الجمعة 13 جمادى الثانية 1439 هـ الموافق لـ: 02 مارس 2018 01:04

- شرح كتاب الذّكر (55) تابع: من آداب الرُّؤْيـا.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

تابع الباب الثّاني عشر: ( التَّرغيبُ فيما يقولُه ويفعلُه من رأى في منامه ما يكرَهُ ).

- الحديث الأوّل:

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ:

(( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ[1]  الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ )).

[رواه مسلم، وأبو داود، والنّسائي، وابن ماجه].

- شرح الحديث:

تضمّن هذا الحديث آدابا ثلاثة من آداب الرّؤيا:

الأدب الأوّل: التّفل أو النّفث عن اليسار ثلاثا.

وفيه تنبيهان:

أوّلا: النّفث أوّل المراتب وهو نفخ لطيف دون ريق، ثمّ التّفل، ثمّ البَصق، ولعلّ المراد بالبصق في الحديث التّفل أو النّفث، كما قال النّووي رحمه الله، وإنّما يعبّر أحيانا عن التّفل بالبصق.

ثانيا: التّفل عن اليسار مقيّد بما إذا كان ذلك إلى غير القبلة؛ وإنّما لم يقيّده في الحديث؛ لأنّ عادةَ المسلم أن ينامَ تُجاه القبلة.

أمّا إذا كان يسارُه هو القبلةَ، فلا يتفلَنّ تجاهَها، للحديث الّذي رواه أبو داود عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ تَفَلَ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَفْلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ )).

وحينها عليه أن يتفُلَ تحت قدميه؛ لما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ، فَحَكَّهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ: (( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ )) ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ: (( أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا )).

وكذا لو كان عن يساره شخصٌ نائم، فعليه أن يبصُق أو يتفُل تحت قدمه اليسرى.

( فائدة ): في صحيح مسلم أنّ عُثْمَانَ بنَ أبِي العَاصِ رضي الله عنه أتَى النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا )) قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.

فينبغي لمن عمل بهذا الحديث أن يُراعِي ما سبق ذكره، فيتفُل عن يساره إن لم يكُن عن يساره أحدٌ، وإلاّ تفل تحت قديه، من باب حمل المطلق على المقيّد.

أمّا ما نراه من فعلِ الكثيرين أنّهم يلتفتون إلى الوراء ويتفلون !

الأدب الثّاني: الاستعاذة بالله.

وهو الشّاهد من الحديث في هذا الباب، وذلك بأن يقول: ( أعوذ بالله من شرّ هذه الرّؤيا ) أو: ( أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ) ثلاثا، أو ( أعوذ بالله من شرّ الشّيطان ).

دليل ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث الباب: (( وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ))، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه الآتي وفيه: (( وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا ))، وحديث أبي قتادة الآتي أيضا وفيه: (( فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شّرّهَا وشَرِّ الشَّيْطَانِ )).

الأدب الثّالث: التحوّل عن الجنب الّذي كان عليه.

فإن كان نائما على جنبه الأيسر أو بطنه تحوّل عنه، وإن استطاع تغييرَ المكان غيّر.

وهذا أمر له نظير، وهو الابتعاد عن المكان الّذي يحضره الشّيطان، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:

عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ )). وصلّوا في مكان أبعد من ذلك.

وفي رواية أبي داود قال صلّى الله عليه وسلّم: (( تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمْ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الغَفْلَةُ )).

وبقيّة أحاديث الباب فيها آداب أخرى نراها إن شاء الله لاحقا.



[1 في "صحيح التّرغيب والتّرهيب " تبعا للأصل (( عن مكانه )) والتّصويب من صحيح مسلم.

أخر تعديل في الجمعة 13 جمادى الثانية 1439 هـ الموافق لـ: 02 مارس 2018 01:11
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي