الأحد 15 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 21 نوفمبر 2010 12:04

14- قل:" مصون "، ولا تقل:" مصان ".

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فما زلنا معكم معاشر – القرّاء الأعزّاء – نبتغي تقويم اللّسان، ونصلح ما ينأى به البنان، كلّ ذلك دعوةً إلى الحفاظ على لغة القرآن، والذّود عن حياض لغة النبيّ العدنان، صلّى الله عليه وسلّم.

قل:" مصون ولا تقل:" مصان ".

فإنّ من القواعد الّتي لا يجهلها طالب النّحو والصّرف المبتدئ: طريقة صوغ اسم المفعول في لغة العرب.

فالقاعدة المقرّرة في الباب: أنّ اسم المفعول:

أ‌) يكون من الثّلاثيّ على وزن ( مفعول نحو: مكتوب من ( كتب )، ومنسوخ من ( نسخ ).

ب‌) ويكون من غير الثّلاثيّ على وزن مضارعه، مع إبدال حرف المضارعة ميما، وفتح ما قبل آخره.

فتقول في اسم المفعول من الرّباعيّ نحو ( أكرمَ يُكرم ): مُكرَم.

ومن الخماسيّ نحو ( انتظر ينتظر ): مُنتظَر.

ومن السّداسيّ نحو ( استقبل يستقبل ): مُستقبَل.

فانظر إلى الفعل ( صَان ) فهو فعل ثلاثيّ، اسم مفعوله ( مَصْوُون ) على وزن " مفعول " قولا واحدا.

ثمّ طرأ عليه تغييران بمقتضى قواعد الصّرف:

أ‌) التّغيير الأوّل: نُقِلَت حركة الواو – وهي الضمّة – إلى الحرف قبلها، لأنّ الحرف الصّحيح أولى بالحركة من الحرف المعتلّ، فصارت الكلمة ( مصُوون ).

ب‌) التّغيير الثاني: التقت الواوان السّاكنتان فحذِفت إحداهما[1]، فقيل: ( مصُون ).

قال الشاعر:[2]

بَلاَءٌ لَيْسَ يُشْبِهُـهُ بَـلاَءُ ... عَدَاوَةُ غَيْرِ ذِي حَسَبٍ وَدِينِ

يُبِيحُكَ مِنْهُ عِرْضاً لمْ يَصُنْهُ ... وَيَرْتَعُ مِنْكَ فِي عِرْضٍ مَصُونِ

وقِس على ذلك اسم المفعول من ( قال )، و( باع )، و( دان )، و( صاغ )، فيقال فيها أيضا: ( مقول )، و( مبيع )، و( مدِين )، و(مصُوغ)؛ لأنّها جميعَها من فعل ثلاثيّ.

ومنشأ غلط من يقول: مُصَان، ومُصاغ، أنّهم يصوغون اسم المفعول من المضارع المبنيّ للمجهول، وهو خطأ؛ لأنّ المضارع إنّما يُصار إليه في غير الثّلاثيّ.

قال الحريريّ رحمه الله في " درّة الغوّاص في أوهام الخواصّ " ( ص 70 ):

" ومن شجون هذا النّوع قولهم: ( فرس مُقَاد )، و( شعر مُقَال )، و( خاتم مُصَاغ )، و( بيت مُزَار ).

والصّواب أن يقال فيها: ( مَقُود )، و( مَقُول )، و( مَصُوغ )، و( مَزُور )، كما حكي أنّ الخليل بن أحمد عاد تلميذاً له، فقال تلميذه: إن زرتنا فبفضلك، أو زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائراً ومزوراً.

... ومن هذا النّمط قولهم: ( مبيوع )، و( معيوب )، والصّواب أن يقال فيهما: ( مبيع )، و( معيب ) على الحذف، كما جاء في القرآن في نظائرهما:{ وَقْصرٍ مَشِيدٍ }، {وَكَانَتْ الجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً }، فقال: ( مشيد ) و( مهيل ) على الحذف، والأصل فيهما: مشيود ومهيول.

... وقد شذّ من ذلك قولهم: ( رجل مدين ومديون ) و( معين ومعيون ) أي: أصابته العين، ومنه قول الشّاعر:

نُبِّئتُ قومكَ يزعمونك سيّداً *** وإِخال أنّـك سيّـدٌ مديـون [3]

وجميع ذلك مما يهجن استعماله، إلاّ في ضرورة الشّعر التي يجوز فيها ما حُظِر لإقامة الوزن "اهـ.



[1] والمحذوفة عند سيبويه رحمه الله: الواو الثانية الّتي هي واو المفعول الزّائدة، وأنّ الباقية هي الواو الأصليّة من ( صون ).

أمّا أبو الحسن الأخفش رحمه الله، فقال: إنّ المحذوفة هي الأولى، وأنّ الباقية هي واو المفعول التي تدل على المعنى، والله أعلم.

[2] هو من كلام عليّ بن الجهم يردّ به على ابن أبي حفصة كما في " طبقات الشّعراء "، و" جمهرة أمثال العرب "، وغيرهما.

[3] البيت نسبه الجاحظ في " كتاب الحيوان " وأبو الحسن البصريّ في " حماسته " إلى العبّاس بن مرداس، ولكن بلفظ:

قد كانَ قَوْمُكَ يَحْسِبُونَكَ سَيداً *** وإِخـالُ أَنَّكَ سَيّـدٌ مَعْـيُـونُ
عبد الحليم توميات

آخر المواضيع:

الذهاب للأعلي