أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الخميس 20 محرم 1433 هـ الموافق لـ: 15 ديسمبر 2011 14:29

- شرح الأصول الثّلاثة (16) منزلة الخوف من الله تعالى

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقال المؤلّف رحمه الله: 

( ودليلُ الخوفِ قوله تعالى:{فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175]).

الشّرح:

فإنّ العبادة تُعرف إمّا بالتّصريح بأنّها عبادة كما مرّ في الدّعاء، أو بكونها مأمورا بها منهيّا عمّا يُضادّها، كما هو الشّأن في الخوف.

وخوف الله عزّ وجلّ من أعلى منازل السّائرين، وأشرف مدارج السّالكين، وأعظم ثمرات معرفة ربّ العالمين.

وهو أحد ركائز العبادة الثّلاث: الحبّ، والخوف، والرّجاء، فبالمحبّة يكون امتثال الأمر، وبالخوف يكون اجتناب النّهي، وبالرّجاء يتعلّق العبد في ثواب الأمر والنّهي.

فإذا تقرّر أنّ الخوف عبادة وجب إفراد لله تعالى به، وكان صرفها لغير الله شركا.

وأتى المؤلّف بالدّليل على ذلك، هو:

  • · قوله تعالى:{فَلا تَخَافُوهُمْ}: نزلت هذه الآية بعد محنة أحد، فقد روى الطبراني (11/274) عن عكرمة عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال:

لمّا انصرف أبو سفيان والمشركون عن أحد، وبلغوا الرّوحاء، قالوا: لا محمّدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم، شرّ ما صنعتم ! فبلغ ذلك رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم، فندب النّاسَ، فانتدبوا حتّى بلغوا حمراء الأسد أو بئر أبي عيينة، فأنزل الله تعالى:{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)}، وقد كان أبو سفيان قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا.

  1. قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: أمّا الجبان فرجع، وأمّا الشّجاع فأخذ أهبة القتال والتّجارة، فأتوه فلم يجدوا أحدا، وتسوّقوا فأنزل الله عزّ وجلّ:{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} [آل عمران][1].

روى البخاري في "صحيحه" عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قالهَا إبراهِيمُ عليه السّلام حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ، وَقَالَهَا محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم حِينَ قالُوا:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.

ومعنى {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}: يخوّفكم أولياءَه. وأَولياءُ الشّيطان هم أنصارُه الّذينَ ينصرون الفحشاءَ والمنكرَ؛ لأنَّ الشيطانَ يأمر بذلك.

فكلّ من ينصر الفحشاء والمنكر فهو من أولياءِ الشيطان، قال ابن القيّم رحمه الله في "إغاثة اللّهفان" (1/118):

" ومن كيدِ عدوِّ الله تعالى أنّه يُخوِّف المؤمنين من جنده وأوليائه، فلا يجاهدونهم ولا يأمرونهم بالمعروف، ولا ينهونهم عن المنكر، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان "اهـ.

فرجل العقيدة إذا ألقى الشّيطانُ في نفسه الخوفَ، فإنّ الواجبَ عليه أن يعلم أنّ الإقدامَ على كلمةِ الحقِّ ليس هو الّذي يدني الأجلَ، وليس السّكوت والجبنُ هو الّذي يطيل العمر، فكم ممّن صدع بالحقِّ ومات على فراشه، وكم من جبانٍ قُتِل في بيته، وهذا خالدُ بنُ الوليدِ رضي الله عنه كان شجاعًا مقداما ومات على فراشه !

فلا بدّ من الثّقة بالله، فهو القائل:{إنَّ اللهَ معَ الّذينَ اتَّقَوْا والذينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}، وقد قال العارفون:" من خاف اللهَ خافه كلّ شيءٍ، ومن اتّقَى اللهَ اتّقاهُ كلُّ شيء، ومنْ خاف من غيرِ اللهِ خاف من كلِّ شيءٍ ".

ومن الكلام الشّائع الباطل ما يقوله بعضهم: خفْ ممّن لا يخاف الله !

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - كما في "مجموع الفتاوى"-:

" وبعض النّاس يقول: يا ربّ، إنّي أخافك وأخاف من لا يخافك ! فهذا كلام ساقط لا يجوز؛ بل على العبد أن يخاف الله وحده، ولا يخافَ أحداً؛ فإنّ من لا يخاف الله أذلُّ من أن يُخافَ؛ فإنّه ظالم، وهو من أولياء الشّيطان، فالخوف منه قد نهى الله عنه.

وإذا قيل: قد يؤذيني ؟ قيل: إنّما يؤذيك بتسليطِ الله له، وإذا أراد الله دفعَ شرّه عنك دفعه فالأمر لله؛ وإنّما يسلَّطُ على العبد بذنوبه، وأنت إذا خِفت الله فاتّقيته وتوكّلت عليه، كفاك شرَّ كلِّ شرّ، ولم يسلّطه عليك، فإنّه قال:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ... فإذا خِفتَ اللهَ، وتُبتَ من ذنوبك، واستغفرته، لم يسلّط عليك، كما قال:{وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}"اهـ.

والشّاهد من الآية نهيُ الله سبحانه وتعالى عن الخوف من عدوّه، والنّهي يقتضي التّحريم.

  • · {وَخَافُونِي}: بعد النّهي عن الخوف من غيره، أمر بإفراده سبحانه بالخوف، والأمر يقتضي الوجوب. ولا يجتمع التّوحيد إلاّ على النّفي والإثبات، وزاد الأمر توكيدا، فقال:
  • · {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}: ومفهومه أنّهم لو خافوا عدوّه ولم يخافوه سبحانه ليسوا بمؤمنين، فدلّ كلّ ذلك على أنّ خوف الله من الإيمان.

فإن كان الخوفُ يؤدِّي إلى الشّركِ فهو منافٍ لأصلِهِ، وإلاّ فهوَ مُنَافٍ لكماله.

- أقسام الخوف من الله تعالى: هو قسمان:

أ) خوف محمود: وضابطه: ما يردّ العبد عن محارم الله عزّ وجلّ، والقيام بحقّه، وحقوق العباد.

وهذا خوف المحبّين، الّذين لا يُبالون برضا أحدٍ على حساب رضا الله عزّ وجلّ، شعارهم:

فليتك تحلو، والحيـاة مريـرةٌ *** وليتك ترضَى والأنام غِضاب

فإن صحّ منك الودّ فالكلّ هيّن *** وكلّ الّذي فوق التّراب تراب

وأعلى درجاته: الورع، وهو ترك الشبّهات.

ب) خوف مذموم: وهو ما أدّى إلى القنوط واليأس من رَوح الله عزّ وجلّ.

وقد قال الإمام أحمد رحمه الله:" ينبغي أن يكونَ خوفه ورجاؤه واحدًا، فأيُهما غلبَ هلكَ صاحبُهُ ".

- أقسام الخوف من غير الله تعالى: فإنّ الخوف أقسام، ولكلّ قسم حكمه:

الأوّل: خوف العبادة والتذلل والتعظيم والخضوع، وهو ما يسمّى بخوف السرّ، سمّي بذلك لأنّه يكون بباطن العبد، فيخاف الشّيء لظنّه أنّه يجلب الضرّ أو النّفع، أي: يضرّ وينفع بلا سبب.

وضابطه: أن يخاف ما لا يقدر عليه إلاّ الله سبحانه.

وهذا لا يحلّ صرفه إلاّ لله سبحانه، فمن أشرك فيه مع الله غيره؛ فهو مشرك شركاً أكبر.

ومن أمثلة ذلك: مَن يخاف من الأصنام، أو الأولياء، أو الأموات، فيعتقدون نفعهم وضرّهم؛ من قطع نسلٍ، أو جلب فقرٍ، أو مرضٍ، أو جنون.

ومن عُبّاد القبور من يخاف صاحب القبر أكثر ممّا يخاف الله عزّ وجلّ ! كاعتقادهم وجوب الطّواف بضريح، أو الذّبح له وإلاّ أصابه مكروه.

هذه الحالة هي حالة تعلق القلب بغير الله تعالى، وهو الّذي قال الله جلّ وعلا فيه على لسان إبراهيم عليه السّلام:{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام:81].

وقال جلّ وعلا مخبرا عن قول عادٍ لهودٍ عليه السّلام:{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} [هود:54]، هذا النوع من الخوف هو الذي إذا صرف لغير الله جل وعلا كان شركا أكبر.

الثّاني: الخوف الطّبيعي والجبلّي؛ وبعضهم يسمّيه الخوف الحسّي.

فالأصل فيه أنّه مباح، قال تعالى عن موسى عليه السّلام:{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} [القصص من: 21]، وقوله تعالى عنه أيضاً:{رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [القصص من: 33].

وإنّما قلنا: إنّه الأصل؛ لأنّ الخوف الطّبيعيّ إن حمل على ترك واجب أو فعل محرّم دون إكراه؛ فهو محرّم.

الثّالث: الخوف الوهميّ. وضابطه خوف ما لا حقيقة له، فهو سفهٌ، وحمقٌ، حكمه بحكم أثره، إن كان يؤدّي إلى شرك فهو شرك، أو إلى محرّم أو ضعف الشّخصيّة فهو محرّم.

وهل الخوف من الجنّ من النّوع الأوّل أو الثّاني ؟

فيه تفصيل: فيمكن أن يكون شركا وكفرا؛ وذلك إن خافهم خوفَ السرّ بأنْ يصيبوه بشيء لا قدرة لهم عليه، كخوف المرض، والفقر، وقطع النّسل، والموت بلا سبب، ونحو ذلك.

ويمكن أن يكون محرّما فحسب، كما لو حمله على ترك واجب، أو فعل محرّم.

ويمكن أن يكون مباحا، وهو الخوف الطّبيعي كما يخاف من شرار بني آدم.

وعلاج الخوف من الجنّ:

- الإكثار من ذكر الله تعالى، فالذّكر غذاء القلوب.

قال ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/60):" وأكثر تسلّط الأرواح الخبيثة تكون من جهة قلّة دينهم, وخراب قلوبهم من حقائق الذّكر والتّعاويذ والتّحصنات النبويّة والإيمانيّة, فتلقى الرّوحُ الخبيثة الرّجلَ أعزل لا سلاح معه, وربّما كان عرياناً؛ فيؤثّر فيه هذا "اهـ.

- ترسيخ التّوحيد في القلب: فعلى المؤمن أن يعلم أنّ الله تعالى حافظه من كلّ سوء، وهو القائل:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرّعد: 11].

- وقاية جناب التّوحيد: فإنّ المؤمن عليه أن يخاف الوقوع في الشّرك أكثر من خوفه من الجنّي، وليحذَر من الاسترسال في ذلك، وإلاّ وقع في الشّرك الأكبر، كما سيأتي معنا في الاستعاذة.

- العلم: فالجاهل عدوّ نفسه. ولا بدّ أن يعلم المسلم أنّ الجنّي لا يخلو من أن يكون كافرا، أو فاسقا، أو مؤمنا تقيّا:

فالمؤمن أخو المؤمن، لا يؤذيه ولا يضرّه.

والكافر والفاسق، أذلّ وأحقر من أن يخافه المؤمن، قال عزّ وجلّ:{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}.

وقد ثبت أنّ الشّيطان كان يخاف من عمر رضي الله عنه، فإذا سلك عمر رضي الله عنه طريقاً سلك الشّيطان طريقاً آخر.

وفي صحيح البخاريّ أنّ أبا هريرة رضي الله عنه أمسك بالجنّي وهو في صورة آدميّ وخاف منه.

وعن مجاهد رحمه الله قال:" إنّهم أي الجنّ - يهابونكم كما تهابونهم.



[1] انظر:" الصّحيح المسند من أسباب النّزول" ص (66).

أخر تعديل في الخميس 20 محرم 1433 هـ الموافق لـ: 15 ديسمبر 2011 14:31

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.