أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: htoumiat@nebrasselhaq.com

الجمعة 21 شعبان 1432 هـ الموافق لـ: 22 جويلية 2011 02:02

- السّيرة النّبويّة (51) في غار ثَـوْر

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على خير خلق الله، محمّدٍ وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد بلغ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه غار ثَور ..

غارٌ كُتِبت بجدرانه أعظم رسائل التّضحية والفداء .. ونُقِشت به أجمل كلمات الصّحبة والوفاء ..

رأينا كيف جعل أبو بكر رضي الله عنه جسده دِرعاً تحمِي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من كيد الأعداء اللّئام، ويتحسّس به أرض الغار من الأفاعي والهوامّ ..

كان ذلك جسد أبي بكر رضي الله عنه .. أمّا مالُه، فقد وضعه كلَّه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، حتّى صار بيتُ أبي بكر خالياً من كلّ شيء، إلاّ من الإيمان .. وفتيات ربّاهنّ الإسلام.

تقول أسماء رضي الله عنها تُكمل لنا حديثها:

" لمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه أبو بكر رضي الله عنه، احتمل أبو بكر رضي الله عنه معه خمسةَ آلاف درهم - أو ستّة آلاف -، فانطلق بها معه.

فدخل علينا جدّي أبو قحافة - وقد ذهب بصره -، فقال: والله إنّي لأراه قد فَجَعَكُم بِمَالِه ونفْسِه.

قلت: كلاّ، إنّه قد ترك لنا خيرا كثيرا.

فأخذْتُ أحجارا، فوضعْتُها في كُوَّةِ في البيت الّذي كان يضع فيه أبو بكر رضي الله عنه فيها مالَه، ثمّ وضعتُ عليها ثوبا، ثمّ أخذت بيده، فقلت: يا أبتِ، ضَعْ يدَك على هذا المال.

فوضع يده عليه، فقال: لا بأس إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا إبلاغٌ لكم.

قالت أسماء رضي الله عنها[أي: لمن تُحدّثه بهذا الحديث]: لا، والله ما ترك لنا شيئا، ولكن أردت أن أُسكِت هذا الشّيخ بذلك ".

قَالَتْ عائشة رضي الله عنها - كما في الصّحيحين من حديثها الطّويل -:

" ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ...".

ولكن أنّى للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يعْرِفَ أخبارَ القَوْم ؟ كيف يمكنه أن يرصُدَ حركاتهم وهم يحملون راية: نريد محمّدا حيّا أو ميّتا ؟!

كان الجواب دائما: إنّ هناك آلَ أبي بكر رضي الله عنهم ..

اسْمه: عبد الله بن أبي بكر .. يعيش مع قريش في وضح النّهار، يخالطهم، ويكلّمهم، ويسمع منهم .. يلتقط أخبارهم، ويقتصّ آثارهم .. حتّى إذا حلّ المساءُ صعِد إلى حيث النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، فسرعان ما تكون أخبارُ قريشٍ بين يدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .. ثمّ يعاوِدُ النّزولَ قبل طلوع الفجر.

تكمل عائشة رضي الله عنها قائلة:

".. يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ[1] لَقِنٌ[2]، فَيُدْلِجُ[3] مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ ...".

ولم يُكلَّفْ عبدُ الله رضي الله عنه إلاّ بهذا .. حتّى لا ينكشف أمره.

أمّا الطّعام، فقد كُلِّف به شابٌّ تربّى في بيت أبي بكر رضي الله عنه، إنّه أحد رُعاةِ الغنم.

اسمه: عامر بن فُهيرة .. كان يخرج راعيا للغنم، فلا يَلْفِتُ انتباهَ أحدٍ، فرَعْيُها مهنتُه، وأن يكون خارج أسوار مكّة مَهَمَّتُه.

فكان يخرج منها ويأتيهِما بالزّاد بعد العشاء، ثمّ ينصرف، تقول عائشة رضي الله عنها دائما:

" وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ - وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا [4]- حَتَّى يَنْعِقَ[5] بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ ..".

لكن بقِيت مشكلة ..

كيف سيخْرُج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الغار ؟ وأيّ دابّة ستنقُلُهما إلى أرض المدينة ؟

ألَمْ يشْتَرِ أبو بكر رضي الله عنه راحِلَتين، وعرضَ إحداهما على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: (( إلاَّ بِالثَّمَنِ )) ؟

فأين هما ؟.. هل هما عند عبد الله ؟ .. أو أنّهما عند عامر بن فهيرة بين غنمه ؟..

الجواب: إنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قد أعدَّ كلّ شيء بتوفيق الله تعالى ..

لو كانت الرّاحلتان عند أحد أبناء أبي بكر رضي الله عنه، أو أحد مواليه لأدرك الكفّار ذلك عند خروجه بهما ..

لقد غافلَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الجميع .. لقد أسْنَد هذه الْمَهَمَّة رجلا لا يزال على دين قومه .. ولكنّه كان أمينا .. وقويّا في عمله:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: من الآية26].

فكان من أعلمِ النّاس بالطّرق ومسالكِها .. يعرف كيف يتسلّل بهما بعيدا عن حوافر الشّرك ورماحه .. فواعدَه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم اللّيلةَ الثّالثة كي يُحضِر الرّاحليتن.

تقول عائشة رضي الله عنها:

" وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ - وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ - هَادِيَا خِرِّيتًا، وَالْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ ".

هذه هي خطّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ..

ولكن، هل كان الكفّار بعدَ فشلِهم في قتل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد استسلموا بناديهم، وقعدوا بديارهم ؟

لا، فإنّهم بعد أن عثروا على عليّ رضي الله عنه في فراش النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سألوه عنه ؟ فقال: لا علم لي بذلك.

عندئذ تفجّرت قريشٌ كالشّظايا، في كلّ مكان، في الأودية .. في الشّعاب .. بين الجبال والدّروب .. تسأل كُلَّ مقبل إلى مكّة ..

لم يبق إلاّ أن تُقلِّبَ الصّخور، وتهزّ أغصان الشّجر !.. وركبوا في كلّ وجه يطلبونه .. وجعلوا الْجُعْل العظيم لمن يُخبرهم بمكانه !

ظلّوا على ذلك الحال حتّى أتوا على غار ثور !..

وحامت الأقدار حول فم الغار .. وكانت لحظات تحبس الأنفاس، وتتقلّب فيها القلوب والأبصار ..

وبلغت أصواتُهم آذان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصاحبِه .. حتّى صعِدوا فوقه ..

وتسللّ الخوف من شقوق الغار إلى قلب أبي بكر رضي الله عنه .. ومرّ وبيص السّيوف المجرّدة من غمادها إلى الغار ..

يقول أبو بكر رضي الله عنه - كما في الصّحيحين -:" يا رسول الله، لو أنّ أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه ! "

فإذا بذلك القلق والاضطراب، وذلك الخوف والإشفاق، يذوب كما يذوب الملح في الماء، عندما وقعت عليه قطرات من كلام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( يَا أَبَا بَكْرٍ ! مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا ؟))..

ودّ أبو بكر ساعتَها أن يصرُخ هاتفا، ليُسْمِع الدّنيا بأكملها: أنّه واللهِ - لو سار مع قريش كلّ الأحياء، وتشقّقت المقابر فخرج منها كلّ الأموات، وتحوّلت أكفانهم إلى رماح وسيوف، وقلّبوا كلّ حجارة من حجارة الغار، واجتثّوا كلّ شجرة من الأشجار، وزحزحوا كلّ الجبال والأنهار، ما قدروا على (( اثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا ))!

{إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].

وقبل الاسترسال في بيان أحداث ذلك .. فإنّ هناك تنبيها، وهو:

ضعف قصّة العنكبوت والحمامتين..

فإنّ هناك قِصصا كثيرة تُذكر بهذه المناسبة، ومن أشهرها على لسان النّاس حديث العنكبوت والحمامتين.

وهي غير صحيحة لأمرين اثنين:

1- من حيث السّند، فبعضها ضعيف، وبعضها الآخر موضوع.

2- ومن حيث المتن، فهذه الأحاديث مخالفة لما نطق به القرآن الكريم، حيث قال تعالى:{ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: من الآية 26]. فقد نصّ على أنّ الجنودَ التّي أيّد الله بها نبيّه صلّى الله عليه وسلّم: لا تُرَى.

ومن أقبح الأحاديث الموضوعة ما ادّعوه أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال:(( جَـزَى اللهُ العَنْكَبُوتَ عَنَّا خَيْرًا; فَإِنَّهَا نَسَجَتْ عَلَيَّ فِي الغَارِ )). فهو مكذوب موضوع، كما في " المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصّغير " (52)، " و"ضعيف الجامع" (2629).

وتتمّة الحديث عن هذا الحدث العظيم تأتي لاحقا إن شاء الله.



[1] أي: حاذق.

[2] أي: ذكيّ.

[3] الإدلاج: هو السّير أوّل اللّيل، والمراد أنّه ينطلق من عندهما وقت السّحر.

[4] هو اللّبن الّذي مسّته النّار حتّى ينعقد.

[5] ينعق: أي يصيح بها، والنّعيق هو صوت الرّاعي بغنمه.

أخر تعديل في الجمعة 21 شعبان 1432 هـ الموافق لـ: 22 جويلية 2011 02:03

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.