السبت 14 جمادى الأولى 1443 هـ الموافق لـ: 18 ديسمبر 2021 08:36

- معركة العربيّة.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فـ" ما ذلَّت لغةُ شعبٍ إلاّ ذَلَّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمرُه في ذَهابٍ وإدبار، ومن هذا يفرض الأجنبي المستعمِر لغته فرضًا على الأمة المستعمَرة ... فيحكم عليهم أحكامًا ثلاثةً في عملٍ واحد:

أمّا الأوّل: فحبسُ لغتِهم في لغته سجنًا مؤبّدًا.

وأمّا الثّاني: فالحكم على ماضيهم بالقتل محوًا ونسيانًا.

وأمّا الثّالث: فتقييدُ مستقبلِهم في الأغلال الّتي يصنعها، فأمرهم من بعدها لأمره تَبَع ".

[" من وحي القلم " (2/23) للرّافعي رحمه الله].

ومن مظاهر إذلال اللّغة العربيّة هجرُها، واتّخاذ العامّية خدناً بدلها.

- وكان أوّل من دعا إلى إحلال العامّية محلّ الفصحى اللّبنانيّ أمين شميل (1828 - 1897 ).

- ثمّ جاءت مجلّة "المقتطف" (1876-1952م) فدعَت إلى كتابة العربيّة بالحروف اللاّتينيّة !

وبارك هذا النّداءَ الخبيث، وسعى إلى تشجيعه السّعيَ الحثيث أعداء الأمّة، ومن لا يرقب فيها إلاًّ ولا ذمّة:

- فألَّف كارل فولرس الألمانيّ خادم الإنجليزيّين كتابًا في " اللّهجة العامّية الحديثة في مصر " (سنة 1890)، ليصِل من وراء ذلك إلى إظهار العربيّة الفصحى في ثوب الجمود والصّعوبة.

- ثمّ جاء " ويليام ويلككس " المنصّر الإنجليزي، فألقى محاضرة سنة 1893ونشرها في مجلّة الأزهر التي سيطر عليها بعد - وهي غير مجلّة "الأزهر" الّتي صدرت عن مشايخ الأزهر فيما بعد ولا تزال تصدر إلى الآن -، وزعم في خطبته:

أنّ الّذي عاق المصريّين عن الاختراع هو كتابتُهم بالفصحى !

ودعا إلى التّأليف بالعامّية، وقال:" ما أوقفني هذا الموقف إلاّ حبِّي لخدمة الإنسانيّة، ورغبتي في انتشار المعارف ! وما أجده في نفسي من الميل إليكم، الدالّ على ميلكم إليَّ ".

- ثمّ حمل لواء هذه الدّعوة أحمد لطفي السيد (تـ: 1963 م)، الّذي خُطِّطَ له حتّى أصبح وزيراً للمعارف ! ثمّ وزيراً للخارجيّة، بل دعاه الضبّاط الأحرار إلى أن يصبح رئيسا لدولة مصر !

ولمَ لا، وهو الملقّب بأبي اللّيبراليّة، وأفلاطون العرب !؟

نادى هذا الرّجل بأعلى صوته باستعمال اللّغة العامّية المصرية بدلاً من العربيّة الفصحى !

وردّ عليه الرّافعي رحمه الله سنة 1912 م بأنّ: طريق الإصلاح إنّما يكون بإيجاد مجمع يحوط اللّغة العربيّة بعنايته واهتمامه [انظر:" تحت راية القرآن " (54-60)].

وكما في أمثال العامّة عندنا: ( إذا لم تركب فتعلّق )، فإنّه لمّا خسر معركته، أصبح رئيساً لـ" مجمع اللّغة العربيّة " ؟! حتّى يُحطّم اللّغة الفُصحى من الدّاخل.

وتوالت الضّربات، وتتابعت المخطّطات والمؤامرات، لوَأْدِ العربيّة بين قومها، وتغريبها في أرضها.

وما أكبرَ عقلَ الإمام ابن باديس رحمه الله، الّذي كان أيّام الاحتلال الفرنسيّ - مع شيوع الأمّية يومئذ - يدرّس شرح المعلّقات !

ذلك ليزيل الغربة عن لغة القرآن، فما غاب عن لفظك غاب عن قلبك، وما ينكره اللّسان ينكره الجَنان.

وأدعو بهذه المناسبة - كما يقال - جميع أئمّة المساجد أن يدرّسوا هذه الأيّام شرح قصائد العرب الخالدة، أو شرح منظومات في علم النّحو أو الصّرف أو البلاغة، ولك أن تخيّل خمسة عشر ألف مسجد تقام فيها دروس في علوم العربيّة.

وتذكّروا أنّ شأن المنافقين في كلّ زمان ومكان قول الحقّ سبحانه:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}.

فهم يزعمون أنّهم لا يريدون من وراء استبدال العامّية باللّغة الفصحى إلاّ التّيسير، وإبعاد الصّعب والعسير.

والواقع يكذّب ذلك كلَّه:

فالمسنّون يفقهون اللّسان الفصيح، وخير دليل على ذلك عكوفهم أمام القنوات الإخباريّة.

والنّساء يفهمن اللّسان الفصيح، وأصدق دليل عشقُهنّ للأفلام المدبلجة ( المكسكسيّة والبرازيليّة ... الخ ).

والأطفال يفقهون جيّدا اللّسان الفصيح، وإن كنت في ريب من ذلك، فاسألهم عن أفلام الكرتون.

وأظنّ أنّهم ما يُريدون من وراء مثل هذه التوصيات والقرارات، إلاّ أحدَ الشرّين:

تطبيقها فعليّا، فيتمّ لهم ما يريدون.

إلجام أصوات الحكماء الّذين عزموا منذ سنوات على إعادة بعث اللّغة العربيّة الفصيحة في حياة النّاس.

فلسان حالهم: خير وسيلة للدّفاع هي الهجوم.

فالله تعالى وحده نسأل أن يهدي ولاة أمورنا إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وأن يُلهمهم سُبلَ الهدى والرّشاد،

وأن يجنّبهم مضلاّت الهوى والغيّ والفساد، إنّه سميع قريب مجيب.

أخر تعديل في السبت 14 جمادى الأولى 1443 هـ الموافق لـ: 18 ديسمبر 2021 09:13
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي