الاثنين 28 شوال 1432 هـ الموافق لـ: 26 سبتمبر 2011 17:45

البيان والتّوضيح لما في العامّية من الفصيح (9)

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

حرف الذّال

( ذراري )

تجري هذه الكلمة على ألسنة النّاس، ومعناها: الأطفال الصِّغار، وتُطلق مجازا على من سفِه وطاش من الكبار.

وهي من الكلم الفصيح، واستعمال العامّة لها بهذا المعنى استعمال صحيح.

أمّا أصل اشتقاق هذه الكلمة، فللعلماء فيه أقوال:

القول الأوّل: هي فُعْلِيّة من (الذرّ) أي: صغار النّمل.

لأنّ الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم عليه السّلام كالذرّ حين أشهدهم على أنفسهم.

قال ابن منظور رحمه الله:" وكان قياسه (ذَرِّيَّةٌ) - بفتح الذّال -، لكنّه نسبٌ شاذّ، لم يجئ إلاّ مضمومَ الأَوّل ".

فعلى هذا القول، فإنّ كلّ الخلق ذراري؛ إلاّ أنّه خُصّ به صغار بني آدم، تشبيها لهم بصغار النّمل.

القول الثّاني: هي مأخوذة من (ذرو، وذري)، من قولك: ذروت الحبّ وذريته. أي: نشرته وفرّقته، ومنه قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}.

وعلى هذا القول، فالخلق جميعهم ذراريّ أيضا؛ لتفرّقهم في الأرض، إلاّ أنّه خُصّ به الصّغار للطفهم وخفّتهم.

القول الثّالث: هي مأخوذة من (ذرأ)، أي: خلق، فإذا قلت: ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا، أي: خلقهم. إلاّ أنّ العرب تركت همزها.

ومنه قول الله تعالى:{ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشّورى من: 11]، ومنه الدّعاء الثّابت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَذَرَأَ وَبَرَأَ )) [رواه أحمد وهو صحيح].

فالذرّية معناها: المذروءة، أي: المخلوقة، والجمع: الذراريّ. وخصّ به الصّغار لأنّهم على صورة أوّل الخلق.

وهذا أقرب الأقوال إن شاء الله تعالى.

فائـدة:

ذكر ابن منظور رحمه الله في "لسان العرب" وغيره أنّ (الذُّرِّيَّة) لفظ يقع على الآباءِ والأبناء، والأولاد والنّساء.

أمّا إطلاقه على الآباء فكقول الله تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ}، أَراد آباءهم الذين حُمِلُوا مع نوح في السّفينة.

وأمّا إطلاقه على النّساء، فكقوله صلى الله عليه وسلم وقد رأَى في بعض غَزَواته امرأةً مقتولةً، فقال: (( مَا كَانَتْ هَذِه لِتُقاتِلَ ))، ثمّ قال للرّجل: (( اِلْحَقْ خَالِداً، فَقُلْ لَهُ: لاَ تَقْتُلْ ذُرِّيَّةً وَلاَ عَسِيفاً )) ["السّلسلة الصّحيحة" (2/200)].

الشّاهد: أنّه سمّى النّساءَ ذُرّيةً.

والله تعالى أعلم.

عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي