الخميس 04 صفر 1433 هـ الموافق لـ: 29 ديسمبر 2011 12:52

18- قل: مديرون، ولا تقل: مدراء

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فكثيرا ما سمعنا على الإذاعات، وقرأنا في المجلاّت كلمة ( مُدَراء )، يقصدون بها جمع ( مدير ) ! وهكذا الأمّة إذا لم تتعوّد وتحسن جمع الكلمة.

والصّواب هو أن يقال: هؤلاء مديرون، هذا خاصّ بمديري كذا ... الخ.

ولا بدّ أن نعلم سبب هذا الغلط، ثمّ سبب انتشاره على هذا النّمط.

أ) سبب هذا الغلط.

لا شكّ أنّهم وجدوا من كلام العرب ( فَعيل ) يجمع على ( فعلاء )، ككريم ونجيب وحليم، فتجمع على كُرماء ونُجباء وحُلماء.

فراحوا يقيسون على ذلك، فأتوا بمثل هذه المهالك، والقياس فاسد من وجهين:

أوّلا: أنّ فعيل الّتي تجمع على فُعلاء فاؤها أصليّة، فإنّ ( نجيب، وكريم، وحليم ) من ( نجُب، وكرُم وحلُم ).

في حين أنّ الميم من ( مُدير ) زائدة؛ فأصل الفعل ( دار ) ثمّ دخلت همزة التّعدية فصار الفعل (أدار)، وفي المضارع (يُدير)، واسم فاعله (مُدير) على القاعدة في صوغ اسم الفاعل من غير الثّلاثيّ.

ثانيا: ولو سلّمنا أنّ الميم من (مدير) أصليّة - وهو من المحال -، فإنّ (فَعيل) الّتي تُجمع على (فُعلاء) مفتوحة الفاء وكلمة ( مُدير ) مضمومة الميم.

مع ضرورة التّنبيه على أنّ وزن ( مدير ) هو ( مُفْعِل ) لا ( فَعِيل )، وبيان ذلك يطول، إذ يحتاج إلى بسط القواعد والأصول.

ثانيا: لماذا انتشر هذا الغلط ؟

فاعلم أنّ كلمة ( مدراء ) لم تَرد في أيِّ معجم لغويًّ مُعتَمَد، ولم يذكرها - في حدّ علمي القاصر - إلاّ معجم "المُنجِد".

ومعجم "المنجِد" ألَّفه الأبُ لويس المعلوف اليَسوعي ! فذكر أنّ:" جمع مُدير: مُدَراء ومُديرون " !

ولا يخفى على أحد أنّ "المنجد" كان بحاجة إلى من ينجدُه، فإذا به يصبح مرجعاً لكثير من الصّحفيّين والإذاعيّين ! وكلام الإذاعة والصّحف يجري من الأمّة جريان الدّم في العروق.

وهذا غيضٌ من فيضِ الأخطاء المسجّلة في هذه المعجم ! وقد نبّه على هذه الأخطاء كثيرون، منهم:

1- الشّيخ الأستاذ سعيد الأفغانيّ رحمه الله، فقد كتب تقريرًا في التَّحذير من "المنجِد"، بعنوان:" أضرارُ المنجِد والمنجِد الأبجَدي ".

2- وعقدَ الدُّكتور مازن المبارك فصلاً في كتابه:" نحو وعي لغويٍّ "  بعُنوان: وقفةٌ عند المنجِد.

3- وأثبتَ الأستاذ يسري عبد الغني عبد الله فصلاً في كتابه:" معجم المعاجم العربيَّة " بعنوان: ( المنجِد يريد من يُنجِدُه ).

4- وكتب مصطفى جواد مقالات في مجلَّة "لغة العرب" بعنوان: المنجِد وما فيه من الأوهام.

5- وكتبَ الأستاذ عبد الستَّار فَرَّاج مقالاً في مجلَّة "العربي" بعنوان: ( المنجِد معجم في اللّغة: نقدٌ لا مفَرَّ منه ).

6- ونشرَ الأستاذ مصطفى الشِّهابي مقالاً في مجلَّة المجمع العلميِّ العربيِّ بدمشق بعنوان: ( نظرةٌ في المنجِد ).

7- وأنشأَ الأستاذ منير العِمادي مجموعةَ مقالات بيَّن فيها أغلاطَ "المنجِد"، نُشرت في مجلَّة المعرفة الدمشقيَّة، وفي مجلَّة المجمع العلميِّ العربيِّ بدمشق.

8- وألَّّّّف الأستاذ إبراهيم القطَّان كتابًا في نقده أسماه:" عثراتُ المنجِد في الأدب والعلوم والأعلام ".

9- وصنَّف في نقده أيضًا الدُّكتور أحمد طه حَسانين سُلطان كتـابًا بعنوان:" المنجِد للمعلوف في ميزان النَّقد اللُّغوي ".

10- وبيّنَ الدُّكتور إبراهيم عَوَض ما شابَ "المنجِد" من عصبيَّة نصرانيَّة في كتابه:" النَّـزعة النَّصرانيَّة في قاموس المنجِد ".

وغيرهم كُثُر.

والحاصل: أنّه ليس كلّ ما يلمع ذهباً.

والله تعالى الموفّق لا ربّ سواه.

أخر تعديل في الأحد 04 ربيع الثاني 1433 هـ الموافق لـ: 26 فيفري 2012 21:55
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي