السبت 29 رمضان 1438 هـ الموافق لـ: 24 جوان 2017 16:46

- لماذا الحديث عن الثّبات ؟

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ أعظم نعمة يمنّ بها المولى عزّ وجلّ على عباده هي نعمة الهداية إلى الإسلام، ثمّ الاستقامة عليه مدى الأيّام؛ لذلك كان الحديث عن الثّبات حديثاً عن عنوان السّعادة الأبديّة، والفوز برضا ربّ البريّة سبحانه.

وجوابا عن هذا السّؤال الكبير: لماذا الحديث عن الثّبات ؟ فإنّي أقول: إنّ ذلك لأسباب ثلاثة:

السّبب الأوّل: كثرة الانتكاسة ..

فكثير من النّاس ربّما اغترّوا، فقنِعوا بمجرّد الهداية ؟.. ويصبح أحدهم آمنا بعد أن جنّبه الله سبل الضّلال والغواية ؟!..

 

ونسِي المسكين أنّ هناك كثيرا من النّاس قد هُدوا إلى الطيّب من القول، والصّالح من العمل، ثمّ ارتدّوا على أدبارهم، وعادوا على آثارهم ؟

نسِي أنّ هناك أقواما كُثُرا مسّهم نصيب من هذه المنّة، فعرفوا زمناً الطّريقَ إلى الجنّة، وساروا مع السّائرين إليها، وأقبلوا دهرا مع المقبلين عليها، فإذا بك لا تراهم مع السّائرين، وتاهوا مع الحائرين ؟

ولن تجد لذلك جوابا، ولن تفتح لهذه الحقيقة بابا، إلاّ إذا قرأت قول الله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].

السّبب الثّاني: أنّ الثّبات على الهداية هو المطلوب، لا مجرّد الهداية.

ويدلّ على ذلك أمور كثيرة، منها:

1- أنّ الله تعالى أمرنا في كتابه المبين أن نسألَه في كلّ صلاة قائلين:{اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} أي: ثبِّتْنا يا ربّ على الصّراط المستقيم. وإلاّ فإنّ المصلّي الدّاعي المتضرّع على هدًى من ربّه.

قال العلماء: أعظم كرامة تنال العبد هي الاستقامة، أي: الثّبات على الهداية.

2- أنّ الله جعل الثّبات على الهداية هو الإيمان حقّا؛ ففي الصّحيحين عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه عن النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )). 

3- وجعل الثّبات على الهداية والحقّ هو العنوان والدّليل على صدق العبد مع الله، وتأمّل قصّة كعب بن مالك رضي الله عنه وكان من الثّلاثة الّذين تخلّفوا عن الخروج مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك .. فخُلِّفوا حكم توبتهم خمسين يوما، مع أنّه ندم، وبكى وتحسّر على فعله. 

ولكنّ الله تعالى لم يُنزل تصديقَ توبته حتّى ثبت أمام المحكّ ..

استمع إليه وهو يخبرنا عن ذلك النّبطيّ القادم من الشّام برسالة الفتنة والابتلاء:

حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ.

فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْبَلَاءِ، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا.

حينها: " أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسولِهِ صلّى الله عليه وسلّم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التّوبة: 119].

4- أنّ الثّبات على الهداية ممّا يغيظ الله تعالى به الكفّار:

فقد علم الكفّار أنّ الثّبات من أعظم ما يزيد المؤمنين قوّةً إلى قوّتِهم، بل إنّه دليل على صدق الرّسالة الّتي جاء بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

انظر إلى هرقل يومَ سأل أبا سفيان رضي الله عنه قبل إسلامِه عن المؤمنين الّذين اتّبعوا الصّادق الأمين، سأله عن حالهم وهم تحت أنواع العذاب وأصناف العقاب ؟ فقال:" أَوَ يَرْجِعُ أَحَدُهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ ؟ فقال: أبوسفيان: لا، قال هرقل: وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ.

لذلك حرص الكفّار على أمرين:

الأوّل: هو زعزعة الإيمان في قلوب المسلمين، وصدّهم عن سبيل الهداية والاستقامة.

الثّاني: أن يتقمّصوا هم أنفسهم دور الّذي يعرف الهداية ثمّ ينحرف عنها، ذلك ليُدخِلوا الشّبهة والشّكّ في طريق المسلمين، قال تعالى:{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران: 72].

السّبب الثّالث: الخوف من سوء الخاتمة.

فمن واجب كلّ مسلم ومسلمة عرف نعمة الهداية وحلاوة الاستقامة أن يحرص على دوامها، وأن يهتمّ بزيادتها، أكثر من حرصه على دوام وزيادة غيرها من النّعم، كما أنّ من الواجب عليه أن يعيش وهو يخاف زوالها، ويتّقي ذهابها وضياعها.

وإليك - أخي المسلم - حديثاً من أحاديث النبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم .. تجدُ وقعَه على قلوب الأبرار أشدَّ من وقع الآيات الواصفة للنّار وهي تلفح وجوه الفجّار !

روى البخاري ومسلم عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: حدّثنَا رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وهو الصّادق المصدوق قال:

(( وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا.

وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا )).

وفي الصّحيحين عن سَهْلِ بنِ سعدٍ رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا )).

فإنّ الخاتمة السيّئة هي أن يأتِيَ الإنسانَ أجلُه وهو معرٌض عن ربّه، مقيم مصرّ على ذنبه، مضيّع للفرائض والواجبات، مصرّ على الذّنوب والموبقات، ذلك الّذي طالما خافه المتقون، وفرّ من مغبّته الصّالحون.

وما كان شيء أشدَّ على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأتباعهم من الخواتيم.

- هذا سيّد المتّقين، كان يُكثر صلّى الله عليه وسلّم في دعائه أن يقول: (( يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ))، فَقِيلَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللهِ ! آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ إِصْبِعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ )).

- وبكى بعض الصّحابة عند موته، فسئل عن ذلك ؟ فقال: كيف لا أبكي وقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( إِنَّ اللهَ قَبَضَ خَلْقَهُ قَبْضَتَيْنِ، فَقَالَ: هَؤُلاَءِ فِي الجَنَّةِ وَلاَ أبَالِي، وَهَؤُلاَءِ فِي النَّارِ وَلاَ أُبَالِي )) وَلاَ أَدْرِي فِي أَيِّ القَبْضَتَيْنِ كُنْتُ ؟!..

- وكان سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى يشتدّ قلقه من الخواتيم، فكان رحمه الله يبكي ويقول: أخاف أن أُكتب في أمّ الكتاب شقيّا. وكان يقول: أخاف أن أُسْلَب الإيمان عند الموت ..

- وكان مالك بن دينار يقوم ليله يبكي قابضا على لحيته ويقول: يا ربّ ! قد علمت ساكن الجنّة من ساكن النّار، ففي أيّ الدّارين منزل مالك بن دينار ؟..

- وهذا الشّافعيّ رحمه الله: قال المزنيّ رحمه الله: دخلت على الشّافعي في مرضه الّذي مات فيه، فقلت كيف أصبحت ؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقاً، ولكأس المنية شارباً، ولسوء عملي ملاقيا. وعلى الله تعالى وارداً، فلا أدري: روحي تصير إلى الجنة فأهنّيها، أو إلى النار فأُعزّيها. ثمّ بكى.

- وعامر بن عبد الله رحمه الله: حين احتُضِر بكى، وقال: لمثل هذا المصرع فليعمل العاملون !

- ويزيد الرّقاشيّ رحمه الله: كان يقول لنفسه: ويحك يا يزيد ! من ذا الّذي يُصلّي عنك بعد الموت ؟ من ذا الّذي يصوم عنك بعد الموت ؟ ثمّ يقول: أيّها النّاس، ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقِيَ حياتِكم ؟! يا من الموت موعدُه، والقبر بيتُه، والثّرى فراشُه، والدّودُ أنيسُه، وهو مع هذا ينتظر الفزعَ الأكبرَ، كيف يكون حاله ؟!

إذا خافها هؤلاء الّذين بلغوا في الصّلاح الرّيادة، وكانوا في التّقوى أئمّة وسادة، فكيف بغيرهم ؟

قال ابن كثير رحمه الله:" إنّ الذّنوب والمعاصي والشّهوات تخذُل صاحبها عند الموت ".

ويقول ابن القيّم رحمه الله:" وسوء الخاتمة لا تكون لمن استقام ظاهرُه وصلح باطنه، إنّما تكون لمن له فساد في العقيدة، أو إصرار على الكبيرة، أو إقدام على العظائم، فربّما غلب ذلك عليه حتّى ينزل عليه الموت قبل التوبة، فيأخذه قبل إصلاح الطوية ويصطدم قبل الإنابة والعياذ بالله ".

وقال العلماء: جرت سنّة الله تعالى أنّ من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه.

مشاهد مشرقة من حسن الخاتمة.

فإنّ حسن الخاتمة هي أن يوفّق الله عبده قبل موته إلى التّوبة من الذّنوب والسّيّئات، والإقبال على أعمال البرّ والطّاعات، فلا يزال على ذلك حتّى يقبل على ربّ الأرض والسّماوات.

ومما يدلّ على ذلك ما رواه أحمد في " مسنده " والتّرمذي عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ )) قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ ؟ قَالَ: (( يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ )).

وروى أحمد كذلك عن حُذَيْفةَ رضي الله عنه قال: أَسْنَدْتُ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم إِلَى صَدْرِي، فَقَالَ: (( مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )).

انظر كيف كانت ساعة الاحتضار على سلفنا الطّاهرين الأبرار، المشفقين العابدين الأخيار،  الّذين عاشوا على طاعة الله، وماتوا على ذكر الله، يأملون في فضل الله، ويرجون رحمة الله .. وفي مقدّمتهم إمامهم وسيّدهم:

- النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لمّا رأت فاطمة رضي الله عنها ما برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الكرب الشّديد الّذي يغشاه عند الموت قالت:"واكرب أبتاه ! فقال لها صلّى الله عليه وسلّم: (( لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ )).

- وعبد الله بن جحش رضي الله عنه: عندما خرج لمعركة أُحُدٍ دعا الله عزّ وجل قائلاً:" يا ربّ، إذا لقيتُ عدوَّك فلَقِّني رجلاً شديداً بأسُه، شديداً حَرْدُه، فأقاتله فيك ويقاتلني، ثمّ يأخذني ويجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غداً، قلت يا عبد الله ! من جدع أنفك وأذنك ؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول صدقت ".

وبعد المعركة رآه بعض الصّحابة مجدوع الأنف والأذن كما دعا !

- وحرام بن ملحان رضي الله عنه: يوم بئر معونة أتاه مشرك خلْفهُ، فَطَعَنهُ، فَأَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ، فَلَمَّا وَجَدَ حَرَامٌ مسَّ الرُّمْحِ فِي جَوْفِهِ قال -ولا ندري ماذا رأى ؟-:" اللَّهُ أَكْبَرُ ! فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ".

- وبلال بن رباح رضي الله عنه: حين شعر بسكرات الموت كان يردّد قائلا:" غداً نَلْقَى الأحِبّه: محمّداً وصحبه "، فتبكي امرأته قائلة: وابلالاه ! واحزناه ! فيقول:" وَافَرْحَاه ".

- وعمر بن عبد العزيز رحمه الله: حين حضرته الوفاة قال لمن حوله: اُخْرُجوا عنّي فلا يبْقَ منكم أحد.

فخرجوا، فقعدوا على الباب فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جانّ، ثم قال:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].. ثمّ قُبض رحمه الله.

- آدم بن إياس رحمه الله: لما حضرته الوفاة، ختم ما تبقّى عليه من سور القرآن وهو مسجّى، فلما انتهى قال: اللّهم ارفق بي في هذا المصرع ! اللهمّ كنت أؤمّلك لهذا اليوم وأرجوك. ثم قال: لا إله إلا الله وقضى.

- وأبو الوفاء بن عقيل رحمه الله: لمّا حضرته الوفاة بكى أهله، فقال لهم: ما لكم ؟! لي خمسون سنة أعبده، فدعوني أتهيّأ لمقابلته.

وترى كثيرا من السّلف الصّالح مات وهو على طاعة داوم عليها مدّة حياتِه:

- فهذا أبو الحسن النسّاج لما حضره الموت غشي عليه عند صلاة المغرب، ثمّ أفاق ودعا بماء، فتوضّأ للصّلاة، ثمّ صلّى، ثمّ تمدّد وأغمضَ عينيه، وتشهّد ومات.

- وهذا ابن أبي مريم الغساني: كان صائما ولم يفطر، مع أنّه كان في النّزع الأخير، وظلّ صائماً، فقال له من حوله: لو جرعت جرعة ماء، فقال بيده: لا، فلما دخل المغرب قال: أذّن، قالوا: نعم، فقطروا في فمه قطرة ماء، ثم مات.

- ولما احتضر عبد الرحمن بن الأسود بكى، فقيل له: ما يبكيك ؟ قال: أسفاً على الصّلاة والصّوم. ولم يزل يتلو القرآن حتى مات.

- وهذا أبو حكيم الخبري: كان جالساً ينسخ الكتب كعادته، فوقع القلم من يده، فقال: إن كان هذا موتاً، فوالله إنّه لموت طيّب، فمات.

- وعن الفضل بن دكين قال: مات مجاهد بن جبر وهو ساجد.

من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه.

فلمثل هذه السّاعة فليعمل العاملون.

أخر تعديل في السبت 29 رمضان 1438 هـ الموافق لـ: 24 جوان 2017 22:19
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي