الجمعة 24 ربيع الثاني 1436 هـ الموافق لـ: 13 فيفري 2015 04:42

- البيان الكاشف عن عُوار جمـاعة داعــش (1)

الكاتب:  أبو سارة عبد الكريم
أرسل إلى صديق

[فهذا المقال أضعه بين يديك - أخي القارئ - للشّيخ أبي سارة عبد الكريم داهل حفظه الله، وهو من خِيرة طُلاّب العلم الجزائريّين الّذين عرفتهم بالشّام حرسها المولى من كلّ سوءٍ وبليّة، ومن أحسنهِم ضبطا لأصول العلوم الشّرعيّة، أسأل الله تعالى أن يزيده من فضله العظيم، ويهديَ به من ضلّ إلى الصّراط المستقيم.

وقد رأيت أن أضع هذا المقال على حلقاتٍ متتابعةٍ - بتصرّف يسير - حتّى لا تشردَ عن القارئَ شاردة، ولا يُفوِّت على نفسه فائدة].

الحمد لله الّذي أحكمَ شرائعَ الإيمان، ولم يجعل فيها عوجًا، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين وقدوة للعاملين، وعلى آله الطيِّبين، وبعد:

فإنّ الحكمَ على الشّيء فرعٌ عن تصوُّره، وهذه الجماعة لا يُحكمُ عليها بالاهتداء أو بالضّلال إلاّ بعد التثبّت من أصولِها من جهةٍ موثَّقة، لا يُرجع في ذلك إلى الإعلام ولا إلى المحلّلين المتخصّصين في géostratégie، وإن كان يُستأنس بذلك.

وقد يسرَّ الله لي - بفضله ومنِّه - الاطّلاعَ على أصول هذه الجماعة وأعمالِها من جهات موثَّقة، فقد جمعت المعلومات عنهم من العلماء وإخواني طلاّب العلم في مختلف مناطق سوريا، فقد خَبِرتُ في السّنوات الخمس عشْرةَ التي قضيتُها في الشام:

شيخَ القرّاء كريم راجح[1] حفظه الله.

وأخي الشّيخَ زهرانَ[2] ابنَ عالمِ الشام عبد الله علوش الدمشقي خريج الجامعة الإسلامية والقائد العام لجيش الإسلام في الشام[3].

وخَبِرتُ أيضًا أخي وجاري في حيّ الحجر الأسود بدمشق الشيخ أبا طارق فايز صالح[4] أخصَّ تلاميذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله.

وخَبِرتُ كذلك حالَ بعضِ أئمّة مدن إدلب وحلب أثناء دراستي معهم عند الشّيوخ، وفي فرع جامعة الأزهر بدمشق، فكانوا ثقاتٍ صالحين - أحسبهم كذلك، ولا أزكي على الله أحدًا -.

وقد اتّفقوا جميعًا مع عوام المسلمين السوريين الذين سألتهم - وأهل مكّة أدرى بشعابها - أنّ (داعش) فرقة تكفيريّة مارقة ضالة سفَّاحة، اخترقتها أصناف من الاستخبارات الإقليمية والعالمية، وصارت مطية لها لتحقيق أغراضها المختلفة - كما سيأتي تفصيله -.

بل حتّى أصحاب الغلوّ في الفكر الجهاديّ التّكفيري كأيمن الظّواهري، وأبي قتادة، ومنظِّره أبي محمّد المقدسي حذّروا من داعش - وهم على معرفة دقيقة بها وبرؤسائها - أشدَّ التحذير؛ فقد اطّلعت على كلام كثيرٍ لهم يعجبون فيه من أفعال داعش الفظيعة التي تدلّ على جهل مُطْبِق بالشّريعة، ويسِمّونها بالجماعة التّكفيرية الضالّة.

وهيَّا بنا الآن إلى دراسة تأصيليّة.

من هم داعش ؟

فرؤساؤها مجهولون، لا يُعرف عنهم شيء ! لا مَن هم ولا خلفيتهم ؟! فهم ليسوا من أهل العلم - كما سيتّضح ذلك بالنّظر في أقوالهم وأفعالهم -، ولا جالسوا أهلَ العلم، وقد أجمع السلف والخلف أنَّ من شروط الإمامةِ العظمى الاجتهادَ، كما قال الإمام الشّاطبيّ رحمه الله:

" إنّ العلماء نقلوا الاتّفاق على أنّ الإمامة الكبرى لا تنعقد إلاّ لمن نال رتبةَ الاجتهاد والفتوى في علوم الشّرع ".[5]

وقال الجوينيّ رحمه الله:" فأمّا العلم فالشّرط أن يكون الإمام مجتهدًا بالغًا مبلغ المجتهدين مستجمعًا صفات المفتين، ولم يُؤثَر في اشتراط ذلك خلاف " [" غياث الأمم " (ص 65-66)].

فهل مُدّعي الخلافة هذا مجتهدٌ أو لا ؟! وإن لم يكن مجتهدًا فأين هي بطانته المجتهدة الّتي تُفتيه ؟! وقد أجمع السلف والخلف أنّ العلم لا يؤخذ إلاّ ممن عُرفت منه الأهليّة، فقالوا:" إنّ هذا العلمَ دينٌ، فلْينظرْ أحدُكم ممّن يأخذ دينه " ["مقدّمة صحيح مسلم" (1/14)].

فكيف يُوَلِّي المرءُ أمورَ دينه ودنياه إلى مجاهيل ؟![6]

إنّ كلَّ مسلم يحلُم برجوع الخلافة، ولا يكره ذلك إلاّ منافق، ولكنّ العبرة بمطابقة الأسماء للحقائق؛ فكيف انعقدت الخلافة لهؤلاء المجاهيل ؟!

أبِبَيْعةِ أهل الحلّ والعقد ؟!

فقد روى البخاري مقالة عمرَ بنِ الخطّاب رضي الله عنه: ( مَنْ بَايَعَ رَجُلًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةِ المُسْلِمِينَ، فَلاَ يُتَابَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِي تَابَعَهُ [بَايَعَهُ])، وفي رواية أحمد: ( مَنْ بَايَعَ أَمِيرًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةِ المُسْلِمِينَ، فَلاَ بَيْعَةَ لَهُ وَلاَ بَيْعَةَ لِلَّذِي بَايَعَهُزاد ابن حبّان: ( فَلاَ يَغْتَرَّنَّ أَحَدٌوعند النّسائي في " السّنن الكبرى ": ( إِنَّهُ لاَ خِلاَفَةَ إِلاَّ عَنْ مَشُورَةٍ ).

وأكَّد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مقالته هذه - لمّا أصيب في مقتل - فقال: ( أَمْهِلُوا، فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ، فَليُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ ثَلاَثَ لَيَالٍ، ثُمَّ اِجْمَعُوا فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ أَشْرَافَ النَّاسِ وَأُمَرَاءَ الأَجْنَادِ، فَأَمِِّرُوا أَحَدَكُمْ، فَمَنْ تَأَمَّرَ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ ) [البيهقي في السنن الكبرى].

وفي "المصنّف" لعبد الرزّاق، و"السنّة" للخلاّل أنّه قال: ( مَنْ دَعَا إِلَى إِمَارَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَقْتُلُوهُ ).

أمّا إن حصل الحكمُ لداعش بالاستيلاء والقهر والغلبة، فلا يُعتبر هذا المتغلِّب خليفة للمسلمين، بل هو حاكم تجب طاعته على أهل المنطقة التي استولى وغلب عليها؛ إذ ليست معصية الغصب من الطّرق الشرعية في تكوين الخلافة المنشودة [انظر:"الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة" لعبد الله الدميجي (ص: 224 ـ 225)].

لكن هل غلب حاكم داعش على الناس بالقوَّة والسيف حتَّى أذعنوا له، واستقرَّ واستتبَّ له الأمر في الحكم، وتمَّ له التمكين، أو لا تزال الحرب بينهم سِجالًا في سوريا والعراق ؟!

إنّ الفصائل الإسلاميّة في سوريا، بل إنَّ فصيلًا واحدًا الّذي هو جيش الإسلام أكثر شوكة وأوسع رقعة من داعش، فكيف يُطالبون بمبايعة مجاهيلَ من غير مشورة، وقد قال الذهبي رحمه الله:" ومذهب أهل السنّة أنّ الإمامة تنعقد عندهم بموافقة أهل الشّوكة الذين يحصل بهم مقصود الإمامة؛ وهو القدرة والتّمكين " [" المنتقى " للذّهبيّ (ص 58)].

وقال ابن تيمية رحمه الله:" الإمامة عندهم [أي: أهل السنة] تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إمامًا حتى يوافقه أهل الشوكة عليها الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فإنّ المقصود من الإمامة إنّما يحصل بالقدرة والسّلطان، فإذا بويع بيعةً حصلت بها القدرة والسّلطان صار إمامًا " ...

وجماعة داعش تعمل الآن على غلبة وقهر الفصائل الأخرى لجهلها أو لتجاهلها أن هذا العمل حرام؛ لأن فيه سفكاً للدّم الحرام، واغتصاباً للسّلطة من غير مشورة، وجهلوا أو تجاهلوا أنّ قول أهل السنة: بانعقاد إمارة الإمام المتغلِّب هو لحقن دماء المسلمين من أن تُسفك، ولا يعنون بذلك جواز التغلب ولا القتال ضد المخالفين لحصوله، فإنَّ إقرار الشيء بعد تحققه لا يعني شرعيته في الابتداء، وهذا على وفق القاعدة: (يُغتفر في الانتهاء ما لا يُغتفر في الابتداء).

وليت أمير داعش ادّعى إقامة إمارة إسلاميّة في البلدات الّتي بلغتها سلطتُه فحسب ! ولكنّه ادّعى إقامة الخلافة في البلدان التي لم تبلغها سلطتُه ! وأن أهلها مطالبون بالبيعة له ! وإلاّ استُبِيحت دماؤُهم ! وما هذا إلا محض خبل لا يقوله إلاّ معتوه لا يمتّ إلى علم الشّريعة بصلة.

ثم إن صحَّ كلامهم في أحقِّيتهم بالخلافة، لأنهم أوَّلُ مَن أعلنها ولغلبتهم على بعض المناطق، لكان حدُّ أميرهم القتل؛ لأنهم خارجون عن خلافة الملا عمر؛ إذ قد سبق وأعلنت طالبان قبلهم بسنوات أن أفغانستانَ إمارة إسلامية، ووُجدت فِعلًا على أرض الواقع لسنين، ولا زال أميرها الملا عمر يُقارع الأعداء هو وجنوده إلى الآن، وقد جاء في الحديث المشهور أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الآخِرَ مِنْهُمَا )) [رواه مسلم].

ومما يجب التنبّه له أنّه إذا تعدَّد الأمراء فالطّاعة بالمعروف إنّما تجب لكلِّ واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي تَنْفُذُ فيه أوامره ونواهيه، قال الشّوكانيّ رحمه الله في "السّيل الجرّار" (4/512):

" وأمّا بعد انتشارِ الإسلام واتِّساعِ رُقعته وتباعُدِ أطرافه، فمعلوم أنه قد صار في كلِّ قطر أو أقطار الولاية إلى إمام أو سلطان، وفي القطر الآخر أو الأقطار كذلك، ولا ينفذ لبعضهم أمر ولا نهي في قطر الآخر وأقطاره التي رجعت إلى ولايته، فلا بأس بتعدد الأئمّة والسّلاطين، وتجب الطاعة لكلّ واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر، فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته وبايعه أهله كان الحكم فيه أن يُقتل إذا لم يتب، ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته ولا الدخول تحت ولايته لتباعد الأقطار ... فاعرف هذا فإنّه المناسب للقواعد الشّرعية، والمطابق لما تدل عليه الأدلّة ... ومن أنكر هذا فهو مباهت، لا يستحق أن يُخاطب بالحجّة؛ لأنّه لا يعقلها ".

ثم إنّ هناك بعض التساؤلات التي تُثير الريب حول جماعة داعش، ذكرها الباحثون والمتخصصون، أذكر بعضها باختصار:

1- يرى بعض الباحثين والمتخصصين ومنهم الشيخ عبد الرّحمن الشثري، أنّ داعش واجهة لدولة البعث العراقية؛ وذلك لأنّ معظم قياداتها باستثناء أبي البكر البغدادي ليس لهم خلفيّة دينيّة[7]، وأعمالهم التي لا تَمُتُّ إلى الإسلام بصلة خير دليل على ذلك، بل هم من العسكريّين[8] البعثيين الذين كان لهم الولاء المطلق للرئيس السابق صدام حسين ولعِزَّت إبراهيم الدوري الأمين العام لحزب البعث العراقي الحالي؛ وبسبب ذلك سُجنوا.

والغريب في الأمر أنّهم أُطلق سراحُهم من السّجون العراقية الأمريكيّة - بما فيهم أبو بكر البغدادي - من غير مبرِّر، رغم التهم الخطيرة الموجَّهة إليهم[9]؛ وهذه طريقة معروفة في تلميع صورة الأشخاص الذين يُراد استعمالهم. ومن هؤلاء العسكريين البعثيين على سبيل المثال:

العميد الركن التائب محمد الندى الجبوري المعروف بالراعي.

العميد الركن التائب سمير عبد محمد حجي بكر.

عقيد الاستخبارات التائب فاضل الحيالي، المعروف بأبي مسلم التُركماني.

العقيد التائب عدنان لطيف حامد السويداوي المعروف بأبي محمد السويداوي.

المقدَّم التائب أبو أيمن إسماعيل لطيف، المعروف بأبي مهند السويداوي.

الضابط التائب عدنان إسماعيل نجم، المعروف بأبي عبد الرحمن البيلاوي.

الضابط التائب وليد جاسم العلواني، المعروف بأبي أحمد العلواني.

وذكر الباحثون أن النظام السوري كان يدعم الجهاديين عمومًا في العراق أثناء الوجود الأمريكي بما فيهم بعثيُّو صدام حسين، ويُسهِّل تنقلاتهم بين سوريا والعراق؛ وما ذلك إلا لتبقى أمريكا غارقة في مشاكل العراق.

وقد عمل النّظام السّوري أثناء هذه المرحلة على اختراق الجماعات الإسلامية المسلحة برجال بعثيين عراقيين موالين لها؛ وذلك لإدارتها وضبط خطرها على سوريا أولًا، والقضاءِ عليها بعد انتهاء الحاجة إليها ثانيًا. ووافق ذلك هوى البعثيين العراقيين؛ فإن خير جواد يُمتطى في جهاد القوى الغازية هو جواد الإسلاميين؛ لأنهم عُرفوا بشدّةِ بَأْسِهِمْ ضدّ العدو، ثم ينبغي إدارة هذه الجماعات؛ كيلا تخرج عن السيطرة بعد انهزام العدو، وكي يسهل القضاء عليها بعد تشويه صورتها من الداخل.

لكن ظهر ما لم يكن في الحسبان، ثار الشعب السوري ضد حاكمه، وصارت سوريا ساحة معركة، واكتسح الإسلاميون الساحة كالعادة، واستولوا على مناطق شاسعة من سوريا. وهنا جاءت فكرة النظام السوري باستغلال رجالها البعثيين المندسِّين في الدولة الإسلامية في العراق، وتوجيههم إلى الشام لأسباب عديدة، منها:

أ- تصديق نظرية النظام السوري أن الإرهابيين هم الذين زعزعوا سوريا لا شعبها، فالشعب بمعزل عن هذه الثورة.

ب- فتح جبهة جديدة على الإسلاميين، ونشر الفُرقة بينهم للقضاء على القضية السورية.

ج- تشويه صورة القضية السورية، وقطع الدعم عنها في الداخل والخارج.

د- تأمين مراكز النفط والغاز بتسليمها لداعش.

هـ- ترويع السوريين ليتمنوا رجوع أيام الأسد.

و- تدويل المشكلة السورية، ونيل الدعم الداخلي والخارجي للقضاء على داعش بسبب إعلانها لدولة الخلافة المهدِّدة لكل دول الجوار بما فيها إسرائيل، وبتقتيلها وتهجيرها للأقليات غير المسلمة في العراق والشام.

ز- إشغال العالَمِ وإعلامه بما يقوم به داعش من تقتيل وتهجير وسبي وغصب وترويع، ليتناسى ويستصغر ما يقوم به النظام الأسدي من انتهاكات صارخة.

ح- استعطاف شيعة العالم؛ ليدعموا النظام الشيعي النُصيري بالنفس والنفيس.

وقد تمَّ كلُّ ذلك لهم.

ويُؤكِّد أن داعش جاءت لخدمة النظام الأسديّ ما سنراه في الحلقة التّالية إن شاء الله تعالى.

[يُتبع إن شاء الله]



[1] استمع إلى كلامه عن داعش على الرّابط التّالي: http://www.youtube.com/watch?v=51qnxHKPiQA

[2] اسمع كلامه عنهم على الرابط التالي: http://www.youtube.com/watch?v=b_7WzKZtgm0

[3] يجب أن نعلم أنّ الخروج على الحاكم الذي لم يظهر منه كفر بواح غير جائز عند أهل السنة والجماعة - كما هو مفصَّل في كتب أصول الاعتقاد -. أمّا إن ظهر منه الكفر البواح فإنه يجوز الخروج عليه لكن بشرط أن يتيقَّن المجتهدون أن هناك استطاعة على تغييره دون إثارة مفسدة أعظم من مفسدة بقائه في السلطة.

ولهذا كان الخروج في سوريا على الحاكم النُّصَيْرِي غيرَ جائز ابتداءً لعدم الاستطاعة، وبعض السّوريين خرجوا دون استفتاء العلماء؛ ولهذا فهم آثمون شرعًا، وقد جُرَّ باقي السوريين من أهل السنة في هذه الحرب رغم إنكارهم لها ابتداءً، ورأوا أنّه لا يُمكن الرّجوع إلى الوراء الآن؛ إذ النظام النّصيري المجرم لا يُفرِّق بين من خرج عليه وبين من لم يخرج عليه، بل يُعامل الجميع معاملة واحدة، فيقصف، ويُعدم، ويقتل، ويُذبِّح، ويغتصب النساء بل والرجال، ويغصب الأموال والممتلكات، ويحرق الأخضر واليابس؛ ولهذا اضطر أهل السنة أن يدفعوا الإبادةَ عن أنفسهم من هذا النظام النصيري المجرم من باب دفع الصائل، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: (( مَن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومَن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد ))؛ إذ يُغتفر في الانتهاء ما لا يُغتفر في الابتداء من الشروط؛ ولهذا قال ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (4/608):

" وأمّا قتال الدّفع فهو أشدّ أنواع دفع الصّائل عن الحرمة والدين، فواجب إجماعًا، فالعدوّ الصّائل الذي يُفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يُشترط له شرط، بل يُدفع بحسب الإمكان ".

فينبغي التّفريق بين شروط جهاد الدّفع وشروط جهاد الطلب، وبين حال تقتيل الكفار للمسلمين، وحال المهادنة؛ فدفع تقتيل الكفار للمسلمين واجب بحسب الإمكان - كما سبق في كلام ابن تيمية -، وأمّا قتال الكفّار بعد أن غلبوا بالقوَّة والقهر على أرض، وإذعان أهلها لهم لِقاء تأمينهم على أنفسهم وأعراضهم، فهنا يقال - ما قاله ابن تيمية في الصّارم المسلول (ص 244)-:" فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف، فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ".

[4] اسمع كلامه عنهم على الرابط التالي: http://www.youtube.com/watch?v=-TksHWcopsw

[5] "الاعتصام" للشّاطبي (2/126).

تنبيه: فصَّل الشّاطبي الكلامَ على حالة انعدام المجتهد على القول بجواز انعدامه - وهو قول مرجوح كما هو محقق في علم الأصول - فبيَّن أنه يجوز إقامة الأمثل ممن ليس مجتهدًا من باب النظر المصلحي؛ دفعًا للفساد والهرج. لكن يقال هنا: هل أصحاب داعش هم أمثل الأمة علمًا أو لا؟! وهل انعدم المجتهدون في الأمّة أوّلا ؟!

[6] زعم بعضهم أن خليفتهم أبا بكر البغدادي [وهو: أبو دعاء إبراهيم بن عواد السامرائي البدري وُلد في سامراء سنة 1971م] له دكتوراه في العلوم الإسلامية من جامعة صدام الإسلامية، وعلى وفق رأي المتخصصين [لم أستطع التحقق من كلامهم] فما هذا إلاّ محض كذب، فقد نفت إدارة الجامعة وأساتذتها أن يكون البغداديّ قدَّم أيّ رسالة فيها. لكن على التّسليم بأنه حصَّل على الدكتوراه أيعني ذلك أنه من أهل العلم ؟ فكلّنا يعرف كيف يتحصَّل الطالب على الدكتوراه؛ فما عليه إلاّ أن يبحث موضوعًا واحدًا مفصلًّا، أو أن يحقق مخطوطًا، وفي كلا الحالتين لا يجعله ذلك متخصِّصًا بعلوم الشريعة، ولهذا في كثير من الأحيان يكون الدكتور أجهل من حمار أهله، وكم من دكتور في الشريعة لا يمت إلى الإسلام بصلة، بل هو مندسٌّ فينا؛ ليُخرِّب الإسلام من الداخل، كما فعل بولس في النصرانية، وعبد الله بن سبأ في الإسلام. وما دكاترة جامعة الأزهر عنَّا ببعيد، فمنهم من يُبيح الربا، ومنهم من يُبيح الخمر، ومنهم من يقول: إن الحجاب خاصٌّ بأمهات المؤمنين، ومنهم من يزعم أن المسلم لا يُطلق على الذي نطق بالشهادتين إلا في قول ضعيف عند العلماء، بل يُطلق على كل إنسان سلم الناس من لسانه ويده، فالنصراني أو المجوسي إذا سلم الناس من لسانه ويده فهو مسلم، وغير ذلك من خُزَعْبِلات. فإذا كانت جامعة الأزهر بعَرَاقتها تُخرِّج دكاترة من هذا النوع، فكيف بجامعة صدام الإسلامية (البعثية). فالشهادة وحدها لا تعني أن صاحبها من أهل العلم إلا إذا شهد له أهل العلم بذلك، وأجازوه فيه.

[7] هم يُقسِّمون داعش إلى ثلاث طبقات:

الأولى: طبقة القادة، وهؤلاء أكثرهم من العسكريين البعثيين والاستخبارات الإقليميّة والدولية.

الثّانية: طبقة الشرعيين والقضاة، وهؤلاء لهم فكر الخوارج - كما سيأتي بيانه -.

الثّالثة: طبقة العوام الذين أحسنوا الظن بها، وانضموا إليها من مختلف دول العالم.

[8] فهم أصحاب الخبرات العسكرية العالية، وهذا الذي يشرح الاستراتيجية المثالية لداعش في الحرب.

[9] قد يتساءل المرء: ألا يتنافى إطلاق هؤلاء من السجون مع المصالح الأمريكية، فلِمَ أطلقت سراحهم ؟ فقد ذكر الباحثون أنّ إطلاقهم كان لأمور:

الأوّل: لضبط القاعدة، والقضاء على الحركات الجهادية الحقة في العراق.

الثّاني: لأنّ هؤلاء سيكونون خير وسيلة لإشعال الحرب الطائفية (السنية الشيعية)، والعِرقية (العربية الكردية) المنشودة على وفق مخطط المستشرق البريطاني الصهيوني برنار هنري لويس الذي قدَّمه للكونغرس الأمريكي سنة 1983م.

وقد سبق أن مهَّدت أمريكا لتحقيق مخططه في العراق:

بتفكيك الجيش العراقي القوي، والمؤسسات السياسية والإدارية؛ بحجة القضاء على نظام صدام حسين.

وبوضع الرافضي نوري المالكي الذي أشعل نار الفتنة بين الشيعة والسنة بسياسة الانتقام والإقصاء التي انتهجها ضد السنة.

أخر تعديل في الجمعة 24 ربيع الثاني 1436 هـ الموافق لـ: 13 فيفري 2015 04:56
الذهاب للأعلي