الثلاثاء 08 شوال 1432 هـ الموافق لـ: 06 سبتمبر 2011 09:15

- متى يعود الضّمير على متأخّر ؟

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله والصّلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فمن المقرّر في اللّسان العربيّ: أنّه لا بدّ لأيّ ضميرٍ من مفسِّر يعود إليه، فيبيّن ما يراد به.

والغالب أن يكون المفسِّر متقدّما، وتقدّمه على ثلاثة أنواع:

1- تقدّم في اللّفظ والرّتبة - أي: التّقدير-.

فإذا قلت:" أكرَمَ زيدٌ أخاه "، كان الضّمير عائدا على ما يفسّره وهو (زيد)، و(زيد) متقدّم في اللّفظ، وكذلك في الرّتبة؛ لأنّ رتبة الفاعل مقدّمة على رتبة المفعول دائما.

2- تقدّم في اللّفظ دون الرّتبة.

فإذا قلت:" أكرم زيداً أخوه "، كان الضّمير عائدا على (زيد)، وهو متقدّم في اللّفظ، ومتأخّر في الرّتبة؛ لأنّ رتبة المفعول متأخّرة عن رتبة الفاعل.

ومنه قوله عزّ وجلّ:{وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ}.

3- تقدّم في الرّتبة دون اللّفظ.

فإذا قلت:" أكرم أخاه زيدٌ "، كان الضّمير عائدا على (زيد)، وهو متأخّر في اللّفظ، لكنّه متقدّم في الرّتبة كما سبق بيانه.

الحاصل: أنّ الضّمير لا يعود على متأخّر في الرّتبة واللّفظ معا.

فمتى يكون المفسِّر متأخّرا عن المفسَّر في اللّفظ والرّتبة معاً ؟

فمن غير الغالب أن يكون المفسِّر مؤخّرا في اللّفظ والرّتبة، وهو محصور في سبعة أبواب نظمها الشّيخ مختار بن بونة رحمه الله، فقال:

والأَصْلُ أَنْ يُؤَخَّـرَ المُـفَسَّــرُ *** وَبِـسِـوَى الأَقْـرَبِ لاَ يُـفَـسّـرُ 

وقَـدِمَـنَّـهُ إِذَا مَـا كـَمَّـلاَ *** مَـعْمُـولَ كَفِـعْل وهَـذَا نُُـقِـلاَ

فِيمَا بِـرُبَّ جُرَّا، ومَـا ارْتَفَـعَا *** بِـأَوَّلِ اللّـذَيـنِ قَـدْ تَـنَـازَعَـا

أو نِـعْـمَ أو مَا أُبْدِلَ المُفَـسِّـرُ *** مِنْهُ، وَذَا فـي الشَـأْنِ أَيْـضًا يُـذْكَرُ

وقال آخر:

وَعَـوْدُ  مُضْـمَرِ عَلَى مَا  بَعْـدَهُ *** لَفْـظًا وَرُتْـبَةً فَحَـصِّلْ عَدَّهُ

في مُضْمَرِ الشَأْنِ، ورُبَّ، والبَـدَلْ *** نِعْمَ وبِئْسَ، مَعْ تَنَازُعِ العَـمَـل

وقد ذكرها ابن هشام رحمه الله في " شذور الذّهب "، فقال:

1- أحدها: باب ضمير الشّأن.

نحو: ( هو - أو هي- زيدٌ قائمٌ ) أي: الشّأن أو الحديث أو القصّة، فإنّه مفسَّرٌ بالجملة بعده، فإنّها الحديث نفسه، والقصّة نفسها.

ومنه قوله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:الآية 1] أي: الشّأن أنّ الله أحد، وقوله تعالى:{فََإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} [الحَجّ: الآية 46] أي: القصّة أنّها لا تعمى الأبصار.

2- أن يكون مُخْبَرًا عنه بِمُفَسِّرِهِ.

نحو قوله تعالى:{مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية: الآية 24]، أي: ما الحياة إلاّ حياتنا الدّنيا.

3- الضّمير في باب ( نعم وبئس ).

نحو قولنا:" نِعْمَ رَجُلاً زَيْدٌ "، فإنّ الفاعل ( زيدٌ ) مفسّر بالتميّيز.

ومنه قوله تعالى:{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف: الآية 50]، أي: بئس البدل للظّالمين.

وقد أشار ابن مالك رحمه الله في " الخلاصة " إلى هذا الموضع في باب ( نعم وبئس ) بقوله:

وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً يُفَسِّرُهُ *** مُمَيِّزٌ، كَنِعْمَ قَوْماً مَعْشَرُهُ

4- مجرور"ربّ ".

كقول الشّاعر:

رُبَّهُ فِتْيَةً دَعَوْتُ إِلَى مَا *** يُورِثُ المَجْدَ دَائِماً فَأَجَابُوا

وقد أشار ابن مالك رحمه الله إلى هذا الموضع في باب حروف الجرّ بقوله:

وَمَا رَوَوْا مِنْ نَحْوِ رُبَّهُ فَتَى *** نَزْرٌ، كَذَا كَهَا، وَنَحْوُهُ  أَتَى

5- في باب التّنازع.

وذلك إذا أعملت الثّانِيَ، واحتاج الأوّلُ إلى مرفوع، نحو قولك:" قَامَا وَقَعَدَ أَخَوَاكَ "، فإنّ الألف راجعة إلى الأخوين.

ومنه قول الشّاعر:

جَفَوْنِي ولم أَجْفُ الأَخِلاَّءُ إِنَّنِي *** لِغَيْرِ جَمِيلٍ مِن خَلِيلِي مُهْمِلُ

فإنّ الواو راجعة إلى ( الأخلاّء ).

وقد أشار ابن مالك إلى هذا الموضع في ( باب التّنازع ) بقوله:

كَيُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَـاكَـا *** وَقَـدْ بَغَـى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَـا

فإنّ الألف في "يحسنان" راجعة إلى "ابناكا ".

6- الضّمير المُبْدَلُ منه ما بعده.

كقولك في ابتداء الكلام:" أكرمتُهُ زيداً "، وقول بعضهم:" اللّهمّ صلِّ عليه الرّءوفِ الرّحيمِ ".

وقد أشار ابن مالك رحمه الله إلى هذا الموضع بقوله في باب ( البدل ):

كَزُرْهُ خَالِداً وَقَبِّلْهُ الْيَدَا *** واعْرِفْهُ حَقَّهُ وَخُذْ نَبْلاً مُدَى

فالهاء في " زُرْهُ " راجعة إلى خالد.

7- الضّمير المتّصلُ بالفاعل المقدَّمِ.

وهو العائِدُ على المفعول المؤخّرِ، وهو ضرورة على الأصحّ، كقوله:

جَزَى رَبُّهُ عَنِّي عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ *** جَزَاءَ الْكلاَبِ الْعَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَلْ

فأعيد الضمير من ( رَبُّهُ ) إلى ( عديّ )، وهو متأخّر لفظاً ورتبةً.

وقد أشار ابن مالك رحمه الله إلى هذا الموضع في باب ( الفاعل ) بقوله:

وَشَاعَ نَحْـوُ: خَافَ رَبَّـهُ عُمَـرْ *** وَشَـذَّ نَحْـوُ: زَانَ نَـوْرُهُ الشَّجَـرْ

فأعيد الضّمير في "نوره" إلى الشّجر، وهو متأخّر لفظًا ورتبةً.

والله تعالى أعلم.

أخر تعديل في الثلاثاء 08 شوال 1432 هـ الموافق لـ: 06 سبتمبر 2011 09:23
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي