الأربعاء 12 محرم 1436 هـ الموافق لـ: 05 نوفمبر 2014 11:43

- السّيرة النّبويّة (84) مواقف اللّئام من ظهور الإسلام.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد: 

فقد انتهت غزوة بدر الكبرى، وانتهت معها غطرسة قادة المشركين، وطغيان المتكبّرين ..

وقد أصابت الدّهشةُ أهلَ جزيرةِ العرب أجمعين .. وتفاقم الحسد في نفوس اليهود والمشركين .. وضاقوا ذرعا بما يحدث أمامهم، ممّا سيجعل الأيّام حُبلى بالأحداث العظام، والخطوب الجِسام:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: من الآية82].

- أمّا المشركون بمكّة فقد قرّروا الانتقام، وسوف يرفعون رايته بعد أيّام ..

حيث انتقلت الزّعامة بعد أبي جهل وأميّة إلى أبي سفيان ابن حرب، وها هو بعد مشاورات وندوات يقرر الثأر لطواغيت قريش .. فهو يحشد الرّجال، والجمال، والرّجال، والأموال.

- وأمّا المشركون بالمدينة فقد خرست ألسنتهم، وجحظت أبصارهم، وتفطّرت قلوبهم، فخافوا على أنفسهم، وأعراضهم وأموالهم، فما كان منهم إلاّ أن أعلنوا إسلامهم في الظّاهر.

فظهر النّفاق والمنافقون .. روى البخاري ومسلم عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قالَ:

كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمْ اللهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى، قَالَ اللهُ عزّ وجلّ:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} الآيةَ، وقالَ الله:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} إلى آخر الآيَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَتَأَوَّلُ الْعَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ، حَتَّى أَذِنَ اللهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بَدْرًا، فَقَتَلَ اللهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ:" هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَفَبَايَعُوا الرَّسُولَ صلّى الله عليه وسلّم عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا.

أسلموا بألسنتهم إلى حين .. إلى حين تتأهّب قريش ومن معها لإبادة المسلمين، والقضاء عليهم إلى أبد الآبدين.

- وأمّا أهل البدو والأعراب حول المدينة فلم يكن همّهم هو مسألة الكفر أو الإيمان، أو حزب الله أو حزب الشّيطان؛ فكان ولاؤهم الوحيد إلى الدّرهم والدّينار، إذ كانوا أصحاب نهب وسلب.

فأخذهم القلق، وانتابهم الفزع، ورأوا أنّ في قيام دولة الإسلام في قلب الصّحراء ذهابا لمصدر عزّهم وثرائهم، وأنّهم سيُحَالُ بينهم وبين ما يشتهون.

فقرّروا غزو المدينة.. وبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكانت:

غزوة بني سليم.

زمانها: كانت في شوّال من السّنة الثّانية، فلم يلبث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد رجوعه من بدر إلاّ سبعة أيّام، حتّى بلغه أنّ قبائل من بني سليم وغطفان تحرّكوا لغزو المدينة.

مكانها: قرقرة الكُدْر، وهو ماء من مياه بني سليم يقع في نجد على الطّريق التّجاريّة بين مكّة والشّام.

المستخلف على المدينة: سِباع بن عُرْفُطة رضي الله عنه، وسوف يستخلفه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوتين أخريين: دومة الجندل، وخيبر.

حامل لواء الغزوة: كان حامل لوائها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، في جيش يقدّر بمائتي مقاتل.

مدّة مكثه صلّى الله عليه وسلّم خارج المدينة: بضعة أيّام.

تصنيف الغزوة: كانت الغزوة مطاردة، ففرّ المشركون عند سماعهم بخروج المسلمين، وتركوا خلفهم خمسمائة بعير، أخذ النّبي صلّى الله عليه وسلّم خُمُسَه، وكان لكلّ مقاتل بعيران، وأصاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم غلاما اسمه يسار فأعتقه.

- أمّا اليهود فقد بدأ العدّ التّنازلي لذهاب مجدهم وذكرهم في جزيرة العرب، وكانت البداية مع:

غزوة بني قينقاع.

تاريخها: منتصف شهر شوّال من السّنة الثّانية.

مكانها: المدينة.

سببها: ما ذكره ابن إسحاق وغيره أنّ بني قينقاع كانوا أوّل يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وكان من أمر بني قينقاع أنّ امرأةً من العرب قدِمَت بِجَلَبٍ لها، فباعتْه بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها ! فأبَتْ، فعمد الصّائغ إلى طرف ثوبها، فعقده إلى ظهرها، فلمّا قامت انكشفت سوءتُها ! فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصّائغ فقتله، وكان يهوديّا، وشدّت اليهود على المسلم فقتلوه، فاصترخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسملون، فوقع الشرّ بينهم وبين بني قينقاع.

فحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبيّ ابن سلول حين أمكنه منهم، فقال:" يا محمّد، أحسن في مواليّ - وكانوا حلفاء الخزرج - فأبطأ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمّد، أحسن في مواليّ. فأعرض عنه، ثمّ لم يزل به ويخبره انّه يخشى الدّوائر، حتّى قال صلّى الله عليه وسلّم: (( هُم لَكَ )).

وفي ذلك يحمل كثير من السّلف نزول قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)}..

والمستخلف على المدينة: كان أبا لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه.

وكان حامل اللّواء حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه، وكان قائد قوى اليهود قوم عبد الله بن سلام رضي الله عنه في سبعمائة مقاتل.

ومدّة مكث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خارج دياره كانت خمسة عشر يوما.

وتصنيف الغزوة: حصار.

ما نزل فيها من القرآن: ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ ما سبق سرده من آيات المائدة نزل في عبد الله بن أبيّ، ونزل في اليهود قوله تعالى في "آل عمران":{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}.

ولا شكّ أنّ مرادهم من ذلك أنّهم يدخلون في عموم الآية، لا أنّ الآية نزلت فيهم خاصّة، والله أعلم.

نتيجة الغزوة: الكفّ عنهم، بعد أن استسلموا لحصار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأمر بإخراجهم من المدينة، ونزلوا بأذرعات الشّام، وأخذ أموالهم ثمّ خُمّست.[1]

وعاد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، حيث كان باقي اليهود تشتعل قلوبهم نارا.

وبلغ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ بعضهم قد تجاوز حدّه، فلم يكتف بالكفر بالله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّه اليوم يستغلّ بلاغته، وشعره وفصاحته للاستهزاء بدين الله ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

إنّه رأس من رؤوس الكفر .. رجل يحسن الكلام من وراء حصنه، وكان حصنه منيعا ..

إنّه أحد سادات بني النّضير .. إنّه كعب بن الأشرف.

( يتبع إن شاء الله تعالى )



[1]/ بعض أهل العلم يرى ضعف هذه القصّة ويُعِلّها بالإرسال.

أخر تعديل في الأربعاء 12 محرم 1436 هـ الموافق لـ: 05 نوفمبر 2014 11:47
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي