الاثنين 24 ربيع الأول 1437 هـ الموافق لـ: 04 جانفي 2016 14:39

الزيادات والتنبيهات على كتاب:" الإبداع العلميّ "

الكاتب:  أمين بن يوسف الأحمدي
أرسل إلى صديق

كتاب " الإبداع العلميّ " هو بحدّ ذاته إبداع علميّ، تلقّاه الباحثون والعلماء، بعظيمِ وجميلِ الثّناء، وحظِي لديهم بمنزلة رفيعة سامية، وقُرِّر ببعض الجامعات على طُلاّب الدّراسات العالية، فزاد الله مؤلِّفه من جزيل عطائه، وأسبغ عليه جليل نعمائه.

ولمّا أتممْتُ قراءتَه، وتصفُّحَه ومطالعتَه، مرّ بِي طيفُ أخي الشّيخ والأستاذِ الفاضل أمين بن يوسف قادري حفظه الله، لعلمي بشدّة عشقِه للكتب والمصنّفات، وشغفه بالتّنقيب في المؤلّفات، وطلبتُ منه أن يعلِّق على الكتاب بما يراه من إضافات نافعة، وفوائد ماتعة، ويُدلِي بدلوه من غزير علمه فيما يراه من مجانبة الصّواب، وما يكون من زلل في الكتاب.

فجاءت تعليقاته دررا سنيّة، وتنبيهاته جواهرَ بهيّة، أسأل الله تعالى أن يزيده من فضله العظيم، وخيرِه العميم، آمين.

                          [أبو جابر عبد الحليم توميات غفر الله له، ولوالديه].

قال حفظه الله:                                            بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله ربّ العالمين، له الحمدُ الحسن والثّناء الجميل، وصلّى الله وسلّم وبارك وأنعم على عبدِ الله ورسولِه نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فقد سأل الشّيخ - أبقاه الله تعالى ونفعنا بعلومه - من العبد لله أن يُوافِيَه بما عنَّ له من نكتة زائدة، وفائدة عائدة، من قراءة كتاب:" الإبداعُ العلميُّ " لمصنِّفِه الشّيخ الدّكتور أحمد بن عليّ بن أحمد القرني حفظه الله، فترك العبدُ لله كلَّ مشغلة بين يديه، لأداء ما وكل الشّيخ إليه، ووصيّة الشّيخ - أبقاه الله - عندي بمنزلة أمر الوالد، فقرأت الكتاب على نهم، ودوّنتُ في هذا المكتوبِ ما سنح به الخاطر، أو تنبّه إليه النّاظر، من غير تحقيق ولا تدقيق ولا كشف طويل في الكتب، وهذا أوانُ بيانه، والحمد لله على فضله وامتنانه.

01- ذكر المصنّف (ص30) في حديثه عن أغراض التّأليف السّبعة أنّ أبا حيّان زادها ثامناً، ولم يذكر محلّ ذلك، وموضعه في كتاب "التّذييل والتّكميل بشرح التّسهيل"، قال (1/11):

" فدونك - أيّها السّائل - من هذا الشّرح كتابا غريبَ المثال، قريبَ المنال، هبَّتْ عليه النّفحات اليمانية، واجتمعت فيه المعاني الثمانية، وهي الّتي يصنّف فيها العلماء، ويتطلّبها من التأليف الفهماء: معدومٌ قد اختُرِع، ومفترَق قد جُمِع، وناقِص قد كُمِّل، ومجمل قد فُصِّل، ومُسهَب قد هُذِّب، ومخلّط قد رُتِّب، ومبهَم قد عُيِّن، وخطأٌ قد بُيِّن.

02- ذكر المصنّف (ص37) شيئا من أخبار ما طرأ على العلماء من طريف النّسيان، ويمكن أن يضاف إلى ذلك:

ما رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (53/58) عن محمّد بن أبي السّري بغدادي قال: قال لي هشام بن الكلبي: حفظت ما لم يحفظ أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد: كان لي عمّ يُعاتبني على حفظي القرآن، فدخلت بيتاَ وحلفت أن لا أخرج منه حتّى أحفظَ القرآن، فحفظتُه في ثلاثة أيّام، ونظرت يوماً في المرآة، فقبضت على لحيتي لآخُذَ ما دون القبضة، فأخذت ما فوق القبضة !

وكذلك ما ذكره السّيوطي في "البغية" (2/34) في ترجمة عبد الله بن برّي رحمه الله صاحبِ الحواشي المشهورة قال:

" وكان مع علْمِه وغزارةِ فهمه ذا غفلة؛ يُحْكى عنه حكاياتٌ عجيبة، منها: أنّه جعل في كُمِّه عنباً، فجعل يعبث بِه ويُحدِّث شخصاً معه، حتّى نقط على رجلَيْهِ، فقال لرفيقه: تُحِسّ المطرَ ؟ قال: لا، قال: فما هذا الّذِي ينقط عليّ ؟ فقال له: هذا من العِنَب؛ فخَجِلَ ومضى.

03- ذكر المصنّف (ص49) نصوصاً وآثاراً في استحكام الطّلب، وقوّةِ الإرادة، ومِن أجودِ ما تكلّم به في ذلك قولُ الإمام أبي سليمان الخطّابي رحمه الله في "معالم السّنن" (1/288) قال:

" من صدقت حاجتُه إلى شيءٍ كثُرت مسألتُه عنه، ودام طلبُه له، حتّى يُدركَه ويُحكِمَه ".

04- تحدّث المصنّف (ص56) عن القوّة الغضبيّة وإفادتِها في العلم والتّأليف أحيانا، ويمكن أن يُضاف هنا ما ذكره السّيوطي في "البغية" (1/496) في ترجمة أبي عليّ الفارسيّ رحمه الله قال:

" وتقدّم عند عَضُدِ الدّولة؛ وَله صنّفَ "الإِيضَاح في النّحْو"، و"التّكملة في التّصريف". ويقال: إنّه لمّا عمِل الإيضاحَ استقْصَرَه، وقال: ما زدتُ على ما أعرف شيئاً، وإنّما يصلُح هذا للصِّبْيان، فمضى وصنّف "التّكملة"، فلمّا وقف عليها، قال: غضِب الشّيخُ، وجاء بما لا نفهمه نحن ولا هوَ.

05- ذكر المؤلّف (ص57) بيتاً لقيسِ بنِ الحَطِيم، كذا ذكره  بالحاء المهملة، وإنّما اغترّ بمن نقل عنه وهو الأبشيهي في "مستطرفه"، والصّواب: قيس بن الخطيم - بالموحّدة الفوقانية -، وترجمته في "طبقات فحول الشّعراء" لابن سلام (1/228)، و"الأغاني" للأصفهاني (3/5) -وقد أطال ترجمته وجوّدها-، و"معجم الشّعراء" للمرزباني (ص321)، و"الوافي بالوَفَيات" للصّفدي (24/219)، و"خزانة الأدب" للبغدادي (7/34)، و"الأعلام" للزّركلي (5/205)، و"ديوانه" مطبوع بجمع أبي سعيد السكّري، وتحقيق الأستاذ ناصر الدّين الأسد.

06- نقل المصنّف (ص67) كلاماً جليلاً عن الإمام ابنِ عطيّةَ في فضيلة التخصّص في العلم، وما يُرجَى من المتخصِّص من التعمُّق وكشفِ الإشكالات ودفعِ الاعتراضات، ويقرُبُ منه ما ذكره الشّاطبي رحمه الله في "الإفادات والإنشادات" (ص107) قال:

" كثيراً ما كنت أسمع الأستاذَ أبا عليٍّ الزّواوي يقول:" قال بعض العقلاء "، لا يسمِّي العالِمَ بعلمٍ ما عالِماً بذلك العلم على الإطلاق، حتّى تتوفّرَ فيه أربعةُ شروط: أحدُها: أن يكون قد أحاط علماً بأصول ذلك العلم على الكمال. والثّاني: أن تكون له قدرةٌ على العبارة عن ذلك العلم. والثّالث: أن يكون عارفاً بما يلزم عنه. والرّابع: أن تكون له قدرةٌ على دفع الإشكالات الواردة على ذلك العلم. قلت: وهذه الشّروط رأيتها منصوصةً لأبي نصر محمّد بن محمّد الفارابي الفيلسوف في بعض كتبه " اهـ.

07- ذكر المصنّف (ص72) العلاّمةَ محمّداً مرتضى الزّبيدي الحسيني صاحب "التّاج"، فحلّى (مرتضى) بالألف واللام، وهذا غلط؛ وإنّما هو مرتضى اسما، بخلاف المرتضى الحسيني الشّريف صاحب "الأمالي"، فإنّه لقبٌ فيه.

08- ذكر المصنّف (ص73) بيتَ ابنِ العريف الّذي نقله عن "نفح الطّيب" (4/319):

من أنكر الأشياءَ دون تيقُّنٍ *** وتثبُّتٍ، فمُعَانِـدٌ مفتُـونُ

فقدّم وأخّر فقال:" تثبّت وتيقّن "، والبيت في المصدر على ما أثبتُّ، وهو على كلّ حال لا يضرّ وزناً ولا معنًى، ولكنّ التثبُّتَ شيءٌ حسن.

09- ذكر المصنّف (ص73) في الحاشية (3) شيئا عن واقع اهتضام الحديث لحداثته، وممّا يناسب ذلك ما ذكره القاضي الجرجاني في "الوساطة" (ص50) قال:

حُكِي عن إسحاقَ بنِ إبراهيم الموصلي أنّه قال: أنشدتُ الأصمعيَّ:

هلْ إلى نـظرَةٍ إليْكَ سَبيـلُ *** فَيُبَلُّ الصّـدَى ويُشْفى الغَليلُ

إنّ ما قـلّ منْكَ يكْثُرُ عندي *** وكثيـرٌ ممّـنْ تحِـبُّ  القَليلُ

فقال: والله هذا الدّيباجُ الخُسرَوانيّ ! لمنْ تُنشدُني ؟ فقلت: إنّهما لِلَيْلَتِهما. فقال: لا جَرم - والله - إنّ أثر التكلّف فيهما ظاهر.

10- ذكر المصنّف (ص75) كلمةً لحمدونَ بنِ مجاهدٍ الكلبي، وهي قوله:" كتبتُ بيدَيَّ ثلاثةَ آلاف كتاب وخمسمائة، ولعلّ الكتابَ الّذي أدخل به الجنّة لم أكتبْه بعد ". قلت: هذا يشبه ما ذكره الذّهبي في "السِّير" (7/383) قال:

" وروى غيرُ واحدٍ أنّ ابنَ المباركِ قيلَ له: إلى متى تكتُب العلمَ ? قال: لعلَّ الكلمةَ الّتي أنتفعُ بها لم أكتُبْها بعدُ ". وقد رواها عنه ابن أبي حاتم في "الجرح والتّعديل"، والخليليّ في "الإرشاد"[1]، وابن عساكر في "تاريخه".

11- نقل المصنّف (ص76) قولاً يتعلّق بمقامات الحريري، ونسبه إلى محمّد بن القاضي عياض، والصّواب أنّه للقاضي عياض نفسه، فقد جاء في رسالة "التّعريف بالقاضي عياض" لولده محمّد (ص109):" وأخبرني بعضُ أصحابنا أنّه سمعه يقول (أي القاضي):" لمّا وصل إلى بلدِنا كتابُ المقامات للحريريّ ..."الخ.

12- ذكر المصنّف (ص109) في الحاشية (1):" "المنتخب من معجم شيوخ السمعانيّ" للسّمعاني. والحقيقة أنّ معجم الشّيوخ للسّمعاني، وأمّا المنتخب منه فمجهول الواضع كما نبّه على ذلك المحقّق الدّكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر في المقدمة (1/54). وقد تكرّر ذلك في مراجع الكتاب(ص241).

13- ذكر المصنّف (ص113-114) بعضَ من أبدَعوا واشتغلوا بالعلم تذمُّماً من الجهل، ويمكن أن يضاف إلى هؤلاء ثلاثة أمثلة:

1- أبو عمر الزّاهد: المشهور بغلام ثعلب، فقد جاء في "طبقات الفقهاء الشّافعية" لأبي عمرو بن الصّلاح (1/457): عن ابنِ خالَوَيْهِ قال: حدّثنِي أبو عمر قالَ: كان من سببِ تعلُّمي النّحوَ أنِّي كنتُ في مجلسِ إبراهيمَ الحربِيّ، فقلتُ: قد قريْتُ الكتابَ، فعابني من حضر، وضحكوا، فأنِفْتُ من ذلك، وجئت ثعلباً، فقلتُ: أعزّك الله، كيفَ تقولُ: قريتُ الكتابَ أو قرأْت ؟ فقالَ: حدّثنا سلمَةُ، عن الفرّاء، عن الكِسائيّ قال: تقولُ العربُ: قرأْتُ الكتابَ إذا حقّقُوا، وقرأت الكتاب إذا ليّنُوا، وقريْت الكتاب إذا حوّلوا. قال: ثمَّ لَزِمته إلى أن ماتَ. قال ابنُ خالويهِ: فصار أبو عمرَ واحدَ عصرِه في اللّغة، إماماً.

2- الشّيخ خالد بن عبد الله الجرجاوي: المشهور بالأزهريّ، فقد جاء في ترجمته:" تحوّل إلى جامع الأزهر ليعمل وقّادا، فعُرف بذلك. وأثناء قيامه بهذه المهنة سقطت منه فتيلة على كرّاسِ أحدِ الطّلبة، فشتمه وعيَّره بالجهل، فترك الوقادة، وأكبّ على طلب العلم، فبرع وأشغل النّاس، وكان عمره حينذاك ستا وثلاثين سنة ".[2]

3- بل يُذكرُ مثلُ هذا عن الشافعيّ: أخرج البيهقيّ في "مناقب الشّافعي" (1/96) بإسناده عن مصعبِ بنِ عبد الله الزبيري، قال: كان الشّافعيّ في ابتداءِ أمرِه يطلبُ الشِّعرَ وأيّامَ النّاس والأدبَ، ثمّ أخذ في الفقه بعدُ. قال: وكان سبب أخذِه في الفقهِ أنّه كان يوماً يسير على دابّةٍ له وخلفَه كاتبٌ لأبي، فتمثل الشافعي ببيت شعر، فقرعه كاتب أبي بسوط، ثم قال له: مثلك تذهب مروءته في مثل هذا ؟ أين أنت عن الفقه ؟ قال: فهزّه ذلك، فقصد مجالسة الزنجي بن خالد ...

14- ذكر المؤلّف (ص119) نقولاً عمّن قرأ الكتاب الواحد مرّاتٍ كثيرةً، ولمزيدٍ من هذه النّقول يراجع كتاب:"المشوِّق إلى القراءة وطلب العلم" للشّيخ البحّاثة المحقّق عليّ العمران حفظه الله، فإنّه حافل.

15- ذكر المصنّف (124) بعضَ من ألّف في السّجن، ولمزيدٍ من ذلك يُراجع كتاب "المشاهير والسّجون" من تحقيق الشّيخ صالح بن سليمان الخراشي (ص23-32)، وهو كتاب ماتع.

16- ذكر المصنّف (ص125-126) فكرةَ ابنِ حزم عن تعلّق الذّكاء بالأقاليم. قلت: للفائدة، فإنّ هذه الفكرة قد سبق إليها أبو الحسين المسعودي في كتابه العجيب:"مروج الذّهب ومعادن الجوهر" (2/34) تحت عنوان:" ذكر جوامع من الأخبار، ووصف الأرض والبلدان وحنين النّفوس للأوطان "، فليراجع لطرافته.

17- ذكر المصنّف (ص139) حالَ بعضِ من لم يصبْ حظًّا من الدّنيا مع اتّساع معارفة، وكثرة علمه. قلت: يسمّى هذا عند الأدباء حرفةَ الأدب، أو دهرَ الأديب، وقد قيل فيه أشياء كثيرة منها:

أ) في "زهر الآداب" (2/556):

لمّا أجَدْتُ حروفَ الخطّ حرّفنِي *** عن كلِّ حظٍّ وجاءت حرفةُ الأدب

أَقْوَتْ منازلُ مالي حين وطّنـها *** مُخيّما  سفـط الأقـلام والكتب

ب) في "زهر الآداب" أيضا (2/557):" ولمّا قَتَل المقتدرُ أبا العبّاس بنَ المعتزّ، وزعم أنّه مات حتف أنفه، قال عليّ بن محمّد بن بسّام:

لله درّك من ميْـت بِمضيعة *** ناهيك في العلم والآداب والحسب

ما فيه لوٌّ، ولا ليتٌ، فينقصه *** وإنّـما  أدركَتْـه حِرفـة الأدب

ج) في "اللّطائف والظّرائف" للثّعالبي (ص59):" وقال بعضهم: حِرفةُ الأدب حُرقة. ويقال: للأدب حُرقة لا يخلو منها أديب؛ وفي هذا الباب من غير هذا الكتاب لقابوس:

ولِي هِمّةٌ فـوق السّمـاك محلُّها *** ولكن لحظّي في الحضيض نصيب

رأى الفلكُ الدّوار سعيي فقال لي *** أتسألُنِي حـظّا وأنت أديـب ؟

والنّصوص في هذا المعنى كثيرة جدّا.

18- وقع المصنّف (ص176) في خطأ تاريخيّ حين ربط في قصّةٍ بين الخليل بن أحمدَ وسليمان بنِ عبدِ الملك خليفةِ بني أمية، وأين الخليل من سليمان ؟ وإنّما سليمان الّذي في الخبر هو سليمان بن عليّ الهاشميّ أميرُ البصرة، والقصّة في "طبقات اللّغويين والنّحويين" لأبي بكر الزّبيدي (ص47) قال:" وكتب إليه سُليمان بن عليٍّ الهاشميُّ يستدعيه إلى صُحبته، وبعث إليه بطُرَفٍ وكُسًا ومال وفاكهة، فقبل الفاكهة، وصرف ما سوى ذلك، وكتب إليه:

أَبلـغْ سليمـانَ أنِّي عنه  في سَعَةٍ *** وفي غِنًى غيْر أنِّي لسـتُ  ذا مال

سَخَّى بنفسيَ، أنِّي  لا أرى أحـدًا *** يموت هَزْلًا، ولا يَبْقَى على حـال

فالرّزق عن قَدَرٍ لا العجـزُ يَنْقُصه *** ولا يَزِيـدُك فيه حَـوْلُ مُحْتَـالِ

والفقرُ في النَّفْس، لا في المال تعرفه *** ومثلُ ذاك الغِنَى في النَّفْس، لا المال

والمالُ يَغْشَى أُنَـاسًا لا أُصول لهمْ *** كما تُغشى  أصـول الدِّنْدَن  البالي

وهي كذلك في موارد المصنّف:" معجم الأدباء"، و"تاريخ العلماء النّحويّين للتنّوخي، و"نزهة الألبّا" لابن الأنباري.

وذكروا في مواطن أخرى أنّ سليمانَ هذا هو سليمانُ بنُ حبيب بنِ المهلّب، كما عند ياقوت في موضع آخر، وعند الذّهبي في "تاريخ الإسلام"، أو سليمانُ بنُ قبيصة بنِ يزيد بنِ المهلّب، كما عند ابن المعتز في "طبقاته"، والصّواب ما أثبتُّ أعلاه.

19- ذكر المصنّف (ص177) قصّة الخليل وابن المقفع، وقول ابن المقفّع فيه:" رأيت رجلاً عقلُه أكبرُ من علمه ". قلت: سمعت أستاذَنا الدّكتورَ عبدَ الرّحمن حاج صالح يُنكرُها أشدّ الإنكار، ويقول: كلام فارغ ! ولا أدري ما مستنده ؟ وإنّما أحكي ما سمعت.

20- ذكر المصنّف (ص189) بيتين ذُكِرا في المتنبّي، قلت: للفائدة، فالبيتان لأبي القاسم الطّبسي الزّوزني في أبيات يَرثيه بها.

21- ذكر المصنّف (ص192) بيتاً لابنِ زيدونَ في سياق من جمع في شعره أفعالا كثيرة، فحرّفه تحريفا شديدا، وها أنا أنقل صورة نقله له:

تِه إِحْتَمِلْ وَاسْتَطِلْ إِصْبِرْ وَعُزَّ[3] أَهِنْ *** وَوَلِّ أَقْبِلْ وَقُلْ أَسْمٍعْ وَمُرْ أَطِعِ

فتصوّر المصنّف أنّ كلّ الأفعال في البيت أفعالُ أمر، والصّواب أنّ البيتَ يحتوي على ستِّ جملٍ مكوّنة من الطّلب وجوابه، ونتج عن ذلك تحريف شديد في المعنى، بل إحالةٌ له؛ إذ صار يأمر بالشّيء وضدّه في نحو:( استطِل اصبِر - مُرْ أَطِع )، وصواب شكله على ما أسوقه في جملة أبيات ذكرها ابن نباتة في "سرح العيون" (ص20) وغيره:

بيني وبينكَ ما  لو شئْـتَ لم يضعِ *** سرٌّ إذا ذاعـت الأسرارُ لم يَذِعِ

يا بائـعاً حظَّه  منّـي، ولو بُذلتْ *** لِيَ الحيـاةُ بِحَظّي منه لَمْ أَبِـعِ

يكفيك أنّك  لو حَمَّلتَ قلبِـيَ ما *** لا تستطيعُ قلوبُ الناسِ يَسْتَطِعِ

تِهْ أَحْتَمِلْ وَاسْتَطِلْ أَصْبِرْ وَعِزَّ أَهُنْ *** وَوَلِّ أُقْبِلْ  وَقُلْ أَسْمَعْ وَمُرْ أُطِعِ

وعليه، فلا محلّ للشّاهد في هذا المقام، والله أعلم.

22- ذكر المصنّف (ص204) أبياتَ الحريريّ المشهورةَ الّتي عارضها العلماء، ثمّ عزّزها ببيت من عنده، فقال:

والهذرَ مهوى للّسان الّذي *** ديدنُه الإسفاف والهذرمه

قلت: كذا ضبط ( الهذرَ ) منصوبا، والصّواب رفعُه بالابتداء، وينتقض بذلك شرطُ التّعزيز كما هو واضح في محلّه. فإن قيل: لعلّه نصبه بفعل محذوف، فالجواب: أنّه لا يحذفُ من غير دليل من سباق أو لحاق أو مقام، وبيت المصنّف يتيم لا أخَ له، والله تعالى أعلم.

23-كتب المصنّف (ص204) بيت الحريري هكذا:

وَفِي قَرِيسٍ وَبَرْدٍ قَارِسٍ فَخُذْ الصْـ *** ـصَوَابَ مِنِّي وَكُنْ لِلْعِلْمِ مُقْتَبِسَا

قلت: إنّما يصحّ فصلُ جزءَيْ الكلمة بين الصّدر والعجز إذا كان موضعُ الفصل حرفين متمايزين، وأمّا الحرف المضعّف كالصّاد هنا فلا يصحّ فصلُه على ما رَسَم المؤلّف، وإنّما يكتب الشّطران متّصلين، كما هو مقرّر في علم العروض. ويسمى هذا البيت المدمج أو المدوّر.

وهذا آخر ما تيسّر الوقوفُ عليه بعاجل النّظر، فما فيه من زيادةٍ فلإرادة عموم النّفع، وما فيه من تنبيه فلإرادة محض النّصح،

وما فيه من صواب فمن الملك الوهّاب، وما فيه من زللٍ فممّن خُلِقَ من عجل، والله المسؤول أن يعلّمنا ما لا نعلم،

وله الحمد على ما أسبغ وأنعم، وصلّى الله على نبيِّنا محمّدٍ وآله وصحبه وسلّم.

وكتب حامدا مصلّيا: أمين بن يوسف الأحمدي

أصيل الخميس 11 رجب 1436، الموافق لـ: 30 أبريل 2015 بتيزي وزو.



[1]/ لفظها في "الإرشاد" (1/272-273):"وكان يكتب إلى أن مات, فقيل له في ذلك ؟ فقال: لعلّ الكلمةَ الّتي فيها نجاتي بعدُ لم تصِلْ إلَيّ "، وفي (3/889):" قيل له بالشّام: إلى كم تطلب هذا العلم ؟ قال: أرجو أن تروْنِي فيه، أو أموت ".

[2]/ " شذرات الذّهب" (10/38-39).

[3]/ وهذا خطأ مفرد دون سائر ما ننبّه عليه، وهو ضبطُه العينَ مضمومةً، والصّواب كسرها، لأنّه أمرٌ من ( عَزَّ يَعِزُّ ) لازما غيرَ متعدٍّ، فالأمر منه: عِزَّ يا فتى.

أخر تعديل في الاثنين 24 ربيع الأول 1437 هـ الموافق لـ: 04 جانفي 2016 14:52
الذهاب للأعلي