوز لمسلم أن ينكح مشركة ابتداء، ولا أن يمسكها في عصمته استدامة؛ لقوله عزّ وجلّ:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة من:10].

وفي المجوسيّات خلاف: حيث قال بجواز نكاحهنّ بعض العلماء منهم ابن حزم رحمه الله في " المحلّى " (9/445) والشّوكاني رحمه الله في "السّيل الجرّار" (2/252-254).

ومعتمدهم حديث: (( سُنُّوا بِهِمْ [أي المجوس] سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ ))، وقد ضعّفه العلماء، وعلى فرض صحّته فإنّهم حملوه على أخذ الجزية منهم، لا على نكاح نسائهم. [راجع "نصب الرّاية" (3/170)].

* وأجمعوا على تحريم زواج المسلمة من كافر: سواء كان مشركا أو كتابيّا، لقوله تعالى:{فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ} [الممتحنة: من الآية10].

لكن إذا أسلمت الزّوجة، وبقي الزّوج على دينه، ثم دخل في الإسلام قبل انتهاء عدّتها، فهما على نكاحهما الأوّل على الصّحيح، وقيل: يُفسخ نكاحهما بمجرّد إسلامها. [راجع " المغني " لابن قدامة (7/118)].

* وأجمعوا على تحريم زواج المسلم من المرتدّة: على أيّ دين كانت، لأنّها لم تُقرّ على الدّين الّذي انتقلت إليه، وهي غير معصومة الدمّ. ["المغني" (7/121)].

* وأجمعوا على تحريم الكتابية إذا خرجت عن دينها إلى عبادة الأوثان: أو اعتقدت اعتقاد أهل الأوثان كانتشار عقيدة التّناسخ في أوروبا، فإنّه يصير حكمها حكمَ الوثنيّة، ولا يجوز للمسلم حينئذ نكاحُها، وإن ادّعت أنها من أهل الكتاب.

وكذلك إذا ألحدت، فأنكرت الدّين مطلقا، كما هو حال الشيوعيّين في هذا العصر.

قال الخرقي رحمه الله:" وإذا تزوّج كتابية، فانتقلت إلى دين آخر من الكفر غير دين أهل الكتاب، أُجبِرت على الإسلام، فإن لم تُسْلم حتّى انقضت عدّتها انفسخ نكاحها " [" المغني " (7/122)].

أمّا زواج المسلم من الكتابيّة الباقية على ملّتها، فقد اختلف أهل العلم في حلّها على أقوال ثلاثة:

1- القول الأوّل: الجواز، وهو مذهب جمهور العلماء، واستدلّوا بما يلي:

- بآية المائدة، وهي قوله تعالى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة من الآية: 5].

فقالوا: صريح القرآن يدلّ دلالة واضحةً على جواز نكاح نساء أهل الكتاب، ولو كانت اليهوديّة تقول: عزير ابن الله، ولو كانت النّصرانيّة تعتقد ألوهيّة المسيح أو بالأقانيم الثّلاثة، وذلك لأنّ القرآن الكريم أباح أكلَ ذبائحهم ونكاحَ نسائهم في الوقت الّذي يذكر لنا كفرهم الصّريح، وكفرهم كما يقول ابن كثير رحمه الله (1/592):" والّنصارى عليهم لعائن الله من جهلهم ليس لهم ضابط ولا لكفرهم حدّ ".

ورأى جمهور العلماء أنّ هذه الآية:

إمّا مُخصِّصة لعموم قوله تعالى في سورة البقرة:{وَلاَ تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}.

وإمّا أنّ لفظ المشركين لا يتناول أهل الكتاب.

ولقوّة دلالة الآية ادّعى كثير من العلماء الإجماع على جواز نكاح الكتابيّات.

قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (7/99):" ليس بين أهل العلم بحمد الله اختلاف في حلّ حرائر نساء أهل الكتاب، وممّن روي عنه ذلك عمر، وعثمان، وطلحة، وحذيفة، وسلمان، وجابر، وغيرهم "اهـ.

وقال ابن المنذر - كما في " فتح الباري " (9/417)-:" ولا يصحّ عن أحد من الأوائل أنّه حرّم ذلك "، وبمثل ذلك قال النّووي في " المجموع " (17/398).

وسيظهر لنا بعدُ أنّ القائلين بالجواز إنّما قالوا ذلك بشروط وقيود.

واستدلّوا أيضا:

- بالأثر، فقد ورد عن بعض الصّحابة أنّهم تزوّجوا من الكتابيّات من اليهوديّات والنّصرانيّات فقط، منهم: طلحة بن عبيد الله، وحذيفة بن اليمان، وعثمان بن عفّان رضي الله عنهم. وروى الخلال عن الجارود بن المعلّى، وأذينة العبديّ أنّهم تزوّجوا من أهل الكتاب.

[ " تفسير الطّبريّ " (2/332-376) وأحكام القرآن للجصاص (1/332/336)].

- واستدلّوا بالمعقول: فإنّ الكتابية - وقد آمنت في الجملة بالله، وبعض كتبه، واليوم الآخر، وبعض الرّسل - فقد تميل إلى الإسلام إذا عرفت حقيقته، فرجاءُ إسلامها أقربُ من رجاء إسلام الوثنيّة.

قال الكاسانيّ رحمه الله في " بدائع الصّنائع " (3/1414):

" إلاّ أنّه يجوز نكاح الكتابيّة لرجاء إسلامها، لأنّها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة، وإنّما نقضت الجملة بالتّفصيل، بناء على أنّها أخبرت عن الأمر على خلاف حقيقته. فالظّاهر أّنها متى نُبِّهت على حقيقة الأمر تنبّهت، وتأتي بالإيمان على التفصيل، على حسب ما كانت أتت به في الجملة، وهذا هو الظّاهر من حال التي بُنِيَ أمرها على الدليل دون الهوى والطّبع، والزّوج يدعوها إلى الإسلام وينبّهها على حقيقة الأمر، فكان في نكاح المسلم إياها رجاء إسلامها، فيجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة، بخلاف المشركة، فإنها في اختيارها الشرك، ما ثبت أمرها على الحجة، بل على التقليد بوجود الآباء على ذلك "اهـ.

بل جاء في " حاشية المنهاج للنّووي ":

" وقد يقال باستحباب نكاحها، إذا رجي إسلامها، وقد روي أن عثمان رضي الله عنه، تزوّج نصرانيّة فأسلمت وحسن إسلامها، وقد ذكر القفّال أنّ الحكمة في إباحة الكتابية ما يرجى من ميلها إلى دين زوجها، إذ الغالب على النساء الميل إلى أزواجهن وإيثارهم على الآباء والأمهات، ولهذا حرمت المسلمة على المشرك ". [المنهاج مع الحاشية (3/187)].

2- القول الثّاني: الجواز مع الكراهة.

فإنّ ما ذكره ابن المنذر والنّووي وابن قدامة من الإجماع ليس صحيحا:

- فقد كره جماعة من السّلف الزّواج من الكتابيّات، منهم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقد أمر حذيفةَ رضي الله عنه بتطليق الكتابيّة خوفا من نكاح المومسات منهنّ - وسيأتي ذكره -.

- وممّن كرهه أيضا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

- وتبعهما في ذلك بعض التّابعين كعطاء بن أبي رباح، فقد روى ابن أبي شيبة في " المصنّف " (3/475) عن عبد الملك قال: سألت عطاء عن نكاح اليهوديّات والنّصرانيّات فكرهه، وقال: كان ذلك والمسلمات قليل ".

- وهذا اختيار بعض فقهاء المالكيّة، اعتمادا على جاء في " المدوّنة " (4/306):" قال مالك: أكره نكاح نساء أهل الذمّة: اليهوديّة والنّصرانيّة وما أحرّمه ".

[وانظر: " التّاج والإكليل " (3/477)، و" حاشية الدّسوقي " (2/267)، و"مواهب الجليل " (3/477)].

ويوجّه العلماء كراهته لذلك في بلد الإسلام؛ لأنّها: تتغذّى بالخمر والخنزير، وتغذّي ولدها به، وزوجها يقبّلها ويضاجعها، وليس له منعُها من التغذّي ولو تضرّر برائحته، ولا من الذّهاب إلى الكنيسة، وتكون بئس الجليس للولد، وقد تموت وهي حامل، فتدفن في مقبرة الكفّار، وهي حفرة من حفر النّار.

- بل ينقل ابن تيمية الكراهة عن أكثر العلماء، حيث قال في " الاختيارات" (ص217):" ويكره نكاح الحرائر الكتابيّات مع وجود الحرائر المسلمات، قاله القاضي-أي: أبو يعلى- وأكثر العلماء ".

ووجه ذلك أنّ كثيرا من السّلف كانوا يرون الجواز رخصة يُلجأ إليها عند قلّة المسلمات، فقد روى البيهقيّ في " السّنن الكبرى " عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: " تزوّجناهنّ زمن فتح الكوفة مع سعد بن أبي وقّاص، ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرا، فلمّا رجعنا طلّقناهنّ، وقال: لا يرثن مسلما ولا يرثهنّ، ونساؤهم حلّ لنا، ونساؤنا حرام عليهم ".

وقد مضى ما يشبه ذلك من كلام عطاء، وهو اختيار أبي عبيد كما في " فتح الباري "(9/147).

وقال الكمال ابن الهمام في " فتح القدير "(2/372): " ويجوز تزوّج الكتابيّة، والأولى ألاّ يفعل المسلم إلاّ لضرورة ".

3- القول الثّالث: التّحريم.

فهناك من ألحق الكتابيّات بالمشركات، وأنّهنّ داخلات في عموم قوله تعالى:{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: من الآية221]. وداخلات في عموم قوله تعالى:{وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ}.

روى البخاري عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ ؟ قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا أَعْلَمُ مِنْ الْإِشْرَاكِ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ رَبُّهَا عِيسَى وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللهِ !).

ونُسب القول بذلك إلى البخاري حيث بوّب في تفسير آية التّحريم بأثر ابن عمر رضي الله عنه، قال ابن حجر رحمه الله:" فكأنّه يرى أنّ آية المائدة منسوخة ".

وقد أطال الفخر الرّازي في الاستدلال لقول ابن عمر رضي الله عنه، وجملة الأدلّة:

- أنّ الأصل في الأبضاع التّحريم.

- تعارض آية الإباحة مع آية التّحريم يوجب الاستمساك بالأصل.

- أنّ النّهي عن نكاح المشركات معلّل بقوله تعالى:{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [البقرة: من الآية221]، والوصف إذا ذُكر عقب الحكم فهو علّة الحكم.

- وزاد بعضهم دليلا آخر من النّظر، حيث إنّه ليس هناك نصوصٌ كثرت في النّهي عن شيء بعد الشّرك، كما كثرت في النّهي عن موالاة الكفّار من المشركين وأهل الكتاب، فما أكثر النّصوص الدالّة على وجوب معاداة المسلمين للكفار وعدم موالاتهم ! وبخاصة ما ورد في معاداة أهل الكتاب، والموالاة تشمل المحبّة والنّصرة، والزّوج لا بدّ أن يحبّ امرأته، وقد يميل إلى بعض ما تهوى ممّا لا يقرّه الإسلام.

وإنّ هناك فريقا من العلماء والباحثين سواء من أهل السنّة أو من غيرهم من تبنّى قول ابن عمر رضي الله عنه، حتّى ألّف محمّد يوسف موسى كتابا سمّاه " جريمة الزّواج بغير المسلمات فقها وسياسة "، وقال في (ص2):" لو أنّ لي من الأمر شيء لأصدرت قانونا يحظر الزّواج بالكتابيّات كما حظر الفقهاء بالإجماع الزّواج بالمشركات ".

واختار هذا أيضا بدران أبو العينين في " العلاقات الاجتماعيّة بين المسلمين وغير المسلمين " (ص45)، وألّف الغماريّ كتابا في ذلك سمّاه " رفع الشكّ والارتياب عن تحريم نساء أهل الكتاب ".

ولم يقف الشّيخ العلاّمة ابن باديس رحمه الله عند حدّ تحريم الزّواج من الكتابيّة، بل حرّم الزّواج من كلّ امرأة تحمل جنسيّة لغير بلد إسلاميّ ولو كانت مسلمة، لأنّه يرى أنّ المتجنّس بجنسيّة غير بلد إسلاميّ مرتدّ، ولا يحلّ الزّواج بالمرتدّة.

جاء في " مجلّة البصائر " (عدد 95) السنّة الثّالثة بتاريخ 14 يناير 1938 ما نصّه:

" ومن تزوّج بامرأة من جنسيّة غير إسلاميّة فقد ورّط نسله في الخروج من حظيرة الشّريعة الإسلاميّة، فإن كان راضيا لهم ذلك مختارا له فهو مرتدّ عن الإسلام جانٍ عليهم ظالم لهم .. وإن كان غير راض لهم بذلك ولا مختارا وإنّما غلبته شهوته على ذلك الزّواج فهو آثم بجنايته عليهم وظلمه لهم .. "اهـ.

والجواب عن أدلّة أصحاب القول الثّالث بما يلي:

- أنّ آية المائدة من أواخر ما نزل، فلا يمكن القول بنسخها.

- ولأنّه جرى عليه عمل الصّحابة رضي الله عنهم كما سبق ذكر بعضهم.

- ويحمل الجمهور مذهب ابن عمر رضي الله عنه على أنّه خاصّ بمن تشرك من أهل الكتاب، لا من توحّد، وتبقى آية الحلّ خاصّة بمن لم تبدّل دينها [" فتح الباري " (9/416-417)].

- أمّا الاستدلال بآيات البراء من أهل الكتاب، فبعيد لأمور:

الأمر الأوّل: أنّ الله تعالى الّذي نهى المسلمين عن اتّخاذ اليهود والنّصارى أولياء، هو الّذي أحلّ نساء أهل الكتاب للمسلمين، وهو سبحانه يعلم ما يترتب عن ذلك، والمؤمن مأمور أن يتّقي الله ما استطاع.

الأمر الثاني: أنّ محبّة الزّوج لامرأته، هي من نوع المحبة الطّبيعية الّتي لا تدخل في المحبّة المنهيّ عنها، وهي المحبّة الدّينية: أن يحبّها لدينها وأخلاقها وعاداتها الّتي تخالف شريعة الإسلام، فلا يضرّه أن يحبّ امرأته المحبّة الطبيعية.

وإنّ حكم امرأته الكتابيّة الّتي أحلّها الله له، كحكم أمّه وأبيه وأقاربه المشركين، الّذين قال الله تعالى في شأنهم:{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة]. والبرّ هنا هو: الصّلة الدنيوية.

الأمر الثّالث: أنّ الأصل في المسلم الّذي يتزوّج الكتابية، أن يجتهد في دعوتها إلى الإسلام؛ لأن من أهم أهداف حلها له: أن يرغبها في الإسلام لتدخل فيه.

قال الكاسانيّ رحمه الله:" فكان في نكاحه إياها رجاء إسلامها، فيجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة، بخلاف المشركة.. " [بدائع الصنائع (3/1414) وراجع حاشية منهاج النووي (3/187)].

التّرجيح:

إنّ أهل العلم قد يُطلِقون الجواز وهم يريدون مقابلة الحرام فقط، ولا يعنِي أنّهم لا يكرهونه، ونظير ذلك في علم الحديث نراهم يُطلقون على الحديث بأنّه صحيح في مقابلة الضّعيف، وهم يرونه حسناً فحسْب. لذلك نرى شيخ الإسلام ابن تيمية ينسُب القول بالكراهة إلى أكثر أهل العلم.

لذلك نستطيع أن نقول: إنّ زواج المسلم بالكتابيّة الّتي لم تخرج عن دينها إلى الوثنيّة أو الإلحاد، جائز مع الكراهة، إذا تزوّجها في دار الإسلام، وهي الذمّية، أو من أشبهت الذمّية في عصرنا بعيشها في بلاد الإسلام..

وسبب القول بالكراهة خشية تأثير الكتابية على زوجها المسلم وأسرته وأولاده، بمعتقدها أو عاداتها وأخلاقها التي تخالف الإسلام.

ولكن، لا بدّأن نعلم أنّ القول بالجواز مع الكراهة إنّما هو بشروط مهمّة نذكرها لاحقا إن شاء الله، وإلاّ كان نكاحهنّ محرّما.

[يتبع إن شاء الله]

أخر تعديل في الأربعاء 28 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 02 فيفري 2011 19:34
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي