أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الأربعاء 20 جمادى الثانية 1434 هـ الموافق لـ: 01 ماي 2013 13:44

- السّيرة النّبويّة (76) غزوة بدر: ساعات قبل المعركة 2.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد رأينا كيف اصطفّ المسلمون أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بعد سلسلة من الأعمال الصّالحات، تبعتها قافلة من البُشْرَيات.

لقد وعدهم الله تعالى إحدى الحُسنيين، وأكرمهم بمطر طهّرهم به، وربط به على قلوبهم، وأذاب كثيرا من وساوسهم، وثبّت به أقدامهم.

ولن ينسَوْا قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنِّي أَرَى مَصَارِعَ القَوْمِ ))..

وقفوا أمامه للقتال كما وقفوا منذ قليل بين يدي الله للصّلاة .. فنالوا بسجودهم قرب الله وقوله:{وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} [المائدة: من الآية12)].. ونالوا بقيامهم للقتال حبّ الله لقوله:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4].

ويثير انتباهنا أمرٌ حدث في هذه الأوقات العصيبة .. فمع قلّة عدد المسلمين، يصل صحابيّ مع والده طمعاً في الجهاد والشّهادة .. ولكنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يردّهما !

ذلك الصّحابيّ هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مع أبيه حُسَيْل ..

فلماذا يرفض النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مشاركتهما ؟!

سؤال بحجم المعركة .. والإجابة بحجم محمّد صلّى الله عليه وسلّم.

ليس المسألة مسألة ثقة، فحذيفة بن اليمان رضي الله عنه فوق كلّ الشّبهات، كيف لا وقد سلّمه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مفاتيح سرّه ؟!

إنّ المسألة مسألة مبادئ وقِيم .. تؤكّد ما ذكرناه قبل، أنّ شعار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان:" لا تنازل، ولا تحايل ".. إنّه لم يتنازل لأنّه صادق، ولم يتحايل لأنّه أمين.

واستمع إلى السّبب يذكره لنا حذيفة رضي الله عنه، فقد روى مسلم عن حُذَيْفَةَ بنِ اليمَانِ رضي الله عنه قال:

" مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا. فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: (( انْصَرِفَا ! نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ )).[1] 

جواب بحجم النبوّة .. جواب أعيا كلّ زعيم وداعية بعده .. جواب يلقم حجرا من ينظرون إلى أرنبة أنوفهم مستعجلين الثّمرات..

(( نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ )) وهم المشركون الّذين يعبدون الأوثان، ويحاربون الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم .. الّذين خرجوا من ديارهم لطمس معالم التّوحيد وسفك دماء الموحّدين .. الّذين خرجوا لذبح نبيّ الإسلام وتدمير دولته .. ولم يكن شعاره أبدا ما قاله اليهود:{لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: من الآية75].

ثمّ إذا كان هذا هو تعامله مع الكافرين والمشركين المعاندين .. فما هو حجم معاملته لأخيه المسلم ؟

وتصوّر كيف تغلغل هذا الدّرس في الوفاء بالعهد في صدور المؤمنين ؟

فودّع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حذيفة وأباه رضي الله عنهما، والتفت إلى الجيش، وعاد إلى العمل من جديد.

فسمعوه يقول: (( إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ عِنْدَ هَذَا الضِّلَعِ الحمراء من الجبل ))[2].

عندئذ بدأ المشركون في النّهوض مثقَلين، وصداع الخمر يرنّ في رؤوسهم، نهضوا ولا صلاة .. ولا بُشرى من الله .. ولا دعاء .. قلوبهم شتّى وأفكارهم شاردة .. فلا يزال بعضهم لا يرى قتال أبناء العمّ والعشيرة .. وأكثرهم خرج بطرا ورئاء النّاس .. فأغراه قلّة عدد المؤمنين.

روى ابن إسحاق رحمه الله عن أشياخ من الأنصار قالوا:

" لماّ اطمأنّ القوم، بعثوا عمير بن وهب الجمحيّ، فقالوا: احرزوا لنا أصحاب محمّد ! قال: فاستجال بفرسه حول العسكر، ثمّ رجع إليهم فقال: ثلاث مئة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتّى أنظر أللقوم كمين أو مدد ؟ قال: فضرب في الوادي حتّى أبعد، فلم ير شيئا، فرجع إليهم فقال: ما وجدت شيئا، ولكن قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا ! نواضح يثرب تحمل الموت النّاقع[3] ! قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتَل رجل منهم حتّى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك ؟ فِرُوا رأيَكم ".

سكت الجميع، وهم يستمعون إلى هذا الوصف المرعب .. وتسلّل من هذا الحشد الصّامت رجل حكيم ذو حزم، وهو حكيم بن حزام، قال ابن إسحاق:

" فلمّا سمع حكيم بن حزام ذلك، مشى في النّاس، فأتى عتبة بنَ ربيعةَ، فقال: يا أبا الوليد، إنّك كبير قريش وسيّدها، والمطاع فيها، هل لك إلى أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت ؟ هل لك أن لا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدّهر ؟

قال: وما ذاك يا حكيم ؟!

قال: إنّكم لا تطلبون من محمّد إلاّ دم ابن الحضرميّ ترجع بالنّاس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرميّ.

قال عُتبة:  قد فعلت، إنّما هو حليفي، فعليّ عقله، وما أصيب من ماله.. فأتِ ابنَ الخنظلية - والحنظلية أمّ أبي جهل -، فإنّي لا أخشى أن يشجر أمر النّاس غيره.

ثمّ قام عتبة بن ربيعة خطيبا، فقال:

" يا معشر قريش، إنّكم - والله - ما تصنعون بأن تلقوا محمّدا وأصحابه شيئا، والله لئن أصبتموه لا يزال الرّجل ينظر في وجه رجل يكره النّظر إليه: قتل ابن عمّه وابن خاله أو رجالا من عشيرته، فارجعوا أو خلّوا بين محمّد وبين سائر العرب، فإن أصابوا، فذاك الّذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون ".

كان عُتبة حكيما بعيد النّظر .. وكان خائفا على مصير قومه الأسود الّذي يقودهم إليه رجل طائش حاقد كأبي جهل .. إنّه يرى الموتَ سهاما في نظرات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم.. ويرى العار في قتل أبناء العمّ والعشيرة.. كان يدور بحديثه ذلك على جمله الأحمر يكرّره على من لم يسمعه.  

ولا ريب أنّ أسعد النّاس بهذا النّداء كان أميّة بن خلف، ولسان حاله يقول: لله درّك من خطيب مسقع.. لا فُضّ فوك يا ابن عُتبة..

ولم يكن من حول عُتبة هم المثنين على حديثه فحسب، فهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرقبه من الجهة الأخرى من بعيد .. لم يعرف من هو ؟ لكنّه أدرك من حركاته أنّها حركات رجل نصوحٍ مشفقٍ على قومه.

قال عليّ رضي الله عنه في تتمّة حديثه في "مسند الإمام أحمد":

" لَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَّا وَصَافَفْنَاهُمْ، إِذَا رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( يَا عَلِيُّ، نَادِ لِي حَمْزَةَ )) - وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ -: (( مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ؟ وَمَاذَا يَقُولُ لَهُمْ ؟ إِنْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ يَأْمُرُ بِخَيْرٍ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ [ إِنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا ]))[4].

فَجَاءَ حَمْزَةُ رضي الله عنه، فَقَالَ: هُوَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ يَنْهَى عَنْ الْقِتَالِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: يَا قَوْمُ ! إِنِّي أَرَى قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِمْ، وَفِيكُمْ خَيْرٌ، يَا قَوْمُ، اعْصِبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي، وَقُولُوا جَبُنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ.

كان عتبة خائفا أشدّ الخوف على مجد قريش أن يُدفن في هذا الصّباح الممطر.. كان يرى الموت يُطلّ عليه من رؤوس الجبال.

وقد توجّه في الوقت نفسه حكيم بن حزام إلى أبي جهل ليُثنيه عن الحرب، ولئلاّ يُفسد كلام عُتبة في النّاس، فقال - وهو تتمّة الحديث السّابق -:"  فانطلقت، حتّى جئت أبا جهل، فوجدته قد نثل درعا له من جرابها، فهو يهنئها - أي: يهيّئها - فقلت له:

يا أبا الحكم، إنّ عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا .. فقال: انتفخ - والله - سَحَرُه[5] حين رأى محمّدا وأصحابه ! كلاّ - والله - لا نرجع حتّى يحكم الله بيننا وبين محمّد، وما بعتبة ما قال، ولكنّه قد رأى أنّ محمّدا وأصحابه أَكْلَةَ جزور وفيهم ابنه، فقد تخوّفكم عليه ".

كان أبو جهل يُحسن استغلال العواطف، وتلبيس الأمور على النّاس .. المهمّ أن يصل إلى غرضه .. وهو تقليب الحقائق، فيحوّل رأي عتبة العاقل إلى جبن وتخاذل .. ويرى - لعنه الله - أنّ جيش المسلمين لن يستغرق الوقت للقضاء عليهم أكثر من وجبة ناقة.

هكذا يرى المسلمين جزورا شهيا على مائدة بدر. ولم يكتف بذلك، بل راح يدغدغ العواطف من جديد.

قال ابن إسحاق:

" ثمّ بعث إلى عامر بن الحضرمي، فقال: هذا حليفك يريد أن يرجع بالنّاس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك..".

فقام عامر بن الحضرميّ، فصرخ: ( واعمراه .. واعمراه ..)

فحميت الحرب، وحقُب النّاس، واستوثقوا على ما هم عليه من الشرّ، وأفسد على النّاس الرّأي الّذي دعاهم إليه عتبة ".

وهنا يفقد أميّة بن خلف آخر أمل له في الحياة..لن يتركه ابن الحنظليّة حتّى يهلك .. فلم يبق له إلاّ حبل عتبة، فلا بدّ أن يُصرّ على الرّجوع..

" فلمّا بلغ عتبةَ قولُ أبي جهل: ( انتفخ - والله - سحره ) قال: سيعلم مصفرّ استِه[6] من انتفخ سحره، أنا أم هو ؟ ".

وفي رواية عليّ رضي الله عنه  عند أحمد:

" فَسَمِعَ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ هَذَا ؟ وَاللَّهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا لَأَعْضَضْتُهُ، قَدْ مَلَأَتْ رِئَتُكَ جَوْفَكَ رُعْبًا !

فَقَالَ عُتْبَةُ: إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ ؟ سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ أَيُّنَا الْجَبَانُ..

وهكذا استطاع أبو جهل أن يُضرم النّار في قلب عُتبة، وأن يحوّل ذلك القلب الهادئ إلى بركان ثائر.

وبدأت المعركة بعد ذلك.



[1] قال الإمام النّووي رحمه الله:" أمّا قضية حذيفة وأبيه، فإنّ الكفّار استحلفوهما لا يقاتلان مع النبيّ   صلّى الله عليه وسلّم في غزاة بدر، فأمرهما النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالوفاء، وهذا ليس للإيجاب، فإنّه لا يجب الوفاء بترك الجهاد مع الإمام ونائبه، ولكن أراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن لا يشيع عن أصحابه نقض العهد، وإن كان لا يلزمهم ذلك؛ لأنّ المُشيع عليهم لا يذكر تأويلا ".اهـ

[2] الضّلع من الجبل: هو الجبل الصّغير المستطيل.

[3] النّاقع: يطلق على معان ومنها-كما في "اللّسان"-:  الدّائم، من " النّقع ".

[4] ما بين المعقوفتين للبزّار (2/313-زوائد) بإسناد جيّد.

[5] السَّحر: الرّئة وما حولها ممّا يعلق بالحلقوم من فوق السرّة، و: انتفخ سحَرُه كناية عن الخوف.

[6] قولهم في الشّتم: فلان مصفرّ استه: هو من الصّفير، لا من الصّفرة، أي ضَرَّاط، وهو كناية عن الجبن والخور.

أخر تعديل في الأربعاء 20 جمادى الثانية 1434 هـ الموافق لـ: 01 ماي 2013 13:49

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.