أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الأربعاء 24 ذو الحجة 1444 هـ الموافق لـ: 12 جويلية 2023 00:10

- موسم الحرّ: تأمّلات ووقفات

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد: 

فقد أهلّ علينا فصل جديد .. فصل يُقال فيه الكثير، ويُفعل فيه الكثير .. يُسَرُّ له أقوام كثيرون، ويحزن له قوم آخرون .. 

وما هذه السّطور إلاّ خمس وقفات نقفها، وتأمّلات نشهدها، في عجيب صنع الله الواحد القهّار، الذي أتقن كلَّ شيء وكلُّ شيء عنده بمقدار.

ففي مقابل صنع العزيز الوهّاب، هناك صنعُ أولي الألباب، وعبادة أولي العقول الوافرة، أمام آيات الله الباهرة، ألا وهو التفكّر في خلق ربّ البريّة، والتأمّل في آيات الله الكونيّة، وما يترتّب عليها من آيات شرعيّة:

{إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلَـافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَـاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَـابِ  الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَـاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـاطِلاً سُبْحَـانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190،191].

روى البخاري ومسلم عن ابنِ عبَاسٍ رضي الله عنه قال:

" بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ رضي الله عنها فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً، ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، قَعَدَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، ثُمَّ قَامَ، فَتَوَضَّأَ، وَاسْتَنَّ، فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى الصُّبْحَ ".

زاد ابن حبّان رحمه الله قال:" فلم يزل يبكي حتّى بلّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلمّا رآه يبكي، قال: يا رسول الله ! لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم وما تأخّر ؟! قال: (( أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً ؟! لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...} الآيةَ كلها".

فما هذه الوقفات إلاّ تدبّر لجزء من خلق السّماوات، نسأل الله تعالى بها العفوَ عن الزلاّت.

الوقفة الأولى: حديث النّاس عن الحرّ.

حديث النّاس عن الحرّ قد ملأ جلّ الأوقات، وكيفيّة التخلّص منه صار من أعظم الانشغالات؛ فكلّ النّاس يشكو قساوة الحرّ، وكلٌّ يتّخذ التّدابير من وسائل وغيرها، لئلاّ يعاني من ألمه، ويسلم من سقمه ..

فمن أين هذا الحرّ ؟

كثير من المسلمين يجهلون ذلك، وخاصّة مع الحملة العلمانيّة الشّديدة الّتي تقام على النّظرة الشّرعيّة للظّواهر الطّبيعيّة !

فتستمع إلى أغلب وسائل الإعلام، وهي تقول: إنّه منخفض جوّي من بلد فلانيّ !

وتستمع إلى آخرين فيقولون: ثُقب في طبقة الأزون سبّب مثل هذا الحرّ !

وصار أوّل ما يدور في ذهن العوامّ أنّه: احتراق غابة من الغابات !

ولكنّني أدعوك إلى أن تستمع إلى الأخبار الصّحيحة، ممّن لم يعتمد على الأحوال الجوّية .. ولكنّه اعتمد على وحي ربّ البريّة .. خبرٌ موقّعٌ عليه:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}..

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ! فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ )).

ورويا أيضا عنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه عنْ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ )).

عباد الله ! تلكم الحرارة التي لا يمكن أن تتصوّرها في هذه الدّنيا، ذلكم الحرّ الذي ما زال يفتك بالآلاف في أقصى شرق العالم، إنّما هو من نفس جهنّم - أعاذني الله وإيّاكم من عذاب جهنّم - فما هو حرّها إذن ؟!

أوصافها في القرآن والسنّة تُغنِي عن كلّ الأوصاف .. قال تعالى:{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:12] ، وقال جلّ ذكره: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:8].

وفي الصّحيحين عن النُّعمانِ بنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ: (( إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ، يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ )) !

لذلك كان الصّالحون إذا شعروا بشدّة الحرّ قالوا: اللهمّ إنّي أعوذ بك من حرّ جهنّم.

ورأى عمرُ بنُ عبد العزيز قوماً في جنازة قد هربوا من الشّمس إلى الظلّ، وتوقّوا الغبار، فبكى وأنشد:

من كان حين تصيب الشمس جبهته *** أو الغبار يخاف الشيـن والشّعـثا

ويألف الظــل  كي يبقي بشاشته *** فسوف يسكن يومـا راغما  جدثا

في ظــــل مقفرة غبراء مظلمة *** يطيل تحت الثرى في غمّـها اللّبثا

تجهزي بجهاز تبلغين به، يا نفــس *** قبــل الــرّدى لم تخلقي عبثا

الوقفة الثّانية: الشّمس بين مشهدي العظمة والانكسار.

هذه الشّمس التي حيّرت العلماء، وأعجزت الحكماء، وتعجّبوا من سعتها، وشديد عظمتها، حتّى أعلنوها بالرّغم منهم أنّها أكبر من الأرض بمليون وثلاثة مئة ألف مرّة !

لشدّة حرّها منع الله تعالى الحياة على كواكبَ أعظمَ بكثير من هذه الأرض لقربها منها .. وما يصلنا من أشعّتها إنّما هو أدناها !

يُخبرنا الله تعالى عنها في القرآن الكريم قائلا:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحجّ:18].

روى البخاريّ عنْ أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ:

(( أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ )) قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:

(( فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.

ها هي الشّمس على عظمتها، وسعتها، تراها تذلّ للواحد الأحد، فـ:{يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ}.

الوقفة الثالثة: الشّمس من جنود الله يوم القيامة.

كما جعل الله هذه الشّمسَ من أعظم آياته على قدرته، فسيجعلها من جنوده يوم القيامة:

فقد روى مسلم عن المِقْدَادِ بنِ الأسودِ قال: سمعت رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ ! فَيَكُونَ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا ))، قال: وأشار رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم بيده إلى فِيهِ.

عندئذ يشتدّ بالنّاس الكرب، ويعظُمُ بهم الخطب، فيأتون الأنبياء ليشفعوا لهم عند ربّهم تعالى، ليأتي لفصل القضاء بعد طول انتظار.

الوقفة الرّابعة: الشّمس تدلّ على سعة جهنّم.

اعلم - أخي الكريم - أنّ هذه الشّمس كما تدلّ على شدّة حرّ جهنّم، فهي تدلّ أيضا على سعتها.

فقد روى البخاريّ عن أبِي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( الشَّمْسُ وَالقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ ))، تفسيرا لقوله عزّ وجلّ:{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}.

وفي معجم الطّبراني عنه صلّى الله عليه وسلّم قال: (( الشَّمْسُ وَالقَمَرُ يُكَوَّرَانِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ )). [انظر " السّلسلة الصّحيحة "(124)].

وليس ذلك لتعذيبهما، ولكن تبكيتاً لعُبَّادهما .. فالله هو القائل:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98].

فإذا كانت الشّمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرّة، ثمّ تُلْقَى وتُكوّر في النّار، فكيف هي سعة جهنّم ..!

الوقفة الخامسة: الحرّ غنيمة أو هزيمة.

فهذا الحرّ الشّديد، إنّما هو ابتلاء يميّز الله به الصّالحين، وعقوبة وعذاب للمنافقين.

فليس الحرُّ عائقا عن طاعة الله، ومن عاقه الحرّ عن الطّاعة ففيه شبه بالمنافقين، كما حدث في غزوة تبوك {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:81].

وابن آدم ملول، لا يستقيم على طريقة:

يتمنّى المرء في الصّيف  الشّتاء *** فإذا جاء الشتاء أنكــره

فهو لا يرضى بحال واحــد *** قتل الإنسان ما  أكفــره

أمّا الصّفوة من عباد الله، فإنّهم يرون أنّ في الحرّ غنيمةً لا تفوت ؟

- هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه، حين حضرته الوفاة، لم يتأسّف على مال ولا ولد، ولم يبك على فراق نعيم الدّنيا، ولكنّه حزن على مفارقة قيام اللّيل، ومزاحمة العلماء بالرُّكَب، وعلى ظمأ الهواجر بالصّيام في أيّام الحرّ الشّديد.

- وخرج ابن عمر رضي الله عنه في سفر معه أصحابه، فوضعوا سُفرةً لهم، فمرّ بهم راعٍ، فدعَوْه إلى أن يأكل معهم، فقال: إنّي صائم، فقال ابن عمر: في مثل هذا اليوم الشّديد حرّه، وأنت بين هذه الشّعاب، في آثار هذه الغنم، وأنت صائم ؟! فقال: أُبَادِر أيّامي هذه الخالية.

- ويقول أبو الدرداء موصياً أحبابه: صوموا يوماً شديداً حرّه لحرّ يوم النّشور، وصلّوا ركعتين في ظلمة اللّيل لظلمة القبور.

- وقد روى البزّار بإسناد حسن - كما في "صحيح التّرغيب والتّرهيب"- عن ابن عبّاس رضي الله عنهما:

(( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بَعَثَ أَبَا مُوسَى رضي الله عنه عَلَى سَرِيَّةٍ فِي البَحْرِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، قَدْ رَفَعُوا الشِّرَاعَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، إِذَا هَاتِفٌ فَوْقَهُمْ يَهْتِفُ: يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ ! قِفُوا أُخْبِرْكُمْ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ.

فَقَالَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه: أَخْبِرْنَا إِنْ كُنْتَ مُخْبِراً. قَالَ: إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ أَعْطَشَ نَفْسَهُ لَهُ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ سَقَاهُ اللهُ يَوْمَ العَطَشِ ))..

كذلك حين يخرج المصلّي إلى صلاة الظّهر أو العصر، فيرى الشّمس اللاّهبة، ويحسّ بالحر اللاّفح، لكنّه يطمع في رحمة ربّ العالمين، ويدّخر هذا المخرج عند الله يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

والله تعالى الموفّق، لا ربّ سواه.

أخر تعديل في الأربعاء 24 ذو الحجة 1444 هـ الموافق لـ: 12 جويلية 2023 11:08

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.