ومن تصفّح كتاب الله تعالى، ودواوين السنّة وجد الصّيام كفّارةً لكثير من الأمور: كالظّهار، والقتل الخطأ، وحلق الشّعر في الإحرام، والصّيد حالة الإحرام، والعجز عن الهدي، والجماع في نهار رمضان، والحِنث في اليمين، وغير ذلك.
فإذا كان المسلم حريصا على الصّيام، فإنّ الله تعالى يمحو عنه به الذّنوب والسيّئات، ويزيده رِفعة في الدّرجات.
الفضل السّادس: الصّوم يشفع لصاحبه في عرصات يوم القيامة.
- وأوّل عرصات يوم القيامة يومُ الحشر، يوم يكون أحبّ شيء إلى الخلق شربة ماء يُذهِبون بها عطشهم، ويروُوا بها ظمأهم.
وقد سبق أن ذكرنا حديث أبي موسى رضي الله عنه، وفيه: (( إنَّ اللهَ تبارك وتعالى قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ أَعْطَشَ نَفْسَهُ لَهُ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ سَقَاهُ اللهُ يَوْمَ العَطَشِ ...)).
وكان أبو الدّرداء رضي الله عنه يقول:" صوموا يوما شديدا حرُّه لحَرِّ يوم النّشور، وصلُّوا ركعتين في ظلمة اللّيل لظُلمة القبور ".
- ويبقى الصّيام شفيعا لصاحبه لحظة الحساب، ففي مسند الإمام أحمد عن عبدِ الله بنِ عمْرٍو رضي الله عنهما أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ )).
- ولن يزال شفيعا لصاحبه حتّى يكون له جُنّةً من النّار، فقد روى البخاري و مسلم عن أبي سعيدٍ الخدْريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا )).
قال القرطبيّ صاحب المفهم رحمه الله:" ورد ذكر السّبعين لإرادة التّكثير كثيرا " اهـ. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" ويؤيّده أنّ النّسائي أخرج الحديثَ المذكورَ عن عقبة بن عامر، والطّبراني عن عمرو بن عبسة، وأبو يعلى عن معاذ بن أنس، فقالوا جميعا في رواياتهم: (( مِائَةَ عَامٍ )) "اهـ.
ويؤيّده ما رواه التّرمذي عن أبي أمامةَ الباهلِيِّ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )).
فلا يزال المسلم في صيام، حتّى يُعتَق من النّار بفضل الله عزّ وجلّ.
الفضل السّابع: الصّوم من أسباب دخول الجنّة.
روى النّسائيّ وأحمد عن أبي أمامةَ رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فقلتُ: مُرْنِي بِأَمْرٍ آخُذُهُ عَنْكَ - وفي رواية: دُلّني على عملٍ أدخُلُ به الجنّة ؟-، قَالَ: (( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ )).
زاد أحمد: فما رُئِيَ أبو أمامةَ ولا امرأتُه ولا خادمهُ إلاّ صُيَّامًا ! فَكَانَ إِذَا رُئِيَ فِي دَارِهِمْ دُخَانٌ بِالنَّهَارِ، قِيلَ: اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ نَزَلَ بِهِمْ نَازِلٌ.
وإذا دخل الجنّة فمن أين يدخلها ؟
الفضل الثّامن: للصّائمين باب خاصّ في الجنّة.
ففي الصّحيحين عن سهْلٍ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ ؟ فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ )).
و( الريّان ): صيغة مبالغة من الريّ، وهو اسمٌ لباب من أبواب الجنّة، وهو غاية الإكرام للصّائم.
الفضل التّاسع: الصّائم مُجاب الدّعوة:
قال جلّ جلاله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، ومن تأمّل موضع هذه الآية، وجدها بعد آيات الأمر بالصّيام، إشارةً إلى أنّ الصّوم من أسباب إجابة الدّعاء.
ويؤكّد ذلك، ما رواه التّرمذي عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ. ... الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ ...)).
وفي سنن ابن ماجه هن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إنّ للصّائم عند فطره لدعوة ما تُردّ )) [وسنده فيه مقال، ويشهد له ما سبق].
كلّ هذه الفضائل ثبتت للصّوم مطلقا، فما بالك إذا كان الصّوم فرضاً على هذه الأمّة ومن قبلها ؟
والحمد لله ربّ العالمين.