أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

السبت 10 ذو القعدة 1432 هـ الموافق لـ: 08 أكتوبر 2011 06:55

- نبذة عن تاريخ الطّرق الصّوفية في الجزائر (1)

الكاتب:  الشّيخ محمّد حاج عيسى
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد

فهذا مقالٌ مقتضبٌ أحاول أن أتناول فيه تاريخَ دخولِ بدعةِ التّصوّف إلى بلادنا، وأن أُعَرِّف بالطّرق الصّوفية الّتي انتشرت في الجزائر أثناء عصور الانحطاط، وقد قسّمتُ هذا المقالَ إلى مرحلتين تاريخيّتين: البدايات الأولى للتصوّف في الجزائر، ثمّ مرحلة التصوّف الشّعبي، وهي المرحلة الّتي ظهرت فيها الطّرق الصّوفية.

المطلب الأول: بدايات التصوّف في الجزائر. 

أوّلا: عصر الفاطميّين (296-567) 

لقد كان أوّل ما عرفت الجزائر بدعةَ التصوّف في عصر بنِي عُبَيد، الّذين ادَّعَوْا النّسبَ الفاطميّ، حيثُ كانوا يفسّرون الإسلام ونصوصَه وتعاليمَه تفسيراً باطنيّا يلتقي مع بدعة التصوّف المأخوذة من الفكر اليونانِيّ لفظا ومعنى؛ فإنّ كلمة "الصّوفية" مشتقّة من كلمة (سوفيا) اليونانيّة الّتي تعني الحكمة - كما قاله البيروني -، ويؤكّده مضمونُ التّصوّف المختلط بالفلسفة، والمتفِّق معها في غايتها.

قال الجرجاني:" الفلسفة: التشبّه بالإله بحسب الطّاقة البشريّة، لتحصيل السّعادة الأبديّة "، وقال الكاشاني:" التصوّف: هو التخلّق بالأخلاق الإلهيّة ". ولذلك قال ابن عربي:" ومِن شُروطِ المنعوتِ بالتصوّف: أن يكون حكيما ذا حكمة، وإن لم يكن فلا حظّ له من هذا اللّقب ".

وقد بيّن ابن خلدون في مقدّمته  أنّ الصوفية كانوا مخالطين للإسماعلية الباطنيّة " فأُشرِب كلّ واحدٍ من الفريقين مذهبَ الآخرِ، واختلطَ كلامهم وتشابهت عقائدهم ". 

وفي تأكيد هذه الحقيقة التّاريخية يقول الشّيخ أبو يعلى الزّواوي في كتابه " الإسلام الصّحيح " (156- طبعة دار الحبر):

" إنّ الدّولة الفاطميّة الباطنيّة قد سَمّمت الأمّةَ الإسلاميّة بمعتقداتها، ومخترعاتها، وكفريّاتها، وادّعاءِ علمِ الغيب والعلمِ الباطنيّ ". 

ويؤكّدها أيضا الشّيخ مبارك الميلي في "تاريخ الجزائر" (ص 720) لكن مع بيان موقف العلماء المسلمين من فكرهم وعقائدهم، فقال رحمه الله:" وقد عرفتْ الجزائرُ التصوّفَ زمنَ بني عُبيد، لكنّ العلماءَ أنكروا عليهم، وكفّروهم، حتّى قال محمّد بن عمّار الكلاعي الميورقي يوصي ابنَه في قصيدة: 

وطاعةَ من إليه الأمرُ  فالزمْ *** وإن جاروا وكانوا مسلمينا

فإن كفروا ككفر بني  عبيد *** فلا تسكن  ديارَ الكافرينا "

ثانيا: عصر المرابطين (480-541)

واستمرّ رفضُ العلماء المالكيّة وغيرهم للعقائدِ الصوفيّة بعد زوال دولة بني عبيد عن المغرب العربيّ، وظهر هذا الرّفضُ جليّا بما اشتهر من فتاوى المالكيّة بإحراق كتب الغزالِيّ لمّا دخلت المغربَ، وعلى رأسها "إحياء علوم الدّين"، وأمر ابن تاشفين بذلك.

والعلماء إنّما أنكروا هذه الكتبَ لا لما تضمّنتْه من مواعظَ ورقائقَ، ولكنْ لمِا تضمّنته من تعاليم التصوّف الفلسفيّ المضادّ لشريعة الإسلام، ولذلك قيل: إنّ الغزالي أمرضه "الشّفاء" لابن سينا.

على أنّ رفضَ العلماء لإحياء الغزالي لم يكُن قاصراً على المالكيّة المغاربة، بل شمل علماءَ المشرق من شافعيّة وغيرهم؛ فقد أنكروا على الغزالي ما في كتبه من فلسفة وتصوّف غالٍ، وقد أشار إلى ذلك الغزالي نفسُه في مقدّمة كتابه "منهاج العابدين" (ص:56)، لكنّ الغزاليّ (الّذي دخل في بطن الفلاسفة، ثمّ أراد أن يخرج منهم فما قدر) - كما قال ابن العربي - أرجعَ سببَ قدح القادحين إلى أنّ الإحياء احتوى دقائقَ اعتاصت على أفهامهم.

ثالثا: عصر الموحِّدين (515-668)

" وبقي الأمرُ على ذلك، حتّى جاءت دولةُ الموحِّدين الّتي نشرت كتب الغزاليّ " كما قال الشّيخُ مباركٌ الميليّ رحمه الله، ونشرُ الموحِّدين لكتبِ الغزالِيّ أمرٌ مشهورُ في التّاريخ، على أنّه لم يكن مقتصرا على كتب السّلوك، بل شمل نشرَ كتبِ أصولِ الفقه، وأصول الدّين؛ لأنّ ابنَ تومرت كان قد تتلمذ على الغزاليّ وتأثّر به.

ويؤكّد الشّيخ الميليّ رحمه الله على دورِ الدّولة الموحّدية في نشر بدعةِ التّصوف فيقول:" فلم يكن يومئذٍ بالمغرب شأنٌ للصّوفية إلى أن جاءت الدّولة المؤمنية، ونشرت المعارفَ ونصرت الفلسفة ، فظهر من الصّوفية رجالٌ ذوو علم طار صِيتُهم في الآفاق ".

ويقول الشّيخ أبو يعلى الزّواوي في "الإسلام الصّحيح" (ص:161):" فإذا تأمّلْتَ أيّها الواقف في استمرار الدّولتين المخزيتين العُبيديّة والموحِّدية قروناً كثيرةً - كما تقدّم - زال عنك التعجّب، وظهر لك سببُ الضّلال، وسببُ شغف النّاس بالأولياء الأموات، والأقطاب، والأغواث، والأبدال، والمجاذيب، وسائر المتصرّفين في الغيب على اعتقادهم الغيب والباطن، وأنّ جميع ما يقع في الكون بتصرّفهم وقضائهم ".

أعلام التصوّف في المرحلة الموحّدية.

ذكر الشيخ الميلي في كلمته الّتي نقلناها أنّه ظهر من الصّوفية في عهد الموحِّدين رجالٌ ذوو علم طار صيتهم في الآفاق، ولذلك عُرِف التّصوّف في أوّل مراحله بأنّه تصوّف علميّ، لا يصل إلى فهمه إلاّ من له باع في الفلسفة، فبقي تصوّفاً علميّا، أو تصوّفا خاصا بالنّخبة كما يعبَّر عنه في الاصطلاح المعاصر، ومن هؤلاء المشاهير الّذين عرفتهم الجزائر:

1- أبو مدين شعيب الأندلسيّ: دفين تلمسان المتوفَّى سنة (591 هـ/1194م):

قرأ على ابن حرزهم وغيره، وأخذ التصوّفَ عن أبي يعزى يلنور بن ميمون (ت:572) (وهو من المغرب الأقصى)، ويقال: إنّه لقِيَ في عرفة الشّيخَ عبدَ القادر الجيلانيّ، وكان قد استوطن بجاية ودرس فيها رسالة القشيريّ وغيرها، ولما كثُر أتباعُه وذاع صيتُه، استقدمه يعقوبُ بن يوسف المنصور الموحّدي(ت:595) إلى مراكش، فلمّا بلغ تلمسان توفِّي بها.

2- عبد السّلام بن مشيش (ت 625 هـ/1228 م):

وهو عبد السّلام بن سليمان المعروف بمشيش، أخذ طريقَ التصوّف عن أبي مدين شعيب، وعبد الرّحمن بن حسن العطّار الشّهير بالزيّات، ومن آثارها: دعاء المشيشية، مات مقتولا في شمال المغرب الأقصى.

3- أبو الحسن الشّاذلي (ت:655 هـ/1258 م):

وهو عليّ بن عبد الله المغربيّ الأصل، نُسِب إلى شاذلة - وهي قرية بتونس - لإقامته بها. أخذ التصوّف عن ابن مشيش في المغرب، وأقام مدّةً في تونس، ثمّ انتقل إلى الإسكندريّة بمصر حيث نشر مذهبَه.

وصار له أتباعٌ عُرِفوا بالدّراويش وبالفقراء - والدّرويش: كلمة فارسيّة معناها القانع والفقير -، وله أحزابٌ تتلى منها: حزب البحر، وتوُفِّي بأرض الحجاز، وإليه تنسب الطريقة الشّاذلية، وسيأتي الحديثُ عنها وعن طوائفها الكثيرة في الجزائر.

4- محيي الدّين بنُ عربيّ الأندلسي (ت:633 هـ/1240 م):

وُلِد في مرسية بالأندلس، ودرس بإشبيلية الفلسفةَ، وقد كان ظاهريَّ المذهب في العبادات، باطنِيّ النّظر في الاعتقادات، ويستعمل في كلامِه عباراتٍ غامضةً، وأحياناً يستعمل عباراتٍ صريحةً في الكفر، والقولَ بالاتّحاد، كقوله:" التّثليث أساس الوجود، ومع أنّ الله في اعتقادِنا فردٌ، فأوّل عدد فرديّ ثلاثة لا واحد ".

زعم أن الولاية أعلى رتبةً من النبوّة، وأنّه خاتم الأولياء. وأتباعُه يلقّبونه بالشيخ الأكبر. رحل إلى المشرق، وأقام في بجاية مدّة، واستقرّ في دمشق، وتوفِّي بها.

5- عبد الحقّ بن سبعين (ت:669 هـ/ 1269 م):

فيلسوف أندلسيّ، أخذ التصوّف عن أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن محمّد بن الدهّاق، وانتقل إلى سبتة، ثم طُرد منها، فسكن بجايةَ مدّةً، وأقرأ بها، ثمّ لَحِق بالمشرق، وبقي بمكّة إلى وفاته. ومن كلامه:" شعيبُ عبدُ عملٍ، ونحن عبيدُ حضرة ". وهو من القائلين بوحدة الوجود.

من أعلام التصوّف العمليّ (الزّهد) بعد الموحّدين.

وبعد عصر الموحِّدين، لا شكّ أنّ هذا الفكرَ الغالِيَ والمنحرفَ قد وجد من يتبنّاه، كما وجد إلى جانب ذلك من عُرِف بالزّهد، أو ما يسمّى عند البعض بالتصوّف السنّي، أو التصوّف العملي لا الفلسفي.

وتبنّى هذا الاتّجاهَ جمهرةٌ من الفقهاء العلماء البعِيدِين كُلَّ البُعْد عن الفلسفة وزنادقتها، كما نجد ذلك في كتب تراجم المغاربة عموما؛ فإنّهم كانوا مائلين إلى الزّهد في الدّنيا مع صلاحٍ ظاهرٍ وورع تامّ، دون إيغالٍ في التعبّد، والترهّب، أو وولوج في باب الشّركيات.

ومن أعلام هذا الاتّجاه: الشّيخ الفقيه الزّاهد أبو زيد عبد الرّحمن بن محمّد الثّعالبي875 هـ/1471 م):

وُلد في مدينة يسر، وطلب العلمَ في بلده، ثمّ في بجاية، فلقي بها أكابِرَ أهل العلم في زمانه، ولم يقنع فرحل إلى تونس، ثمّ مصر، ثمّ تركيا، ثمّ الحجاز، وقفل راجعا إلى وطنه بعد رحلة طويلة في طلب العلم.

واستقر بالجزائر العاصمة، حيث عكف على نشر العلم تدريسا وتأليفا، فتخرّج على يديه كثير من العلماء، من أشهرهم: محمّد بن يوسف السّنوسي، ومحمّد المغيلي التلمساني، ومحمّد بن مرزوق الكفيف، وأحمد الزّروق، وأحمد بن عبد الله الزّواوي.

وإلى عصر هذا الشّيخ الّذي اشتهر بالزّهد، وكثرت مؤلّفاته في الوعظ والرّقائق، لم تنتشر الطّرق الصوفية، وإنّما انتشرت هذه الطّرق في عصر تلاميذه، أي: في القرن العاشر الهجريّ.

المطلب الثاني: ظهور الطرق الصوفية أو التصوف الشعبي.

ابتداءً من القرن العاشر الهجريّ، بدأ يظهر ما يُسمّى بالطّرق الصوفيّة، الّذي قام على مبدأ تحزيب الأتباع، وإعطاءِهم العهودَ والمواثيقَ للشّيوخ، حتى يلتزموا بطاعة الله وطاعة الشّيخ.

وقد رتّب من أسّس هذه الأحزاب ترتيباً يتدرّج فيه المسلم الّذي يريد الوصولَ إلى درجة الإحسان في العبادة وإلى ما هو أعلى منها ! وهو ترتيبٌ ما أنزل الله به من سلطان؛ فمن حضر وهو يريد الدّخولَ إلى طريقة الشّيخ يسمّى تلميذا، فإذا دخل وكان في أوّل الطّريق يسمّى مريدا، فإذا طال به العهد واختاره الله لحبّه صار فقيرا، فإن تقدّم به الحال إلى ما يسمّى بالمكاشفات فهو السّالك، وإن وصل إلى مرحلة الفناء وفقدان الوعي والانجذاب إلى الله تعالى فهو المجذوب.

وجعل كلّ شيخ يزعم أنّ له طريقا موصِلاً إلى الله تعالى لأتباعه أورادا وأذكارا يلتزمونها، ويتميّزون بها عن أهل الطّريقة الأخرى، وربّما جعل بعضَهم لأتباعه هيئةً معيّنةً في اللّباس، والعِمامة، والسُّبحة، ونحو ذلك.

وتعميمُ هذا الفكر على عامّة النّاس شجّعَ كثيرا من الدّجاجلة ومُدّعِي الزّهد والعبادة على الانتساب للتصوّف، فأصبحوا يؤسّسون لأنفسهم أو لشيوخٍ معروفين بالزهد قد ماتوا طرقا صوفيّة يكتسبون بها الأتباع والأرزاق؛ لأنّ أمر الطّرق لم يعُدْ قاصراً على اتّباعِ منهجٍ معيّنٍ في الذّكر مع معاهدة الشّيخ على لزوم الاستقامة؛ بل ترقّى إلى تقديم القرابين، وخدمة الشّيخ وأولاده مقابلَ إعطائِه الضّمانَ للمريدِ (أو ما يشبه صكوكَ الغفران).

وتعدّى الأمر إلى الدّعاية إلى عبادة القبور من أجل كسب الأرزاق وجمع الزّكوات. وكثيرٌ من هؤلاء الدّجاجلة قد عادوا في تصوّفهم إلى التصوّف الفلسفي الأصيل المبنيّ على إنكار الشّريعة، ودعوى الحلول والاتّحاد.

وفي وصف هذه الحال يقول الشّيخ عبد الرّحمن الأخضري (ت:983 هـ/1575 م):

آهٍ  على طريقة الكمـال *** أفسدها طوائف الضّلال

آهٍ  على طريق  أهـل الله *** آهٍ على طريق حزب الله

طريقة أفسدها أهل البدع *** فتُرِكت مهجورة، لا تُتّبع

طريقة  أفسـدها  الفجّارُ *** فكثُروا، وانتشروا، وثاروا

وظهـرت في جملة  البلاد *** طائفـة البلـع والازدراد

ووافقه على هذا الوصف الأخير شيخٌ مكّي، اسمه شهاب الدّين المرشدي، فقال فيما نقل عنه الميليّ:

صوفيّة العصر والأوان *** صوفيّة العصر والأواني

وسئل أحدُ شيوخ القادرية في طرابلس الشّام عن كثرة الطّرق وتعدّد شيوخها ؟ فقال:" تغييرُ شكل، لأجل الأكل ".

[يتبع]

أخر تعديل في السبت 10 ذو القعدة 1432 هـ الموافق لـ: 08 أكتوبر 2011 07:01

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.