أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الجمعة 07 ذو القعدة 1431 هـ الموافق لـ: 15 أكتوبر 2010 13:00

- تفسير سورة الفاتحة (6) {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

قال الله تعالى:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

- أمّا ( الحمد ): فالكلام عنه يكون في نقاط أربع إن شاء الله:

أوّلا: بيان معناه: الحمد: هو وصف الممدوح بالكمال، إمّا لصفاته الذّاتية، أو لإحسان وإنعام.

فتقول:" حمِدت لفلان شجاعته وكرمه "، و" حمدته لعطائه"، فهو ضدّ الذمّ كما في " لسان العرب"، وقد عرّفه بعضُهم بتعريفين من المستحسن أن نقف معهما.

التّعريف الأوّل: أنّه بمعنى الشّكر لا فرق بينهما، وهو قول الإمام الطّبري والمبرّد.

قال القرطبيّ رحمه الله في " الكتاب الأسنى ": " وهذا غير مرضيّ ".

ووجه قول القرطبيّ أنّ التّرادف من جميع الوجوه لا وجود له في اللّغة العربيّة، فلا بدّ أن يكون هناك فرق ولو دقيقا. ورجّح جمهور المفسّرين واللّغويّين أنّ ثمّة فرقا بينهما من وجهين اثنين:

الأوّل: أنّ الشّكر لا يكون إلاّ عن إحسان وإنعام، والحمد يكون مقابل إحسان وغير مقابل لإحسان، قال الإمام ثعلب كما في " لسان العرب ":

" الشّكر لا يكون إلاّ عن يد، والحمد يكون عن يدٍ وعن غير يدٍ ".

وقال القرطبيّ:" والصّواب أنّ الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان، والشّكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان، وهذا قول علماء اللّغة، الزجّاج والقتبيّ[1] وغيرهما " اهـ.

الثّاني: أنّ الحمد لا يكون إلاّ باللّسان والقلب، والشّكر يكون بالقلب وباللّسان وبالجوارح.

ذكر ذلك ابن القيّم رحمه الله في " مدارج السّالكين " حيث قال:" إنّ الشّكر يكون بالقلب خضوعا واستكانة، وباللّسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا.. والحمد يقع بالقلب واللّسان " اهـ.

لذلك يقول العلماء: إنّ الحمد أعمّ متعلّقا، وأخصّ آلة من الشّكر.

التّعريف الثّاني: ومنهم من يعرّف الحمد بقوله: " الحمد هو الثّناء الجميل ".

ولا شكّ أنّ هذا صحيح على سبيل التجوّز والتّوسّع، وإلاّ فإنّ الحمدَ - كما سبق بيانه -هو ( وصف المحمود بالكمال )، فإذا تكرّر كان ثناءً، وليس مجرّد المدح هو الثّناء كما هو شائع، ويدلّ على ذلك أمران:

1- دليل من اللّغة، وذلك لأنّ الثّناء هو التّكرار، من:ثنى الشّيء ثنيا إذا ردّ بعضه على بعض، ومنه التثنية، أي: جعل الشّيء اثنين، ومنه تسمية الفاتحة " السّبع المثاني " لأنّها تكرّر في كلّ ركعة من ركعات الصّلاة.

2- دليل من الحديث، فقد سبق أن رأينا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (( قَالَ اللهُ تَعَالَى: " قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ العَبْدُ:{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} قَالَ اللهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ العَبْدُ:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي )).. رواه مسلم.

فلم يذكر الثّناء إلاّ بعد المدح.

ثمّ إنّ هناك عدّة روايات عن الصّحابة تؤيّد ذلك، إذ يعطفون الثّناء على الحمد، فيقولون:" فحمد الله وأثنى عليه ".

ممّا يدلّ على أنّ الثّناء زيادة في المدح.

النّقطة الثّانية: بيان معنى ( ال ).

( ال ) في الحمد تدلّ على الشّمول والاستغراق والكمال، كما تقول:" زيد هو الرّجل " أي الكامل في الرّجولة.

فكلّ الحمد والحمد الكامل لله تبارك وتعالى، لأنّه المنعم الحقيقيّ بكلّ النّعم دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، ولو عاش العبد عمر نوح عليه السّلام يحمد الله تعالى على نعمة واحدة من نعمها الدّينيّة أو الدّنيويّة لا يكون قد وفّى حقّها؛ لأنّه تعالى هو الّذي وفّق العبد إلى حمده.

قال داود عليه السّلام: ربّ إنّي عجزت عن حمدك، فإن وُفِّقت إليه فأنت الموفّق وتلك نعمة لا بدّ من حمدها ؟ فقال الله تعالى: الآن قد حمدت.

فالاعتراف بالتّقصير والإدراك إدراك.

النّقطة الثّالثة: لماذا حمد الله نفسه ؟

قال ابن كثير رحمه الله:

" افتتح كتابه بالحمد، فقال: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}، وافتتح خلقه بالحمد فقال تعالى:{الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}، واختتم خلقه بالحمد فقال بعد ذكر مآل أهل الجنّة وأهل النّار:{وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزّمر:75]..ولهذا قال تعالى:{وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:70] "..[بتصرّف].

فلماذا قال تعالى:{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} وحمِد نفسَه ؟

ذكر العلماء قولين اثنين في ذلك:

- الأوّل: أنّه أمر في صورة الخبر.

وهذا الأسلوب أوقع في النّفوس من الأمر أو النّهي الظّاهر، كقوله تعالى:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:17] أي: سبّحوا، وقوله تعالى:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّين} [البقرة: من الآية256] أي: لا تكرِهوا، قالوا: فكأنّه قال تعالى: احمدوا الله.

- الثّاني: وهو أوجه، أنّ الله حمد نفسه لعلمه أنّ العباد عاجزون عن حمده.

من أجل ذلك اعترف سيدّ الخلق، وأعلم الخلق بالخالق بأنّه عاجز عن حمد الله، فكان يقول في دعائه: (( لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ )). [رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها].

وكان صلّى الله عليه وسلّم يستحبّ كلّ صيغ الحمد الجامعة للثّناء على الله، فكان يقول إذا رفع رأسه من الرّكوع: (( اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ )) [رواه مسلم عن ابن عبّاس رضي الله عنه].

ومرّة كان صلّى الله عليه وسلّم يصلّي بأصحابه - والحديث في صحيح البخاري - فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ: (( سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ )) قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: (( مَنْ الْمُتَكَلِّمُ ؟)) قَالَ: أَنَا. قَالَ: (( رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ )).

وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )).

كلّ ذلك ليعلم المرء قدر هذه الكلمة، فليحرص على حمده سبحانه دبر الصّلوات كما هو ثابت، وليحرص على حمده عند كلّ نعمة، فقد روى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا )).

وكيف لا، وهو ممّا يُسأل عنه العبد يوم القيامة ؟

ففي سنن التّرمذي بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيكَ الماَءَ البَارِدَ ؟ )).

ولا غرابة في أدب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم  فمن أسمائه أحمد.

النّقطة الرّابعة: اسم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

عُرِف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم باسمين مشتقّين من الحمد، وهما أحمد ومحمّد.

أمّا ( أحمد ) فهو المشهور به في كتب الأوّلين، ومعناه أنّه أحمد النّاس لله، أي: أكثرهم حمدا لله، وهذا واضح من سيرته عليه الصّلاة والسّلام، قال أحدهم:

وشقّ له من اسمه ليُجِلّه     فذو العرش محمود وهذا أحمد

أمّا ( محمّد ) فالمحمّد كما في " الصّحاح " للجوهري و" لسان العرب " لابن منظور: هو الّذي كثرت خصاله المحمودة. وما أحسن قول من قال:

كشف الدّجى بكماله      بلغ العلـى بجمـاله

كملت جميع خصـالـه      صلّـوا عـليــه وآلــــه

-( ربّ ): كلمة تطلق في اللّغة على معان ثلاثة كلّها ثابتة لله تبارك وتعالى، وقد ذكرها العلماء متفرّقة، وجمعها الإمام الطّبريّ في " تفسيره "، وابن الأنباريّ رحمه الله كما في " لسان العرب ":

1- المالك للشّيء: فربّ الدّار هو مالكها.

ومنه حديث اللّقطة في الصّحيحين: (( اعْرِفْ وِكَاءَهَا - هو الخيط الّذي تربط به - وَعِفَاصَهَا -أي: وعاءها -، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ )).

قال الزّجّاجي رحمه الله في " اشتقاق أسماء الله " (ص32): " وكلّ من ملك شيئا فهو ربّه، يقال: هذا ربّ الدّار، وربّ الضّيعة، ولا يقال: الربّ معرّفا بالألف واللاّم مطلقا إلاّ لله U، لأنّه مالك كلّ شيء ".

إذن فهو لا يستعمل في حقّ غير الله تعالى إلاّ مضافا. ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم كابن الأثير، وابن كثير، والبغويّ والبيهقيّ والشّوكاني وغيرهم.

2- السيّد المطاع، ومنه قوله تعالى:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} (يوسف: من الآية41]، ومنه قولهم: ربَّ فلانٌ القومَ، أي: سادهم وساسهم، ومنه قول صفوان بن أميّة: لأن يربّني رجل من قريش أحبّ إليّ من أن يرُبَّني رجل من هوازن.

3- المصلح للشّيء، لأنّ الربّ كلمة مشتقّة من التّربية.

قال الرّاغب الأصفهانيّ في " المفردات " (ص184):" الربّ في الأصل التّربية، وهي إنشاء الشّيء حالا فحالا إلى حدّ التّمام ".

ومنه اشتُقّ لفظ الرّبيبة، لأنّ من تكون في حجره يصلحها ويدبّر أمرها إلى أن تصل حدّ التّمام.

ومنه سمّي العالم الّذي يعلّم النّاس ما يصلحهم في الدّارين شيئا فشيئا ( الربّانيّ )، قال البخاري في: " باب العلم قبل القول والعمل ": ويقال: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ.

الحاصل: قال الطّبريّ رحمه الله: " فربّنا عزّ وجلّ: السيّد الّذي لا شبه له ولا مثل في سؤدده، والمصلح في أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الّذي له الخلق والأمر".

والتّربية بمعنى التّنشئة نوعان:

1- تربية عامّة، يشترك فيها المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر، والإنسان والحيوان والجماد وغير ذلك.

2- تربية خاصّة، قال السّعدي رحمه الله في " تفسيره ":

" ( الربّ ) هو المربّي جميع عباده بالتّدبير وأصناف النّعم، وأخصّ من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم، ولهذا كثُر دعاؤهم بهذا الاسم الجليل، لأنّهم يطلبون منه هذه التّربية الخاصّة "اهـ.

ومن تأمّل أدعية الرّسل عليهم السلام أدرك صحّة هذا القول.

ولقد عدّه جمهور العلماء من أسماء الله الحُسنى ؟

فأثبته الخطّابي، وابن منده، والحليميّ، والبيهقيّ، وابن حزم، وابن العربيّ، والقرطبيّ، وابن القيّم، وابن الوزير، وابن حجر، والسّعدي، وابن عثيمين، وغيرهم.

والدّليل على ذلك ما رواه مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ )).

وما رواه التّرمذي بسند صحيح عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ )).

-( العالمين ): جمع عالَم، والتّعريف الصّحيح له أنّه كلّ موجود سوى الله تعالى، فيشمل جميع العالمين، عالم الإنس، وعالم الجنّ، وعالم الملائكة، وعالم البهائم، وعالم الجماد، وعالم النّبات.

قال ابن عبّاس رضي الله عنهما:" ربّ الجنّ والإنس "، وقال قتادة: " ربّ الخلق كلّهم ". لذلك قال في " اللّسان ": " والعالمون: أصناف الخلق، والعالم الخلق كلّه".

ويصدق على العاقل وغيره، بدليل قول الله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)} [الشّعراء].

والعالم مشتقّ من العلامة، لأنّه يدلّ على وحدانيّة خالقه ومنشئه ومدبّره، كما قال ابن المعتزّ:

فيا عجبا كيف يُعصى الإله     أم كيف يجحده الجـاحد

وفي كـلّ شـيء لــه  آيـــة    تدلّ عـلى أنّــــه واحـــــد


[1] القتبيّ هو أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، وقد ذكر الفرق بينهما في " أدب الكاتب " (ص37) ط ليدن.

أخر تعديل في السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 10:40

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.