أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الأربعاء 05 ذو القعدة 1431 هـ الموافق لـ: 13 أكتوبر 2010 13:15

- أصول اعتقاد السّلف (2) بناء العقيدة على النّقول الثّابتة

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

أصول الاستدلال والتلقّي

هذا هو النّوع الأوّل من أصول الاعتقاد، وهو الأصول الّتي تُبنَى عليها العقيدة، وقد يحتوي الأصل بنفسه على قواعد فرعيّة، ومباحث ضروريّة، وذلك بُغية التّفصيل والزّيادة في الإيضاح والبيان.

الأصل الأوّل: ( تُبنى العقيدة على النّقول الثّابتة ).

والمقصود بالنّقول الثّابتة هي: الكتاب، والسنّة الصّحيحة، والإجماع الصّحيح.

ذلك لأنّ هذه الأمور الثّلاثة هي العِصمة، فلا تُبنَى العقيدة إلاّ على الوحي الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

قال ابن تيمية رحمه الله - كما في " مجموع الفتاوى " (20/164)-:

" فدين المسلمين مبنيّ على اتّباع كتاب الله، وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وما اتّفقت عليه الأمّة، فهذه الثّلاثة هي أصول معصومة، وما تنازعت فيه الأمّة ردّوه إلى الله والرّسول صلّى الله عليه وسلّم.

وليس لأحد أن يُنصِّب للأمّة شخصا يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا ينصّب لهم كلاما يوالي عليه ويعادي عليه غيرَ كلام الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وما اجتمعت عليه الأمّة، بل هذا من فعل أهل البدع الّذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرّقون به بين الأمّة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النّسبة " اهـ.

فأهل السنّة يُعظّمون الوحي، ويعتقدون اعتقادا جازما أنّه بقدر ما يبتعد المرء عن الوحي بقدر ما يبتعد عن الحقّ لا محالة.

قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]، أي: حسبُك وحسْبُ من اتّبعك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " منهاج السنّة " (8/487): " ولهذا كلّ من كان متّبعا للرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان الله معه بحسب هذا الاتّباع ".

ولقد قيل لعبد الرّحمن بن مهدي: إنّ فلانا صنّف كتابا يردّ فيه على المبتدعة. قال: بأيّ شيء ؟ بالكتاب والسنّة ؟ قال: لا، لكن بعلم المعقول والنّظر. فقال: أخطأ السنّة وردّ بدعة ببدعة.

من القواعد المتفرّعة عن هذا الأصل العظيم:

  • 1- لا يحتجّ بقول أحدٍ ولو كان من أئمّة السنّة على إثبات عقيدة ما.

ذلك؛ لأنّ كلامه ليس كتابا ولا سنّة، ولم يُجمع السّلف على قوله.

ومن ثمّ ضلّت الفرق الّتي جعلت اعتقادها تَبَعًا لمعيّن غيرِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما أجمع عليه السّلف:

فهذا يتّبع قول واصل بن عطاء، وذاك يتّبع قول الجهم بن صفوان، وثالث يتّبع قول نافع بن الأزرق، ورابع يتّبع قول أبي الحسن الأشعريّ، وآخر يقتفي أثر أبي منصور الماتوريدي، وهلمّ جرّا.

فهؤلاء انحرفوا عن أصل من أصول الاستدلال على العقائد، فانحرفوا في جلّ وأكثر المسائل.

تنبيه:

من جعل الكتاب والسنّة أصله وفصله، ثمّ غفل عن هذا الأصل في بعض المسائل، فإنّه سيخطئ - بلا شكّ - في مسألة أو مسألتين، وذلك لا يخرجه من دائرة أهل السنّة، لأنّه لم يجعل مخالفة النّقول أصلا له.

ومن الأمثلة على ذلك:

- إثبات بعض المحدّثين لصفة القعود والجلوس على العرش:

واعتمدوا في ذلك على أحاديث باطلة موضوعة، منها ما رواه الطّبراني في " المعجم الكبير " (1/137/2): (( يقول الله عزّ وجلّ للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيّه لقضاء عباده: إنّي لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم، على ما كان فيكم، ولا أبالي ".

ومنها حديث (( يُجْلِسُنِي عَلَى العَرْشِ ))[1].

قال الذّهبيّ في " العلوّ ": " وإنّما هذا شيء قاله مجاهد .. غلا بعض المحدّثين فقال: لو أنّ حالفا حلف بالطّلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا صلّى الله عليه وسلّم على العرش و استفتاني، لقلت له: صدقت وبررت !

قال الذّهبي رحمه الله معلّقا:" فأبصر – حفظك الله من الهوى – كيف آل الغلوّ بهذا المحدّث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر ..".

- إثبات بعض الحنابلة لصفة الحدّ:

حتّى ألّف فيه أبو محمّد الدشتي كتابا سمّاه " إثبات الحد "، مع أنّ هذه الصّفة لم يأتِ بها كتاب ولا سنّة، ولم يتكلّم بها الصّحابة ولا من تبِعهم بإحسان، ولكنّهم أخذوها عن بعض الأئمّة، ويعزون إثبات الحدّ إلى الإمام أحمد رحمه الله، كما فعل الدّارميّ وأبو يعلى والخلاّل والهرويّ وأنّه قال:" له حدّ لا يعلمه إلاّ هو ".

وبعضهم يذكر أنّ لأحمد روايتين، ولقد بيّن شيخ الإسلام رحمه الله في " نقض التّأسيس " (1/423) أنّ القول الأسدّ أن لا يخوض المؤمن في هذه المسألة بإثباب ولا نفي، وإنّما مراد الإمام أحمد بالإثبات الردّ على الجهميّة الّذين كان قصدهم من وراء نفي الحدّ أنّه تعالى لا يُبايِن المخلوقات، ومقصوده في النّفي نفي الصّفة الّتي يعلمها الخلق.[2]

- ومثل ذلك ما ذكره أبو يعلى في " إبطال التّأويلات " من إثبات صفة الصّعود، أخذا بدليل اللّزوم من صفة النّزول !

2- الاحتجاج بالقراءة الشاذّة.

ذلك لأنّ القراءة الشاذّة من النّقول الثّابتة - كما هو مقرّر في علم الأصول-.

ومن ثمّ أثبت السّلف رحمهم الله صفة العزم لله تعالى استدلالا بقوله تعالى في قراءة: {فإذا عزمتُ فتوكّل على اللّه}- بضمّ آخر الفعل-.

وهي قراءة جابر بن زيد، وأبي نهيك، وعكرمة، وجعفر بن محمّد [انظر: " الدرّ المنثور " (2/360)، وتفسير ابن عطيّة (3/281)، و" مختصر في شواذّ القرآن " لابن خالويه (23)، و" البحر المحيط " لأبي حيّان، و" إعراب القرآن " للنحّاس (1/416) وغيرها].

ويؤيّد ذلك ما رواه مسلم عن أمّ سلمة قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ:

(( مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا )). قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ؟ ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا، قَالَتْ: فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم.

وقد استعملها الإمام مسلم في خطبة كتابه (1/4) واستدلّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (16/304) بالآية وبحديث أمّ سلمة وبفعل الإمام مسلم ليشير أنّ السّلف فعلوا ذلك.

وفي المقابل نفى هذه الصّفة الباقلاّنيّ وأبو يعلى، والنّوويّ في " شرح صحيح مسلم "(1/46)، و(6/221) وذكر أقوالا في تأويلها.

3- الاحتجاج بأحاديث الآحاد.

الأخبار من حيث وصولها إلينا لها طريقان: إمّا أن تكون أخبارا متواترةً، وإما أن تكون أخبار آحاد:

- فالأخبار المتواترة هي: الّتي رواها جمع عن جمعٍ، من مبدأ السّند إلى منتهاه، حيث يحيل العقلُ تواطأَهم على الكذب، وهذه تفيد العلم الضّروري، وهي القرآن الكريم ومتواتر السنّة.

- وأمّا أخبار الآحاد فهو ما فَقَد شرطَ التّواتر.

فأهل السنّة والجماعة - كما ذكرنا - يعتمدون في إثبات عقيدتهم على الكتاب والسنّة:

أمّا الكتاب فهو كلّه متواتر، والسنّة لا يشترطون فيها إلاّ صحّتها فحسب، فإذا صحّت فلا يسألون: هل هو خبر آحاد أو متواتر ؟

أمّا علماء الكلام فقد أشاعو أنّ حديث الآحاد يفيد العمل لا العلم، بمعنى أنّه يؤخذ به في الأحكام العمليّة، لا في الأحكام العقديّة، وقالوا: إنّ خبر الواحد يفيد الظنّ، والظنّ لا تُبنَى عليه عقيدة !

وهذا مردود من وجوه:

1- أنّه لا دليل على التّفريق بين الأحكام والعقائد، قال العلاّمة ابن القيم في " الصّواعق المرسلة " (3/412):

" وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات ( يعني العقيدة ) كما تحتج بها في الطلبيات العمليات، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه دينا فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته.

ولم تزل الصّحابة والتّابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصّفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم ألبتّة أنّه جوّز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته فأين سلف المفرِّقين بين البابين ؟

نعم، سلفهم بعض متأخّري المتكلّمين الّذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم، بل يصدّون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنّة وأقوال الصّحابة، ويُحِيلون على آراء المتكلّمين وقواعدِ المتكلِّفين، فهم الّذين يُعرف عنهم التّفريق بين الأمرين .."اهـ.

2- الدّليل قام على اعتبار حديث الثّقة حجّة، فقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُرسِل أصحابه مثنى وفرادى إلى المدن والقرى يعلّمون النّاس التّوحيد والأحكام.

قال الشّافعي رحمه الله تعالى في " الرّسالة " (ص 412): " وهو صلّى الله عليه وسلّم لا يبعث بأمره إلاّ والحجّة للمبعوث إليهم عليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد كان قادرا على أن يبعث إليهم فيشافههم أو يبعث إليهم عددا، فبعث واحدا يعرفونه بالصّدق ".

ومقتضى كلامهم أنّه كان لا بدّ من أن يرسل عددا يبلغ حدّ التّواتر، بل مقتضى كلامهم أنّ إرسال الله للرّسول الواحد لا يفيد العلم.

3- أنّهم ما يلجأون إلى هذا التّفريق إلاّ عندما تورَد عليهم أحاديث الصّفات، بدليل تناقضهم من جهتين:

أ)  أنّهم يحتجّون بأخبار الآحاد في كثير من مسائل الاعتقاد مثل معجزات المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، والرّؤية، وعذاب القبر، والحساب، والميزان، والصّراط، والإمامة وغيرها.

ب) وأنّهم لم يأخذوا بنصوص القرآن - وهو متواتر - في مسائل الصّفات الّتي لا تتماشى مع أصولهم.

4-      أنّ مذهب الجمهور: الاحتجاج بخبر الواحد إذا تلقّته الأمّة بالقبول: أي: صحّحه العلماء، أو كان في الصّحيحين مطلقا.

[انظر: " مجموع الفتاوى " (18-40)، و" الباعث الحثيث " (ص 33)، والبلقيني في " محاسن الاصطلاح " (101)، و" النّكت " لابن حجر (1/374)].

5-      أنّ إجماع أهل الحديث على حجّيته في العقائد، والعبرة في الإجماع هو قول أهل الفنّ كما حقّقه ابن القيّم رحمه الله في "مختصر الصّواعق المرسلة"(2/375).

6-               أمور أربعة إذا اجتمعت تجعل الخبر مفيدا اليقين:

- أمر يرجع إلى المخبِر، وهم ( أئمّة السّلف ).

- أمر يرجع إلى المخبر عنه ( النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّادق المصدوق ).

- أمر يرجع إلى المخبر به ( فإنّ الحقّ عليه نور تدرك صحّته ).

- أمر يرجع إلى المخبَر ( وهو السّامع إذا كان سليم الفطرة، منقادا إلى الشِّرعة ).

فمتى اجتمعت هذه الأمور كان الخبر مفيدا لليقين، ومتى انعدمت فإنّها لا تفيده، وينقص من اليقين بمقدار ما يضعف منها.

  • 4- التوقّف في الألفاظ المجملة التي لم يرد إثباتها ولا نفيها

أي: ما لم يرد فيه دليل بعينه كالألفاظ والصّفات الّتي يتكلّم بها أهل التّعطيل فلأهل السنّة فيه نظرتان: نظرة من حيث لفظه، ونظرة من حيث معناه.

* فمن حيث لفظه: لا يثبتونه لعدم ورود الدّليل الخاص به ولم يتكلم به السّلف.

* وأمّا من ناحية معناه: فالواجب هو التوقف فيه والاستفصال عنه؛ لأنّ هذه الألفاظ فيها حقّ وفيها باطل فهي ألفـاظ مجملة، واللّفظ المجمـل يحتـاج إلى بيـان فيستفصل عنه، فإن أُريد به حقٌ قبلناه، وإن أُريد بـه باطلٌ رددنـاه. وحتّى تتّضح هـذه القاعدة نذكر بعض الأمثلة عليها:

- منها : لفظ( الجهة ) فإذا قيل: هل الله تعالى في جهة ؟ فيقال له: إنّ لفظ الجهة لا نثبته لعدم وروده في القرآن الكريم ولا السنّة ولا في كلام السّلف.

أمّا معناه فنتوقف فيه؛ لأنّ لفظ الجهة فيه حقّ وفيه باطل. فلا بدّ من معرفة: ما يريد بلفظ الجهة ؟ هل يريد به جهة سفلٍ ؟ أم جهة علو محيطة بالله تعالى ؟ أم جهة علو غير محيطةٍ بالله تعالى ؟

فإن أراد الأوّل فهو باطل؛ لأن جهة السفل نقص والله تعالى منزّه عن النّقص. وإن أراد الثاني فهو باطل أيضًا ؛ لأن الله تعالى لا يحيط به شيءٌ من مخلوقاته. وإن أراد الثالث فهو حق يجوز على الله تعالى، لكن لا نسميه بالجهة وإنّما نسميه بالعلـوّ.

فصار إذًا لفظ الجهة يحتمل الحق ويحتمل الباطل، فلو رددناه مطلقًا لأدّى ذلك إلى ردّ ما فيه من الحقّ، ولو قبلـناه مطلقًا لأدّى ذلك إلى قبـول ما فـيه من الباطل، لكن لما استفصلنا تميّز الحقّ من الباطل فقبلنا الحقّ؛ لأن الحق يجب قبوله، ورددنا الباطل؛ لأنّ الباطل يجب ردّه.

وبمثل ذلك يقال في المكان والحيّز، والجسم، وغير ذلك ممّا يرد على لسان المتكلّمين.

والله تعالى أعلى وأعلم.


[1]/ قال الشّيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " (2/255): "باطل، ذكره الذّهبي في " العلوّ " وقال: " هذا حديث منكر لا يفرح به ..".

[2]/ ومن عجيب ما حدث قديما ما حكاه الذّهبي في " السّير "(16/97) قال: " وقال أبو إسماعيل الأنصاريّ: سمعت يحيى بن عمّار الواعظ وقد سألته عن ابن حبّان فقال: نحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر الحدّ لله، فأخرجناه.

قلت (أي: الذّهبيّ رحمه الله): إنكاركم عليه بدعة أيضا، والخوض في ذلك ممّا لم يأذن به الله، ولا أتى نصّ بإثبات ذلك ولا بنفيه، و(( مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ ))، وتعالى الله أن يُحدَّ أو يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، أو علمه رسلُه بالمعنى الّذي أراد بلا مثل ولا كيف{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشّورى:11].

أخر تعديل في السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 14:02

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.