سبق أن رأينا أنّ من فضائل التّسبيح والتّحميد والتّكبير بعد الصّلوات المفروضة: أنّها تعدلُ الجهاد والصّدقات والحجّ وغير ذلك من الأعمال الجليلة. وفي هذا الحديث جاء في فضلها أنّها تحفظ المرمن من خلفه.
- ( معقّبات ) جمع معقّب، وهو كلّ ما جاء بعد ما قبله، وسمّيت هذه الأذكار بذلك لأنّها تقال مرّة بعد أخرى، كذا ذكره النّووي عن أبي الهشيم، وقال الهرويّ: معناه: تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة.
والظّاهر أنّ معناها أيضا: أنّها تأتي خلف المؤمن لتحفظه، كما قال تعالى عن الملائكة:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: من الآية11]، يؤيّد هذا المعنى ما سبق شرحه في الحديث الّذي رواه النّسائي- واللّفظ له -، والحاكم، والبيهقيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( خُذُوا جُنَّتَكُمْ )). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ ؟ قالَ: (( لاَ، وَلَكِنْ جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ، قُولُوا: " سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ " فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ مُجَنَّبَاتٍ، وَمُعَقِّبَاتٍ، وَهُنَّ البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ )).
فقوله: ( مجنّبات ) معناه أنّها عن جانب المسلم بمثابة الميمنة والميسرة في الجيش، فناسب أن يكون معنى ( المعقّبات ): الّتي تحفظه من خلفه.