أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الأربعاء 01 رجب 1435 هـ الموافق لـ: 30 أفريل 2014 08:46

- الرّقـيـة من الوَهْــن

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فكم من حال عصيب مرّ ولا يزال يمرّ بهذه الأمّة ! وما أشدّ ما تراه من ألوان الكربة والغُمّة !

وأنظار أكثر النّاس اليوم متوجّهة إلى أوهام، يظنّونها أسبابا، وقلوبهم متعلّقة بأحلام، ظنّوها للنّصر أبوابا.

لذا، رأيت أن ننتقل سويّا، ونلبث مليّا، في عالم الحقائق .. عالم حالَ بيننا وبينه أعظم عائق ..

فقد سئمنا من الشّعارات الخفّاقة، والهتافات البرّاقة: أصحاب القرار تحت رحمة الأعداء، ومن دونهم يتخبّط خبطَ عشواء ..

نُعلّق العار بغيرنا، وما العيب إلاّ في أنفسنا:

ومن العجائب - والعجائب جمّة -   ***   قرب الدّواء وما إليه وصـول 

كالعيس في البيداء يُهلكها الظّمـا   ***   والماء فـوق ظهـورها محمول 

وسنّة الله تعالى أنّ الذلّ والصّغار على من خالف أمره، وأوغر بالتكبّر صدره، والقرآن يصدع بذلك، لا يزيغ عنه إلاّ هالك:{إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرّعد من:11].

وكم غيّرت الأمّة وبدّلت !

والعجيب: أنّهم بعد كلّ ما أراهم الله من صدق أخباره، وعدل أحكامه، تجد الأمّة لا تعود إلى كتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم !

فنتساءل: أهذه الأمّة مسحورة حتّى كبّلت أيديها ؟!

أهي بحاجة إلى راقٍ ليرقيها ؟!

والجواب: نعم، إنّه السّحر .. وأيّ سحر ؟ إنّه عشق وحبّ الدّنيا !

روى الإمام أحمد، وأبو داود عنْ ثوْبانَ مولى رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم قال:

(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا )).

فقال قائلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟! قالَ:

(( بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ )).

فقالَ قائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قالَ:

(( حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ )).

وصدق صلّى الله عليه وسلّم، فما من بليّة ولا رزيّة إلاّ وسببها حبّ الدّنيا الدنيّة.

فاسألوا تارك الصّلاة لم تركها ؟ واسألوا مانع الزّكاة لم منعها ؟ واسألوا السّارق لم سرق ؟ والزّاني لم زنى ؟ والمغتصب لم اغتصب ؟ والرّاشي لم رشى ؟ وآكل الرّبا لم أكل ؟ والجهاد لم عطل ؟

إنّه حبّ الدّنيا وكراهية الموت .. واستوينا مع بني إسرائيل في كلّ قديم وجديد، فحقّ علينا كلّ عقاب ووعيد، لأنّ من أبرز صفات اليهود والنّصارى البغاة:{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}.

وإنّ عمّالكم أعمالكم، وكما تكونوا يولّ عليكم.

فتعالَوا نرْقِي أنفسَنا من سحر الدّنيا الّتي أسرتنا، وبحبّها قد أذلّتنا، لعلّ الله ينزل علينا سكينة من عنده، ويهدينا جميعاً إلى رُشده.

هذا هو العالم الّذي ينبغي أن نعيشه هذه الأيّام .. عالم ينظر إلى الدّنيا على أنّها بحقّ طيف زائل، ونعيم حائل.

تأمّلوا أمثال الدّنيا:{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

المثل الأوّل: قال تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآب} [آل عمران: 14].

فأخبر سبحانه أن هذا الّذى تراه عيناك من الزّينة الّتي أخذت بألباب العباد، إنّما هو تزيين لا حقيقة له، كالمرأة التي تضع المساحيق على وجهها فيأخذ بلبّك، وفي الحقيقة إنّما هو غطاء ساتر.

ثمّ أخبر سبحانه أنّ ذلك كلّه متاع الحياة الدّنيا، ومتاع الدّنيا مهما غلا فهو رخيص، ومهما شرف فهو خسيس.

ثمّ شوّق تعالى عباده إلى المتاع الدّائم الّذي لا يبيد، فقال:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:15].

إذن .. فما سرّ هذه المتعة الّتي نجدها في متاعها ؟ وما هذه الفرحة التي تحويها مع أقراحها ؟

قال تعالى:{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 32].

لعبٌ تتمتّع به الأبدان، ولهو تلهو به النّفوس .. مجرّد نزوة عابرة، وصفقة خاسرة.

المثل الثّاني: روى مسلم عن جابِرٍ رضي الله عنهما أنّ رسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مَرَّ بِالسُّوقِ ... فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ، فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ:

(( أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ ؟)).

فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ قالَ:

(( أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ؟)).

قالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ ؟! فقالَ صلّى الله عليه وسلّم:

(( فَوَاللهِ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ )) [الأسكّ: الصّغير أو مقطوع الأذنين].

فلم يقتصر على تمثيلها بالسّخلة الميتة، بل جعلها أهون على الله منها !

فإذا كان مثلُها عند الله أهونَ وأحقرَ من سخلةٍ ميتةٍ على أهلها، فمُحِبُّها وعاشقُها أهون على الله من تلك السّخلة !

وفى كتاب الزّهد للإمام أحمد أنّ عيسى عليه السّلام كان يقول:"  بحقٍّ أقول لكم، إنّ أكلَ الخبز، وشُربَ الماء العذب، ونوماً على المزابل مع الكلاب، كثيرٌ لمن يريد أن يرثَ الفردوس ".

المثل الثّالث: ( الدّنيا قنطرة، فاعبروها ولا تعمروها ).

وهذا مثل صحيح غاية في الصحّة؛ فإنّ الحياة معبرٌ إلى الآخرة، والمهد هو أوّل القنطرة، واللّحد آخرها.

ولا بدّ من العبور .. فمن وقف يبني على القنطرة، ويزيّنها بأصناف الزّينة، فهو فى غاية الجهل والحمق !

روى أحمد عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنّ رسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ رضي الله عنه وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فقالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا ؟ فقَالَ:

(( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ؟! مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا )).

فتأمّل حسن هذا المثل، ومطابقته للواقع: فإنّها فى خضرتها كشجرة، وفى سرعة انقضائها وقبضها شيئا فشيئا كالظلّ، والعبد مسافر إلى ربّه، والمسافر إذا رأى شجرة فى يوم صائف لا يحسن به أن يبنِيَ تحتها دارا، ولا يتّخذها قرارا، بل يستظلّ بها بقدر الحاجة، ومتى زاد على ذلك انقطع عن الرّفاق.

وعن مكحول قال: قال عيسى بن مريم عليه السّلام: يا معشر الحواريّين، أيّكم يستطيع أن يبني على موج البحر دارا ؟. قالوا: يا روح الله، ومن يقدر على ذلك ؟! فقال: إيّاكم والدّنيا، فلا تتّخذوها قرارا.

المثل الرّابع: شهوات الدنيا فى القلب كشهوات الأطعمة فى المعدة.

روى أحمد عن أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رضي الله عنه عن رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ مَطْعَمَ ابْنِ آدَمَ جُعِلَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا، وَإِنْ قَزَّحَهُ وَمَلَّحَهُ فَانْظُرُوا إِلَى مَا يَصِيرُ )).

وسوف يجد العبد عند الموت لشهوات الدّنيا في قلبه من الكراهة والنّتن والقبح، ما يجده للأطعمة اللّذيذة إذا أخرجها من بطنه !

وكما أنّ الأطعمة كلّما كانت ألذّ طعماً، وأكثر دسماً، وأكثر حلاوةً، كان رجيعُها أقذر.

فكذلك كلّ شهوة كانت في النّفس ألذّ وأقوى، فالتّأذّي بها عند الموت أشدّ، كما أن تفجع الإنسان بمحبوبه إذا فقده يقوى بقدر محبة المحبوب.

المثل الخامس: حسرات الاشتغال بنعيم الدّنيا عن الآخرة.

فمثل أهلها في غفلتهم مثل قوم ركبوا سفينة، فانتهت بهم إلى جزيرة، فأمرهم الملاّح بالخروج لقضاء الحاجة، وحذّرهم الإبطاء، وخوّفهم مرور السّفينة، فتفرّقوا في نواحي الجزيرة:

·        فقضى بعضهم حاجته، وبادر إلى السّفينة، فصادف المكان خاليا، فأخذ أوسع الأماكن وألينَها.

·        ووقف بعضهم فى الجزيرة ينظر إلى أزهارها وأنوارها العجيبة ويسمع نغمات طيورها، ويعجبه حسن أحجارها، ثّم حدّثته نفسه بفوت السّفينة وسرعة مرورها، وخطر ذهابها، فلم يصادف إلا مكانا ضيّقا، فجلس فيه.

·        وأكبّ بعضهم على تلك الحجارة المستحسنة، والأزهار الفائقة، فحمل منها، فلمّا جاء لم يجد في السّفينة إلاّ مكانا ضعيفا، وزاده حمله ضيقا ! فصار محموله ثقلا عليه ووبالا، ثم ذبلت الأزهار وتغيّرت، وآذاه نتنها، وندم، فلم تنفعه النّدامة.

·        وتولّج بعضهم فى تلك الرّياض، ونسي السّفينة، وأبعد في نزهته، فهو تارة يتناول من الثّمر، وتارة يشمّ تلك الأنوار، وتارة يعجب من حسن الأشجار، وهو على ذلك خائف من سبع يخرج عليه، غير منفكّ من شوك يتشبّث في ثيابه، ويدخل فى قدميه، أو غصن يجرح بدنه. 

حتّى إنّ الملاّح نادى بالنّاس عند دفع السّفينة، فلم يبلغه صوته لاشتغاله بملاهيه !

فهذا مثل أهل الدّنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة، ونسيانهم موردهم وعاقبة أمرهم، وما أقبح بالعاقل أن تغرّه أحجار ونبات يصير هشيما !

المثل السّادس: اغترار النّاس بالدّنيا وضعف يقينهم في الآخرة.

مثلهم كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء، فنفِد زادهم، فلم يقدروا على المسير، وبقوا بالمفازة لا زاد ولا حمولة ! فأيقنوا بالهلكة.

 فبينما هم كذلك، إذ خرج عليهم رجل فى حلّة يقطر رأسه، فقالوا: إنّ هذا قريب عهد بريف، وما جاءكم هذا إلاّ من قريب.

فقال: يا هؤلاء، أرأيتم إن هديتكم على ماء روّاه، ورياض خضرة، ما تجعلون لي ؟

قالوا: لا نعصيك شيئا.

فأوردهم ماء ورياضا خضراء، فمكث فيهم ما شاء الله، ثمّ قال: يا هؤلاء، الرّحيل الرّحيل.

قالوا: إلى أين ؟

قال: إلى ماء ليس كمائكم، ورياض ليست كرياضكم.

فقال جلّ القوم: والله ما وجدنا هذا حتى ظننّا أن لن نجده، وما نصنع بعيش هو خير من هذا ؟!

وقالت طائفة - وهم أقلّهم -: ألم تُعْطُوا هذا الرّجل عهودَكم ومواثيقَكم بالله لا تعصونه شيئا ؟ وقد صدقكم في أوّل حديثه، فو الله ليصدقنّكم فى آخره.

فراح بمن اتّبعه، وتخلّف بقيّتهم، فبادرهم عدوّهم، فأصبحوا بين أسير وقتيل.

فليتأمّل اللّبيب هذه الأمثال حقّ التأمّل .. فإنّ التعلّق بالدّنيا هو السّحر بعينه .. وما هذه الكلمات والأمثال إلاّ رقـيـة، فليجعلها المحسن وقايةً له، وليجعلها الغَرِق في أوحال الدّنيا أوّل جرعة لدواء يقضي على هذا السّحر الأخّاذ.

والله تعالى المستعان، وعليه التُّكلان

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فكم من حال عصيب مرّ ولا يزال يمرّ بهذه الأمّة ! وما أشدّ ما تراه من ألوان الكربة والغُمّة !

وأنظار أكثر النّاس اليوم متوجّهة إلى أوهام، يظنّونها أسبابا، وقلوبهم متعلّقة بأحلام، ظنّوها للنّصر أبوابا.

لذا، رأيت أن ننتقل سويّا، ونلبث مليّا، في عالم الحقائق .. عالم حالَ بيننا وبينه أعظم عائق ..

فقد سئمنا من الشّعارات الخفّاقة، والهتافات البرّاقة: أصحاب القرار تحت رحمة الأعداء، ومن دونهم يتخبّط خبطَ عشواء ..

نُعلّق العار بغيرنا، وما العيب إلاّ في أنفسنا:

ومن العجائب - والعجائب جمّة -   ***   قرب الدّواء وما إليه وصـول

كالعيس في البيداء يُهلكها الظّمـا   ***   والماء فـوق ظهـورها محمول

وسنّة الله تعالى أنّ الذلّ والصّغار على من خالف أمره، وأوغر بالتكبّر صدره، والقرآن يصدع بذلك، لا يزيغ عنه إلاّ هالك:{إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرّعد من:11].

وكم غيّرت الأمّة وبدّلت !

والعجيب: أنّهم بعد كلّ ما أراهم الله من صدق أخباره، وعدل أحكامه، تجد الأمّة لا تعود إلى كتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم !

فنتساءل: أهذه الأمّة مسحورة حتّى كبّلت أيديها ؟!

أهي بحاجة إلى راقٍ ليرقيها ؟!

والجواب: نعم، إنّه السّحر .. وأيّ سحر ؟ إنّه عشق وحبّ الدّنيا !

روى الإمام أحمد، وأبو داود عنْ ثوْبانَ مولى رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم قال:

(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا )).

فقال قائلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟! قالَ:

(( بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ )).

فقالَ قائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قالَ:

(( حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ )).

وصدق صلّى الله عليه وسلّم، فما من بليّة ولا رزيّة إلاّ وسببها حبّ الدّنيا الدنيّة.

فاسألوا تارك الصّلاة لم تركها ؟ واسألوا مانع الزّكاة لم منعها ؟ واسألوا السّارق لم سرق ؟ والزّاني لم زنى ؟ والمغتصب لم اغتصب ؟ والرّاشي لم رشى ؟ وآكل الرّبا لم أكل ؟ والجهاد لم عطل ؟

إنّه حبّ الدّنيا وكراهية الموت .. واستوينا مع بني إسرائيل في كلّ قديم وجديد، فحقّ علينا كلّ عقاب ووعيد، لأنّ من أبرز صفات اليهود والنّصارى البغاة:{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}.

وإنّ عمّالكم أعمالكم، وكما تكونوا يولّ عليكم.

فتعالَوا نرْقِي أنفسَنا من سحر الدّنيا الّتي أسرتنا، وبحبّها قد أذلّتنا، لعلّ الله ينزل علينا سكينة من عنده، ويهدينا جميعاً إلى رُشده.

هذا هو العالم الّذي ينبغي أن نعيشه هذه الأيّام .. عالم ينظر إلى الدّنيا على أنّها بحقّ طيف زائل، ونعيم حائل.

تأمّلوا أمثال الدّنيا:{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

المثل الأوّل: قال تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآب} [آل عمران: 14].

فأخبر سبحانه أن هذا الّذى تراه عيناك من الزّينة الّتي أخذت بألباب العباد، إنّما هو تزيين لا حقيقة له، كالمرأة التي تضع المساحيق على وجهها فيأخذ بلبّك، وفي الحقيقة إنّما هو غطاء ساتر.

ثمّ أخبر سبحانه أنّ ذلك كلّه متاع الحياة الدّنيا، ومتاع الدّنيا مهما غلا فهو رخيص، ومهما شرف فهو خسيس.

ثمّ شوّق تعالى عباده إلى المتاع الدّائم الّذي لا يبيد، فقال:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:15].

إذن .. فما سرّ هذه المتعة الّتي نجدها في متاعها ؟ وما هذه الفرحة التي تحويها مع أقراحها ؟

قال تعالى:{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 32].

لعبٌ تتمتّع به الأبدان، ولهو تلهو به النّفوس .. مجرّد نزوة عابرة، وصفقة خاسرة.

المثل الثّاني: روى مسلم عن جابِرٍ رضي الله عنهما أنّ رسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مَرَّ بِالسُّوقِ ... فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ، فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ:

(( أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ ؟)).

فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ قالَ:

(( أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ؟)).

قالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ ؟! فقالَ صلّى الله عليه وسلّم:

(( فَوَاللهِ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ )) [الأسكّ: الصّغير أو مقطوع الأذنين].

فلم يقتصر على تمثيلها بالسّخلة الميتة، بل جعلها أهون على الله منها !

فإذا كان مثلُها عند الله أهونَ وأحقرَ من سخلةٍ ميتةٍ على أهلها، فمُحِبُّها وعاشقُها أهون على الله من تلك السّخلة !

وفى كتاب الزّهد للإمام أحمد أنّ عيسى عليه السّلام كان يقول:"  بحقٍّ أقول لكم، إنّ أكلَ الخبز، وشُربَ الماء العذب، ونوماً على المزابل مع الكلاب، كثيرٌ لمن يريد أن يرثَ الفردوس ".

المثل الثّالث: ( الدّنيا قنطرة، فاعبروها ولا تعمروها ).

وهذا مثل صحيح غاية في الصحّة؛ فإنّ الحياة معبرٌ إلى الآخرة، والمهد هو أوّل القنطرة، واللّحد آخرها.

ولا بدّ من العبور .. فمن وقف يبني على القنطرة، ويزيّنها بأصناف الزّينة، فهو فى غاية الجهل والحمق !

روى أحمد عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنّ رسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ رضي الله عنه وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فقالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا ؟ فقَالَ:

(( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ؟! مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا )).

فتأمّل حسن هذا المثل، ومطابقته للواقع: فإنّها فى خضرتها كشجرة، وفى سرعة انقضائها وقبضها شيئا فشيئا كالظلّ، والعبد مسافر إلى ربّه، والمسافر إذا رأى شجرة فى يوم صائف لا يحسن به أن يبنِيَ تحتها دارا، ولا يتّخذها قرارا، بل يستظلّ بها بقدر الحاجة، ومتى زاد على ذلك انقطع عن الرّفاق.

وعن مكحول قال: قال عيسى بن مريم عليه السّلام: يا معشر الحواريّين، أيّكم يستطيع أن يبني على موج البحر دارا ؟. قالوا: يا روح الله، ومن يقدر على ذلك ؟! فقال: إيّاكم والدّنيا، فلا تتّخذوها قرارا.

المثل الرّابع: شهوات الدنيا فى القلب كشهوات الأطعمة فى المعدة.

روى أحمد عن أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رضي الله عنه عن رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ مَطْعَمَ ابْنِ آدَمَ جُعِلَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا، وَإِنْ قَزَّحَهُ وَمَلَّحَهُ فَانْظُرُوا إِلَى مَا يَصِيرُ )).

وسوف يجد العبد عند الموت لشهوات الدّنيا في قلبه من الكراهة والنّتن والقبح، ما يجده للأطعمة اللّذيذة إذا أخرجها من بطنه !

وكما أنّ الأطعمة كلّما كانت ألذّ طعماً، وأكثر دسماً، وأكثر حلاوةً، كان رجيعُها أقذر.

فكذلك كلّ شهوة كانت في النّفس ألذّ وأقوى، فالتّأذّي بها عند الموت أشدّ، كما أن تفجع الإنسان بمحبوبه إذا فقده يقوى بقدر محبة المحبوب.

المثل الخامس: حسرات الاشتغال بنعيم الدّنيا عن الآخرة.

فمثل أهلها في غفلتهم مثل قوم ركبوا سفينة، فانتهت بهم إلى جزيرة، فأمرهم الملاّح بالخروج لقضاء الحاجة، وحذّرهم الإبطاء، وخوّفهم مرور السّفينة، فتفرّقوا في نواحي الجزيرة:

·       فقضى بعضهم حاجته، وبادر إلى السّفينة، فصادف المكان خاليا، فأخذ أوسع الأماكن وألينَها.

·       ووقف بعضهم فى الجزيرة ينظر إلى أزهارها وأنوارها العجيبة ويسمع نغمات طيورها، ويعجبه حسن أحجارها، ثّم حدّثته نفسه بفوت السّفينة وسرعة مرورها، وخطر ذهابها، فلم يصادف إلا مكانا ضيّقا، فجلس فيه.

·       وأكبّ بعضهم على تلك الحجارة المستحسنة، والأزهار الفائقة، فحمل منها، فلمّا جاء لم يجد في السّفينة إلاّ مكانا ضعيفا، وزاده حمله ضيقا ! فصار محموله ثقلا عليه ووبالا، ثم ذبلت الأزهار وتغيّرت، وآذاه نتنها، وندم، فلم تنفعه النّدامة.

·       وتولّج بعضهم فى تلك الرّياض، ونسي السّفينة، وأبعد في نزهته، فهو تارة يتناول من الثّمر، وتارة يشمّ تلك الأنوار، وتارة يعجب من حسن الأشجار، وهو على ذلك خائف من سبع يخرج عليه، غير منفكّ من شوك يتشبّث في ثيابه، ويدخل فى قدميه، أو غصن يجرح بدنه.

حتّى إنّ الملاّح نادى بالنّاس عند دفع السّفينة، فلم يبلغه صوته لاشتغاله بملاهيه !

فهذا مثل أهل الدّنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة، ونسيانهم موردهم وعاقبة أمرهم، وما أقبح بالعاقل أن تغرّه أحجار ونبات يصير هشيما !

المثل السّادس: اغترار النّاس بالدّينا وضعف يقينهم في الآخرة.

مثلهم كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء، فنفِد زادهم، فلم يقدروا على المسير، وبقوا بالمفازة لا زاد ولا حمولة ! فأيقنوا بالهلكة.

 فبينما هم كذلك، إذ خرج عليهم رجل فى حلّة يقطر رأسه، فقالوا: إنّ هذا قريب عهد بريف، وما جاءكم هذا إلاّ من قريب.

فقال: يا هؤلاء، أرأيتم إن هديتكم على ماء روّاه، ورياض خضرة، ما تجعلون لي ؟

قالوا: لا نعصيك شيئا.

فأوردهم ماء ورياضا خضراء، فمكث فيهم ما شاء الله، ثمّ قال: يا هؤلاء، الرّحيل الرّحيل.

قالوا: إلى أين ؟

قال: إلى ماء ليس كمائكم، ورياض ليست كرياضكم.

فقال جلّ القوم: والله ما وجدنا هذا حتى ظننّا أن لن نجده، وما نصنع بعيش هو خير من هذا ؟!

وقالت طائفة - وهم أقلّهم -: ألم تُعْطُوا هذا الرّجل عهودَكم ومواثيقَكم بالله لا تعصونه شيئا ؟ وقد صدقكم في أوّل حديثه، فو الله ليصدقنّكم فى آخره.

فراح بمن اتّبعه، وتخلّف بقيّتهم، فبادرهم عدوّهم، فأصبحوا بين أسير وقتيل.

فليتأمّل اللّبيب هذه الأمثال حقّ التأمّل .. فإنّ التعلّق بالدّنيا هو السّحر بعينه .. وما هذه الكلمات والأمثال إلاّ رقـيـة، فليجعلها المحسن وقايةً له، وليجعلها الغَرِق في أوحال الدّنيا أوّل جرعة لدواء يقضي على هذا السّحر الأخّاذ.

والله تعالى المستعان، وعليه التُّكلان.

أخر تعديل في الخميس 01 رجب 1435 هـ الموافق لـ: 01 ماي 2014 22:10

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.