أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

الأحد 16 ذو القعدة 1431 هـ الموافق لـ: 24 أكتوبر 2010 10:00

- أصول اعتقاد السّلف (5) العقل الصّريح لا يُخالف النّقل الصّحيح ج 2

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

فقد تبيّن جليّا أهمّية الأصل الثّالث من أصول اعتقاد السّلف، وهو أنّ ( العقل الصّريح لا يُخالف النّقل الصّحيح ).

فاعلم أنّ تحت هذا الأصل قاعدتين اثنتين مهمّتين:

- الأولى: إذا ثبت النّقل شهد العقل.

مذهب أهل السنّة حين يجعلون العقل خاضعا للنّقل الصّحيح لا يعني أبدا إهدار قيمة العقل، فالعقل زينة أودعها الله عباده، وهو مناط التّكليف، وكثيرا ما خاطب الله عباده مناديا إيّاهم بأولي الألباب، وما سمّي العقل عقلا إلاّ لأنّه يعقل المرءَ عمّا يَشينه.

وقد أراد بعضهم تعظيم العقل حتّى حكّموه، ووضعوا في ذلك ( أحاديث العقل )[1].

وطائفة أخرى أهملوه حتّى جاءوا بما يخالف النّقل والعقل، ودين الله وسط بين الجافي والغالي، والمفرِط والمفرِّط.

لذلك كان منهج أهل السنّة قائما على هذه القاعدة: ( إذا ثبت النّقل شهد العقل ).

وإنّما قلنا: شهِد العقل، ولم نقل: بطل العقل - كما يرد في عبارات بعضهم -؛ ذلك لأنّ العقل لا يبطُل، ولكنّه يشهد.

وتأمّل ما رواه البيهقيّ، والبزّار، وابن إسحاق بسند حسن في قصّة الإسراء والمعراج الطّويلة:

" فلمّا أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر، فقال أكثر النّاس: هذا - والله- الإمر البيّن، والله إنّ العير لتطرد شهرا من مكّة إلى الشّام مدبرة وشهرا مقبلة، أفيذهب محمّد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكّة ؟!

قال: فارتدّ كثير ممّن كان أسلم، وذهب النّاس إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا له: هل لك يا أبا بكر في صاحبك يزعم أنّه قد جاء هذه اللّيلة بيتَ المقدس، وصلّى فيه، ورجع إلى مكّة ؟ فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه: " إنّكم تكذبون عليه " فقالوا: بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدّث به النّاس، فقال: أبو بكر رضي الله عنه:

" والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك، فوالله إنّه ليخبرني أنّ الخبر ليأتيه من السّماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار، فأصدّقه، فهذا أبعدُ ممّا تعجبون منه ".

ثمّ أقبل حتىّ انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:" يا نبيّ الله ! أحدّثت هؤلاء القوم أنّك جئت بيت المقدس هذه اللّيلة ؟ " قال صلّى الله عليه وسلّم: (( نَعَمْ )). قال: " صدقت، أشهد أنّك رسول الله " فيومئذ سمّاه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصدّيق..

فانظر كيف تثبّت الصدِّيق من النّقل، فلمّا صحّ لديه، ما كان منه إلاّ أن شهد بصحّته.

الثّانية: الزّجر عن علم الكلام.

  • يسمّي علماء الأشاعرة كالإيجي والجرجانيّ وغيرهم علم العقائد بعلم الكلام، ولقد ذكر التّفتازانيّ في " شرح العقائد النّسفيّة " (4-5) أنّ سبب تسميته بذلك وجوه:

أنّه سمّي بعلم الكلام لأنّ أشهر وأوّل مباحثه مسألة كلام الله.

وأنّه العلم الّذي يقتدر به على الكلام في إثبات العقائد.

ولأنّ العلماء كانوا يبوّبون لمسائل الاعتقاد بقولهم: باب الكلام في كذا .. والكلام في كذا ..

ولأنّ النّزاع والجدال يشتدّ في مسائل الاعتقاد فيحتاج إلى قوّة الكلام.

ولأنّه لقوّة أدلّته صار كأنّه هو الكلام دون ما عداه من العلوم ..

لذلك عرّفه غير واحد أنّه: منهج البحث العقليّ بأسلوب منطقيّ لإثبات العقائد والبرهنة عليها.

والصّواب خلاف ما ذكره، وسيأتي بيانه إن شاء الله.

  • - ظهور علم الكلام في أمّة الإسلام:

ذكر الشّيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسيّ الشّافعيّ (تـ: 490 هـ) في " الحجّة على تارك المحجّة " بسنده عن ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله قال:

" رحم الله بني أميّة، لم يكن فيهم قط خليفة ابتدع في الإسلام بدعةً .. فلمّا زالت الخلافة عنهم، ودارت إلى بني العبّاس .. فأوّل الحوادث الّتي أحدثوها إخراج كتب اليونان إلى أرض الإسلام، فتُرجِمت إلى العربيّة، وشاعت في أيدي المسلمين.

وسبب خروجها من أرض الرّوم إلى بلاد الإسلام هو يحيى بن خالد بن برمك[2]، وذلك أنّ كتب اليونان كانت ببلد الرّوم، وكأنّ ملك الرّوم خاف على شعبه إن نظر في كتب اليونان أن يتركوا دين النّصرانيّة ويرجعوا إلى دين اليونانيّة، وتتشتّت كلمتهم، وتتفرّق جماعتهم !

فجمع الكتب في موضع وبنى عليها بناء مطمّسا بالحجر والجصّ حتّى لا يُوصل إليها.

فلمّا أفضت رئاسة دولة بني العبّاس إلى يحيى بن خالد - وكان زنديقا - بلغه خبر الكتب فصانع ملك الرّوم بالهدايا وأكثر، حتّى لمّا سأله ملك الرّوم عن حاجته قال له: حاجتي هي الكتب الّتي تحت البناء.

فاستطار الملك الرّوميّ فرحا، وجمع بطارقته وأساقفته وقال لهم: حاجته هي الكتب اليونانيّة يستخرج منها ما أحبّ ويردّها.

قالوا: فما رأيك ؟ قال: قد علمت أنّه ما بنى عليها من كان قبلنا إلاّ أنّه خاف إن وقعت في أيدي النّصارى وقرؤوها كان سببا لهلاك دينهم وتبديد جماعتهم، وأنا أرى أن أبعث بها إليه، وأسأله أن لا يردّها، يُبتلون بها، ونسلم نحن من شرّها، فإنّي لا آمن أن يكون بعدي من يجترئ على إخراجها إلى النّاس فيقعوا فيما خِيف عليهم.

فبعث بالكتب إلى يحيى بن خالد بن برمك، فلمّا وصلت إليه جمع عليها كلّ زنديق وفيلسوف، فممّا أخرِج منها كتاب حدّ المنطق.

قال أبو محمّد بن أبي زيد: وقلّ من أمعن النّظر في هذا الكتاب وسلِم من زندقة "اهـ.

وهناك قول آخر حكاه الصّفديّ (تـ: 746) في " شرح لامية العجم " قال:

" حُكِي أنّ المأمون لمّا هادن ملوك النّصارى - ربّما كان ملك قبرص - كتب يطلب منه خزانة كتب اليونان، وكانت عندهم مجموعة في بيت لا يظهر عله أحد، فجمع الملك خواصّه من ذوي الرأي، واستشارهم في ذلك، فأبوا، إلاّ أسقفّا واحدا قال: جهِّزها إليهم فما دخلت هذه العلوم على دولة إلاّ أفسدتها وأوقعت بين علمائها ".

ثم قال: إنّ المأمون لم يبتكر النّقل والتّعريب بل نقله قبله كثير، فإنّ يحي بن خالد بن برمك عرّب كثيرا من كتب الفرس عن طريق خالد بن يزيد بن معاوية (تـ: 142)، وعبد الله بن المقفّع (تـ: 85) وغيرهما.

ثمّ قال: إنّ المأمون زاد الشرّ شرّا، والضرّ ضرّا، وقويت به حجج المعاهد الاعتزاليّة وغيرها، وأخذ أصحاب الأهواء طرقا فخالفوا السنّة بمقدّمات عقليّة من الفلاسفة فأدخلوها في مباحثهم، وفرّجوا بها مضايق جدالهم، وبنوا عليها قواعد بدعهم، فاتّسع الخرق على الرّاقع "اهـ.

والحاصل ممّا ذكره هو وابن كثير في " البداية والنّهاية " (1/216) والسّيوطي في " صون المنطوق والكلام ": أنّ علوم الأوائل دخلت على المسلمين في القرن الأوّل لمّا فتحوا بلاد العجم، لكنّها لم تكثر فيهم ولم تنتشر بينهم لمّا كان السّلف يمنعون من الخوض فيها، ثمّ اشتهرت في زمن البرمكيّ، ثمّ قوِي انتشارها في زمن المأمون ..

وذكر الذّهبيّ في " تاريخ الإسلام " أنّ أوّل من أدخل الفلسفة الأندلسَ أمير الأندلس عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام وكان يُشبّه بالمأمون العبّاسيّ في طلب الكتب الفلسفيّة.

  • - حكم علم الكلام.

من خلال ما سبق بيانه من تعريف أعلام الأشاعرة لعلم الكلام تراهم قد كسوه ثوبا من المدح والإطراء لا ينبغي أن يكون إلاّ للوحي، بل بلغ الأمر بهم إلى ما يلي:

أ‌)             صاروا يُوجبونه على النّاس.

ب‌)    وصرّحوا بأنّ الّذي لا يعرف المنطق فهو عاجز عن البرهنة على صحّة عقيدته [كما في "فصل المقال فيما بين الحكمة والشّريعة من الاتّصال" لابن رشد (ص3)].

ت)        بل توسّعوا في ذلك حتّى اختلفوا في إيمان المقلّد !!..

ث‌)        أنّ النّصوص الشّرعيّة ليست حجّة في العقائد، [ كما في " المواقف " للإيجي].

ج‌)          أنّ النّصوص الشّرعيّة ظاهرها غير مراد، وإنّما خوطِب بها العوامّ.

ح‌)          الأخذ بظواهر النّصوص أصل من أصول الكفر.

خ‌)          جواز وقوع الكذب من الرّسل ! بل وجواز وقوعه من الله !! عقلا، أمّا شرعا فقد جاء النصّ على أنّه أصدق قيلا وأصدق حديثا !!..[" شرح مواقف الإيجي "].

وعلى ضوء ما ذُكر تدرك جليّا حكم الخوض في علم الكلام، وتدرك أنّ ما ذكروه في تعريفه  مردود من وجوه:

- أنّ السّلف أجمعوا على تحريم الخوض في علم الكلام.

قال ابن الصّلاح - كما في " فتاوى ابن الصّلاح في التّفسير والحديث والأصول والعقائد " (ص 43)-:

" وليس الاشتغال بتعلّمه وتعليمه ممّا أباحه الشّارع ولا استباحه أحد من الصّحابة والتّابعين والأئمّة المجتهدين والسّلف الصّالحين ".

فإن قال قائل: هذه شهادة على نفي فلا تقبل ! ندع الجواب للإمام السّيوطي حيث قال في "صون المنطوق" (ص3):

" يا سبحان الله ! لا طريق أهل الشّرع سلكتم، ولا طريق أهل المنطق اعتمدتم، أمّا أهل الشّرع  فيقولون: إنّ النّفي إن كان من أهل الاستقراء التامّ فإنّه يقبل ويعتمد .. وأمّا أهل المنطق فإنّهم يقولون: السّالبة الكلّية إنّما تنقض بموجبة جزئيّة ".

- ثمّ إنّ السّلف هم الّذين سمّوه بهذا الاسم ( علم الكلام )، وما كانوا يذمّون شيئا ويسمّونه بما يدلّ على مدحه.

- إنّما مراد السّلف من تسميتهم له علم الكلام، أنّه مجرّد كلام وأبعد شيء عن طريقة ذوي الأحلام [" مجموع الفتاوى " (9/23)].

- أنّ أساطين الأشاعرة الأُوَل وغيرهم لم يكونوا يعظّمون علم الكلام كما عظّمه المتأخّرون، قال السّيوطيّ في (12):

" وأمّا أوّل من مزج كتب الأصول بعلم الكلام فقال ابن تيمية: لم يكن أحد من نُظّار المسلمين يلتفتون إلى طريق المنطقيّين، بل الأشعريّة والمعتزلة والكرّاميّة وسائر الطّوائف كانوا يَعيبونها ويُثبتون فسادها.

وأوّل من خلط المنطق بأصول المسلمين أبو حامد الغزاليّ، وتكلّم فيه العلماء بما يطول ذكره ".

- أقوال أئمّة السّلف لا تكاد تُحصر في تحريم علم الكلام، وانظرها في " صون المنطق والكلام " للسّيوطي.

- توبة أعلامهم ورجوعهم إلى السنّة.

- أخطاؤهم في الكونيّات لا تكاد نُحصر، فكيف بالإلهيّات ؟!

ومن أمثلة ذلك أنّهم صرّحوا في كتبهم أنّ الأرض ليست كرويّة، وأنّ ذلك من زعم الفلاسفة والمنجّمين [" المواقف " (1/199)، والفرق بين الفرق (318)].

ورحم الله شيخ الإسلام القائل في " الردّ على المنطقيّين" (311):" فإنّ أكثر أهل الكلام في هذه الأمور بلا علم ولا عقل ولا شرع ".

ولقد نقل رحمه الله في عدّة مواطن من " مجموع الفتاوى " إجماع السّلف على أنّ الأرض كرويّة الشّكل (5/150).

والله الموفّق لا ربّ سواه.


[1] من هذه الأحاديث: " الدّين هو العقل، ومن لا دين له لا عقل له "، قال ابن حجر: موضوع، ذكره السّيوطي في " ذيل اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " (ص4-10) و نقله عنه العلامة محمد طاهر الفتني الهندي في " تذكرة الموضوعات " (ص 29-30)، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضّعيفة (1/53): " باطل ".

وقد صنّف داود بن المحّبر كتاب العقل ذكر فيه بضعا وثلاثين حديثا في فضل العقل، قال الحافظ ابن حجر: " كلها موضوعة "، وداود بن المحبر قال الذّهبي: صاحب " العقل " و ليته لم يصنفه، قال أحمد: كان لا يدري ما الحديث، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث غير ثقة، وقال الدارقطني: متروك ".

قال الألبانيّ: " و ممّا يحسن التّنبيه عليه أن كل ما ورد في فضل العقل من الأحاديث لا يصح منها شيء، و هي تدور بين الضعف و الوضع، و قد تتبّعت ما أورده منها أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه " العقل و فضله " فوجدتها كما ذكرت لا يصح منها شيء  .. و قد قال العلامة ابن القيم في " المنار " (ص 25): " أحاديث العقل كلها كذب.

[2] وهو أبو الفضل الوزير توفّي عام 190 هـ، من أصل فارسيّ، وقد أفسد هو ومن معه من قرابته أركان الدّولة الإسلاميّة، حتّى قضى عليهم هارون الرّشيد طيّب الله ثراه.

أخر تعديل في السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 12:07

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.