الاثنين 05 شعبان 1433 هـ الموافق لـ: 25 جوان 2012 07:12

- الآداب الشّرعيّة (44) آداب الاستيقاظ من النّوم

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فيلحق بآداب النّوم آداب الاستيقاظ منه، ومنها:

1- ذكر الله عزّ وجلّ:

- روى البخاري ومسلم عن عُبَادَةُ بنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال:

(( مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ للهِ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ )).

- ورويا عنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ قال: كانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قالَ: (( بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا )) وإِذَا قَامَ قالَ: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )).

ومعنى قول الذّاكر:" أحيانا بعد ما أماتنا " ما ذكره الزجّاج رحمه الله أنّ: النّفس الّتي تفارق الإنسان عند النوم هي الّتي للتّمييز، والّتي تفارقه عند الموت هي الّتي للحياة، وهي التي يزول معها التنفّس. وسُمّي النّوم موتاً؛ لأنّه يزول معه العقل والحركة تمثيلا وتشبيها [ذكره ابن الأثير رحمه الله في "النّهاية"].

فيكون المراد بالموت هنا: السّكون، كما قالوا:" ماتت الرّيح "، أي: سكنت، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} قاله الطيّبي رحمه الله.

وقال القرطبيّ رحمه الله في " المفهم ":" النّوم والموت يجمعهما انقطاع تعلّق الرّوح بالبدن، وذلك قد يكون ظاهرا وهو: النّوم، ولذا قيل: (النّوم أخو الموت)[1]، وباطنا وهو: الموت، فإطلاق الموت على النّوم يكون مجازا؛ لاشتراكهما في انقطاع تعلّق الرّوح بالبدن ".

وقال الطيّبي رحمه الله:" الحكمة في إطلاق الموت على النّوم أنّ انتفاع الإنسان بالحياة إنّما هو لتحرّي رضا الله عنه، وقصد طاعته، واجتناب سخطه وعقابه، فمن نام زال عنه هذا الانتفاع، فكان كالميّت، فحمد الله تعالى على هذه النّعمة وزوال ذلك المانع، قال: وهذا التّأويل موافق للحديث الآخر الّذي فيه: (( وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ))"اهـ.

أمّا معنى ( وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) أي البعث والإرسال:

إمّا يوم القيامة بعد الإماتة، يقال: نشر الله الموتى، أي: أحياهم. قال مجاهد: "ننشرها" أي: نحييها، ومنه قوله تعالى:{ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}.

وإمّا بعد النّوم، كما قال تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:42].

قال ابن القيّم رحمه الله في "أقسام القرآن" (105-106) في بيان وجه القسم باللّيل والنّهار:

"وأمّا إقسامه سبحانه باللّيل إذ أدبر، فلِمَا في إدباره وإقبال النّهار من أبين الدّلالات الظّاهرة على المبدأ والمعاد، فإنّه مبدأ ومعاد يوميّ مشهود بالعيان: بينما الحيوان في سكون اللّيل قد هدأت حركاتُهم، وسكنت أصواتُهم، ونامت عيونُهم، وصاروا إخوانَ الأموات، إذ أقبل من النهار داعيه، وأسمع الخلائقَ منادِيه، فانتشرت منهم الحركات، وارتفعت منهم الأصوات، حتّى كأنّهم قاموا أحياءً من القبور، يقول قائلهم: ( الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُفهو معاد جديد بدأه وأعاده الّذي يبدىء ويعيد.

فمن ذهب باللّيل وجاء بالنّهار سوى الواحد القهّار ؟.. فيالهما من آيتين شاهدتين بوحدانيّة مُنشئِهِما، وكمال ربوبيّته، وعظم قدرته وحكمته ..." اهـ

الشّاهد أنّ من أعظم آداب الاستيقاظ من النّوم هو حمد الله تعالى.

2- غسل اليدين ثلاثا قبل إدخالهما الإناء:

روى الشّيخان عن أَبِي هريرَةَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( إِِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ )). ورواية مسلم وغيره: (( ثَلاَثاً )).

والعلّة في ذلك ليست هي النّجاسةَ الحسّيةَ، بدليل أنّ النّجاسة تُزال بغسلة واحدة، وإنّما العلّة هو إزالة الخبائث المعنويّة والرّوحية النّاتجة عن الشّيطان. كما سنبيّنه في الأدب الثّالث:

3- الاستنثار ثلاثا:

روى البخاري ومسلم عنْ أبي هريرَةَ رضي الله عنه عنْ النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ، فَتَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ )).

الاستنثار مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف، وقوله: ( فَلْيَسْتَنْثِرْ ) أكثر فائدة من قوله: " فليستنشق "؛ لأنّ الاستنثار يقع على الاستنشاق دون العكس, فقد يستنشق ولا يستنثر. والمقصود من الاستنشاق تنظيف داخل الأنف والاستنثار يخرج ذلك الوسخ مع الماء فهو من تمام الاستنشاق.

وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - كما في "مجموع الفتاوى" (21/11-12 و27) - أنّ العلّة هي التطهّر من النّجاسة المعنويّة.

وإنّ السنّة جاءت بتجنّب الخبائث الرّوحانيّة كما جاءت بالأمر بالتطهّر من الخبائث الحسّية، وعالم الشّياطين عالم عجيب، وما تفعله باللّيل أعجب، ولا عاصم منه إلاّ ذكر الله، والاعتصام بحماه، قال ابن تيمية رحمه الله بعد كلامه عن مبيت الشّيطان على خيشوم ابن آدم:

" فعُلِمَ أنّ ذلك سببٌ للطّهارة من غير النّجاسة الظّاهرة، فلا يُستبعد أن يكون هو السّبب لغسل يد القائم من نوم اللّيل ".

ومن نظائر ذلك ما رواه مسلم البخاري ومسلم عن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قالَ:

(( يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ ! فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ )).

وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ( يَضْرِبُ ) أي: بيده على العقدة تأكيدا وإحكاما لها.

وقيل: معنى يضرب يحجب الحسّ عن النّائم حتّى لا يستيقظ, ومنه قوله تعالى:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ}، أي: حجبنا الحِسّ أن يلج في آذانهم فينتبهوا.

والصّحيح أنّ هذا العقد على الحقيقة، كما يعقد السّاحر من يسحره, كما قال تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ}.

والله تعالى أعلم.



[1] هو حديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، صحّحه الشّيخ الألباني رحمه الله في " السّلسلة الصّحيحة " (1087).

عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي