الثلاثاء 28 جمادى الثانية 1432 هـ الموافق لـ: 31 ماي 2011 07:45

- البيان والتّوضيح لما في العامّية من الفصيح (4)

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

( حرف الثّــاء )

ثُـولالـة

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فلم يكن من السّهل أن نضع أيدينا على لفظة تبدأ بحرف الثّاء ممّا درج عليه النّاس في لهجاتهم، وقد ذكرنا في المقال الأخير أنّ أهل المدن لا يكادون ينطقون بالثّاء والذّال والضّاد ! فهي حروف سقطت من لسانهم، أو أنّها بقيت ولكن لم يبقَ شيء من أسنانهم، فنلتمس لهم عذرا ومخرجا، مع أنّهم لم يجدوا لهذه الأحرف مخرجا.

والمدن الّتي لا تزال تأتي بهذه الأحرف على وجهها، ولا تكاد جملة من جملهم تخلو منها: مدن بلاد القبائل، فهذه الأحرف الثّلاثة تكثر في كلماتهم، ولم تغِب عن استعمالاتهم، كما أنّك تجد بعض القرى بالغرب الجزائري لا يزالون يعرفون هذه الأحرف، فوجدناهم ينطقون بالثّاء في كثير من الكلمات، كالرّقم ( ثلاثة )، و( ثورة )، و( ثقيل ) وغيرها.

ومن ألفاظهم ( ثُولاَلة )، وهي: نتوء خشن وصلب ينمو على سطح الجلد، يظهر على اليد أو القدم أو الوجه أو أي مكان من الجسم، ويجمعونه على ( ثُلال ).

وهي لفظة قريبة من الفصحى، فقد ذكر العلماء في معاجمهم كلمة ( ثؤلول )، قال ابن منظور رحمه الله في " اللّسان ":" هو الحَبَّة تظهر في الجِلد كالحِمَّصة فما دونها "، وكذا قال ابن الأثير في " النّهاية " وغيرهما.

ولنا مع هذه الكلمة وقفات:

1- إنّ هذه الكلمة قد سُهِّلَتْ همزتُها على عادة أهل المغرب العربيّ، فقالوا: ( ثو ) لا ( ثؤ )، وهو أمر مشهور في لغة العرب، وعليها قراءة ورش عن نافع، ولعلّ السّبب في انتشار هذه الرّواية بأرض المغرب العربيّ أنّها موافقة للهجة أهلها، يسيرة على لسانها.

2- ولكنّ الكلمة لم تسلم من التّحريف من جهتين:

أ‌) أنّهم قلبوا الواو الثّانية ألفا، فقالوا ( ثولالة ) بدلا من ( ثولولة ).

ب‌) وأدخلوا عليها تاء التّأنيث؛ فقالوا ( ثولالة ) في المفرد، و( ثولال ) في الجمع، والصّواب أنّ المفرد من غير تاء، والجمع (ثآليل)، ونظير هذا الخطأ قولهم عن الذّباب: (ذبّانة) في المفرد، و(ذبّان) في الجمع !

فإن قال قائل: إنّ العرب تُدخِل التّاء على المفرد وتحذفها في الجمع، وهو ما يُسمّى باسم الجنس الجمعيّ، كقولهم في المفرد: بقرة، وشجرة، وكلمة، وفي الجمع: بقر، وشجر، وكلِم ؟

فالجواب: أنّ اسم الجنس الجمعيّ سماعيّ لا قياس فيه.

3- جمع هذه الكلمة ( ثآليل ) -كما سبق بيانه -، وقد ذكر ابن منظور رحمه الله حديثا في ذلك فقال:" وفي الحديث في صفة خاتم النبوّة كأَنه ثَآلِيل "اهـ..

وهو حديث صحيح، رواه التّرمذي في " الشّمائل المحمّدية " عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: ( أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدُرْتُ هَكَذَا مِنْ خَلْفِهِ، فَعَرَفَ الَّذِي أُرِيدُ، فَأَلْقَى الرِّدَاءَ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَأَيْتُ مَوْضِعَ الخَاتَمِ عَلَى كَتِفَيْهِ مِثْلَ الجُمْعِ حَوْلَهَا خِيلاَنٌ، كَأَنَّهَا ثَآلِيلُ ).

4- تنتج عدوى ( الثّؤلول ) عن الإصابة بفيروسات معيّنة، وهذه الفيروسات تعيش في خلايا الطّبقة السّطحية من الجلد ولا تصيب الأنسجة الباطنية للجلد. وينتشر الفيروس عن طريق اللّمس إلى أجزاء أخرى من الجسم، أو إلى شخص آخر إذا خدش الثّؤلول.

والله تعالى أعلم، وأعزّ وأكرم.

أخر تعديل في الثلاثاء 28 جمادى الثانية 1432 هـ الموافق لـ: 31 ماي 2011 07:49
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي