أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الأربعاء 26 ذو القعدة 1431 هـ الموافق لـ: 03 نوفمبر 2010 08:00

- الفرق بين الإنزال والتّنزيل

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق
قييم هذا الموضوع
(3 تقيم)

- مباحث في علوم القرآن (1) الفرق بين الإنزال والتّنزيل

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً} [النساء:136].

ولا يختلف اثنان أنّ المقصود بـ( الكِتَابِ الَّذِي نُزِّلَ عَلَى رَسُولِهِ ) هو القرآن الكريم، وأنّ الكتاب ( الَّذِي أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ ) هو التّوراة والإنجيل وسائر الكتب السّماويّة.

ولكنّ الله جلّ وعلا أخبر عن القرآن بأنّه ( منزّل )، وعن غيره بأنّه ( منْزَل )، للإشارة إلى ما يُعرف في علوم القرآن بالإنزال والتّنزيل.

قال الإمام الآلوسي رحمه الله:

 

" واستعمال (نزّل) أوّلا و(أنزل) ثانيا، لأنّ القرآن نزل مفرّقا بالإجماع، وكان تمامه في ثلاث وعشرين سنة على الصّحيح وليس كذلك غيره من الكتب ".

وهذا الّذي عليه جمهور العلماء: أنّ القرآن له نزولان، وبعضهم يذكر ثلاثة:

1- النّزول الأوّل: كان إلى بيت العزّة في السّماء الدّنيا.

ويدلّ على هذا النّوع دليلان اثنان:

  • · الدّليل الأوّل: من القرآن الكريم: 

وهو قوله سبحانه:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان:3]، وقوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1]، وقوله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: من الآية185].

قال الإمام الزّرقاني رحمه الله "مناهل العرفان" (33-34):

" دلّت هذه الآيات الثّلاث على أنّ القرآن أنزل في ليلة واحدة توصف بأنّها مباركة أخذا من آية الدّخان، وتسمّى ليلة القدر أخذا من آية سورة القدر، وهي من ليالي شهر رمضان أخذا من آية البقرة.

وإنّما قلنا ذلك جمعا بين هذه النّصوص في العمل بها ودفعا للتّعارض فيما بينها.

ومعلوم بالأدلّة القاطعة ... أنّ القرآن أنزل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مفرّقا، لا في ليلة واحدة، بل في مدى سنين عددا، فتعيّن أن يكون هذا النّزول الّذي نوّهت به هذه الآيات الثّلاث نزولا آخر، غير النّزول على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم "اهـ.

  • · الدّليل الثّاني: آثار صحيحة عن حبر الأمّة وبحرها عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه.

- الأثر الأوّل: ما أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/223) وصحّحه، ووافقه الذّهبي، وابن أبي شيبة في "المصنّف" (10/533) بسند صحيح من طريق حسّان بن حريث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال:

" فُصِلَ القُرْآنُ مِنَ الذِّكْرِ [ أي: اللّوح المحفوظ ]، فَوُضِعَ فِي بَيْتِ العِزَّةِ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَجَعَلَ جِبْرِيلُ عليه السّلام يَنْزِلُ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم ".

- الأثر الثّاني: ما أخرجه النّسائي في "جزء في فضائل القرآن" (ص 59)، والحاكم (2/222) وصحّحه ووافقه الذّهبي، والبيهقيّ في "الأسماء والصّفات" (ص 303-304) من طريق داود بن أبي هند [وهو ثقة متقن]، عن عكرمة، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال:

" أُنْزِلَ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً "، ثمّ قرأ:{وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان (33)]{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} [الإسراء:106].

- الأثر الثّالث: ما أخرجه الحاكم (2/530)، والبيهقيّ في "دلائل النبوّة" (7/31) و"الأسماء والصّفات" (ص 303)، وغيرهما من طريق منصور بن المعتمر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال:

" أُنْزِلَ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَكَانَ اللهُ يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِهِ بَعْضَهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ ".

- الأثر الرّابع: ما أخرجه ابن مردويه والبيهقيّ عنه رضي الله عنه بسند فيه ضعف أنّه سأله عطيّة بن الأسود فقال:

أوقع في قلبي الشكّ قولُه تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْءَانُ}، وقوله عزّ وجلّ:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ}، وهذا أنزل في شوّال، وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجّة، وفي المحرّم، وصفر، وشهر ربيع ؟ فقال ابن عبّاس رضي الله عنه: "إِنَّهُ أُنْزِلَ فِي رَمَضَانَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مَوَاقِعِ النُّجُومِ رَسْلاً فِي الشُّهُورِ وَالأَيَّامِ ".

[رسلا: أي رفقا، وعلى مواقع النّجوم: أي على مثل مساقطها، وهو تعبير يريدون منه الأيّام والشّهور].

وقد صحّحها الحاكم كما رأينا، ووافقه الذّهبي، وبمثل ذلك ابن تيمية - كما في في "المجموع" (12/126)، و(15/223)، و(16/307)-، والحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/4)، والسّيوطي في "الإتقان" (ص 117)، والزّركشي في "البرهان" (ص 228).

قال الزّرقاني رحمه الله:

" هذه أحاديث كلّها صحيحة ... وهي أحاديث موقوفة على ابن عبّاس غير أن لها حكم المرفوع إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما هو مقرّر من: أنّ قول الصّحابيّ فيما لا مجال للرّأي فيه، ولم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليّات حكمه حكم المرفوع.

ولا ريب أنّ نزول القرآن إلى بيت العزّة من أنباء الغيب الّتي لا تعرف إلاّ من المعصوم، وابن عبّاس رضي الله عنه لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليّات، فثبت الاحتجاج بها "اهـ.

بل نقل القرطبيّ - كما في "الإتقان" للسّيوطي (1/117) - الإجماعَ على ذلك.

وهذا كلام صحيح إذا استحضرنا أنّ قول الصّحابي الّذي لا يُعلم له مخالف يعدّ إجماعا منهم.

وقد نُقِل الخلاف بعدهم في ذلك، فقيل بقولين آخرين:

- فهناك من قال: إنّ المراد من الإنزال: هذا بداية نزوله كان ( ليلة القدر )، ثمّ نزل مفرّقا، ونُسِب هذا القول إلى الشّعبي رحمه الله.

وهو قول قويّ، إلاّ أنّه يُردّ من أوجه ثلاثة:

الأوّل: أنّ أثر الشّعبي رحمه الله رواه عنه الطّبري (30/166) بإسناد ضعيف، ففيه:

أ) عمران أبو العوّام، وهو صدوق يهم، كما في "التّقريب" (2/83).

ب) وفيه عمرو بن عاصم الكلابي، فهو صدوق في حفظه شيء، كما في "التّقريب" (2/72).

الثّاني: أنّ الثّابت عن الشّعبي هو ما يوافق الجمهور، رواه عنه الطّبري بإسناد صحيح.

الثّالث: أنّه مخالف لما ذكره ابن عبّاس رضي الله عنه، وأقوال الصّحابة هي الحجّة في كلّ باب عند انعدام النّصوص.

- وهناك قول ثالث: وهو أنّه نزل إلى السماء الدّنيا في ثلاث وعشرين ليلةِ قدر، في كلّ ليلة ينزل ما يقدّر الله إنزاله تلك السّنة.

وهذا القول ذكره فخر الدّين الرّازي، ونقله القرطبيّ عن مقاتل بن حيّان. وقال السّيوطي: وممّن قال بقول مقاتل: الحليميّ، والماورديّ.

وهذا القول مدفوع أيضا  بمذهب الصّحابيّ.

فإن قيل:

ما الحكمة من نزوله جملة واحدة ؟

أ- ذكر السّيوطي نقلا عن أبي شامة في بيان حكمة ذلك فقال:

" هي تفخيم أمرِ القرآن، وأمرِ من نزل عليه صلّى الله عليه وسلّم، بإعلام سكّان السّموات السّبع أنّ هذا آخر الكتب المنزّلة على خاتم الرّسل لأشرف الأمم، وبإنزاله مرتين مرة جملة ومرة مفرقا، بخلاف الكتب السّابقة فقد كانت تنزل جملة مرة واحدة ".

ب- تعظيم أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

2- النّوع الثّاني من أنواع نزول القرآن: نزوله مفرّقا حسب الحوادث.

وهذا ممّا لا خلاف فيه بين علماء الإسلام؛ لتصريح القرآن الكريم بذلك:

قال الله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } [الفرقان: 32)].

ولهذا النّوع من النّزول حكمٌ عظيمة، منها:

1- تثبيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفق الأحداث والوقائع؛ للآية السّابق ذكرُها {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}.

2- التّمكين من حفظه وفهمه وتدبّره، قال تعالى:{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} [الإسراء:106].

3- إظهار الإعجاز في كلّ مرّة، ممّا يجدّد للقرآن قرعه للأسماع، ويجدّد نصر الإيمان، وحسرة أهل الشّرك والكفران.

4- دفع التّهمة عن القرآن من كونه كلامَ بشر قد أُتقِن وأُحكم مدّة، فإذا نزل حسب الواقعة دلّ على أنّه من عند الله، إذ ما كان يأتي به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على هذا النّحو ارتجالا.

5- التدرّج في تربية هذه الأمّة وتشريع الأحكام لها، ولو نزلت الأحكام جملة واحدة لنفرت النّفوس، واشمأزّت القلوب.

6- مسايرة الحوادث، وذلك ببيان ما يُشكل عليهم، والإجابة عن تساؤلاتهم، وكشف كيد الأعداء والمخالفين.

7- قال ابن كثير في تفسيره لآية الفرقان:

" في هذا اعتناء كبير لشرف الرّسول صلوات الله وسلامه عليه، حيث كان يأتيه الوحي من الله بالقرآن صباحا ومساء، ليلا ونهارا، سفرا وحضرا.

فكلّ مرّة كان يأتيه الملك بالقرآن لا كإنزال الكتاب ممّا قبله من الكتب المتقدمة، فهذا المقام أعلى وأجلُّ، وأعظم مكانة من سائر إخوانه من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله، ومحمد صلوات الله وسلامه عليه أعظم نبي أرسله الله، وقد جمع الله تعالى للقرآن الصفتين معا:

ففي الملأ الأعلى أنزل جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا.

ثم نزل بعد ذلك إلى الأرض منجما بحسب الوقائع والحوادث "اهـ.

3- النّوع الثّالث من أنواع نزول القرآن: نزوله إلى اللّوح المحفوظ.

كلّ ما سبق بيانه لا ينافي أنّ القرآن أوّل ما نزل إنّما أنزل إلى اللّوح المحفوظ، كما قال تعالى:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)} [البروج].

وقال عزّ وجلّ:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة].

وقال تعالى:{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)}، وقال:{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف:4].

قال ابن تيمية رحمه الله وهو يبيّن ذلك - كما في " المجموع "(12/127)-:

" فإنّ كونه مكتوبا في اللّوح المحفوظ وفي صحف مطهّرة بأيدي الملائكة، لا ينافي أن يكون جبريل عليه السّلام نزل به من الله، سواء كتبه الله قبل أن يرسل به جبريل عليه السّلام، أو بعد ذلك، وإذا كان قد أنزله مكتوبا إلى بيت العزّة جملة واحدة في ليلة القدر، فقد كتبه كلّه قبل أن ينزّله " اهـ.

والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.

أخر تعديل في الخميس 03 شوال 1432 هـ الموافق لـ: 01 سبتمبر 2011 11:22

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.