أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 11:37

- تفسير سورة البقرة (5) القرآن العظيم كتاب هداية

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

قال عزّ وجلّ:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)}.

وفي هذه الآية مسألتان:

المسألة الأولى: براعة الاستهلال في الآية.

براعة الاستهلال من بدائع علم البلاغة، وقد بيّن ما في القرآن منه ابن أبي الإصبع في كتاب سمّاه " الخواطر السّوانح في أسرار الفواتح ذكره السّيوطي رحمه الله في " الإتقان ".

وتعريف براعة الاستهلال: ( أن يشتمل أوّل الكلام على ما يناسب الأمر المتكلَّم فيه )، وقد بيّنا ذلك في سورة الفاتحة، حيث ابتدأ كتاب الله بما يدلّ عليه.

 

ومن أمثلته في سورة النّساء أنّها تضمّنت أحكام الأسباب والرّوابط الّتي بين النّاس، وهذه الرّوابط نوعان:

- مخلوقة لله ابتداءً كالنّسب.

- ومقدورة للبشر كالمصاهرة.

ولهذا افتُتِحت بقوله:{اِتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ثمّ قال:{وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}.

قال السّيوطي رحمه الله:" فانظر هذه المناسبة العجيبة في الافتتاح وبراعة الاستهلال، حيث تضمّنت الآية المفتتح بها ما جاء أكثرُ السورة في بيان أحكامه من نكاح النّساء، ومحرّماته، والمواريث المتعلّقة بالأرحام "اهـ.

فسورة البقرة من هذا القبيل، إذ لمّا شرع الله تعالى في ذكر تفاصيل ما جاء في كتابه العظيم من أحكام، وتعاليم عِظام، بدأه بنفي الرّيب عنه، وأنّه كتاب هداية وإنقاذ من سبل الغواية كما قال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:9].

المسألة الثّانية: شرح ألفاظ الآية.

-( ذَلِكَ ): (ذا) اسم إشارة، واللاّم للبعد، ويستعمل ذلك للإشارة إلى غائب، أو كلام سابق، أمّا إذا أشرت إلى حاضر أو كلام لاحق فإنّك فتقول ( هذا )، فلماذا استعمل هنا في الإشارة إلى الحاضر ؟

فالجواب عن ذلك هو: أنّه قد يُستعمل (ذلك) بمعنى ( هذا ) للتّعظيم، كما قال تعالى عن نفسه::{ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [الأنعام: من الآية95]، وقال:{ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الممتحنة: من الآية10].

فمعنى: ( ذلك الكتاب ) أي:" هذا الكتاب "، كما رواه الطّبريّ عن ابن عبّاس رضي الله عنه وعكرمة ومجاهد والسدّي.

وروى البخاري تعليقا قال:" وَقَالَ مَعْمَرٌ:{ذَلِكَ الْكِتَابُ}: هَذَا الْقُرْآنُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ} هَذَا حُكْمُ اللَّهِ ".

فمعرفة هذا الأسلوب مهمّ، لأنّ بعض المفسّرين وقف أمام ظاهر الإشارة، فقال: إنّ ( ذلك ) راجع إلى ما نزل من القرآن قبل سورة البقرة، ولا يخفى بعدُه.

وأتى بلام البعد للإشارة إلى بعد المكانة لا بعد المكان.

-( الكِتَابُ ): في لغة العرب مشتقّ من الكَتْبِ، وهو الجمع، ومنه " الكتيبة " للمجموعة من الجيش، وقالت العرب: تكتّبوا بمعنى: تجمّعوا، وتكتّبت الخيل أي: تجمّعت.

والكتاب على وزن ( فِعال ) بمعنى ( مفعول ) كفراش بمعنى مفروش، وبساط بمعنى مبسوط، وإله بمعنى مألوه، فكتاب بمعنى مكتوب أي: مجموع؛ لأنّه يجمع حرفا إلى حرف.

واستُعمل لفظ " الكتاب " ومادّته في القرآن الكريم وسنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمعانٍ أخرى، منها:

- اللّوح المحفوظ: ومنه قوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38].

- الأمر المفروض الواجب: ومنه قوله تعالى:{فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء: من الآية103]، أي: أمرا مكتوبا مفروضا، كما في قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: من الآية178] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: من الآية216].

- الوقت المحدّد: نحو قوله تعالى:{لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: من الآية38].

- المكاتبة: نحو قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: من الآية33]، والمكاتبة هي: أن يدفع العبد مالا إلى سيّده تلقاء حرّيته.

- كتاب خاصّ فوق العرش: فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي )).

والمراد به هنا هو القرآن الكريم، لا اللّوح المحفوظ، ولا الكتاب الذي فوق العرش.

فصار " الكتاب " من أسماء القرآن إلى جانب أسماءٍ أخرى كلّها تدّل على شرفه وعظمته، فيكون لكلام الله عدّة أسماء منها:

- القرآن: لأنّه مقروء.

- والكتاب: لأنّه مكتوب.

- والفرقان: لأنّه يفرّق بين الحقّ والباطل، قال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1].

- الذّكر: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت:41].

ومعنى تسميته ذكرا:

إمّا ذكرُ الله؛ فهو أعظم ما يُذكر الله به.

ويمكن أن يكون بمعنى الشّرف، نحو قوله تعالى:{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:10]أي: شرفكم.

- حبل الله: لقوله عزّ وجلّ:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} [آل عمران: من الآية103].

وبعضهم بالغ فذكر خمسة وخمسين اسما له، كالزّركشي، والصّحيح أنّها أوصاف، كالعليّ، والعزيز، والمبين والهدى والنّور، والرّوح، وغير ذلك.

-( لاَ رَيْبَ فِيهِ ): لا نافية للجنس، و الرّيب هو الشكّ، ومنه قوله تعالى:{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} [النور: من الآية50]، أي: شكّوا.

والمراد: أنّ هذا القرآن لا شك في أنّه نزل من عند الله، وهو قول جمهور السّلف كابن عبّاس رضي الله عنه وتلميذه ابن جبير، ونافع مولى ابن عمر رضي الله عنه، وغيرهم، وهو مثل قوله تعالى:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة:2].

وقد ذكر العلماء قولين آخرين لا يخالفان ما ذكره السّلف:

الأوّل: أنّه لا شكّ فيه أنّه هدى للمتّقين، وهذا حقّ لأنّ الله إذا نفى الشكّ أنّه من عنده سبحانه، فكلّ ما أخبر به لا يُشكّ فيه كذلك.

الثّاني: أنّ المراد من ( لا ريب ) النّهي، أي: لا ترتابوا، فهو خبر يراد منه النّهي، نحو قوله تعالى:{فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ} [البقرة: من الآية197]. وهذا المعنى صحيح أيضا، لأنّ الله إذا نفى الشكّ عن كتابه فلا يحلّ تكذيب خبره.

-( هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ): الهدى والهداية هو الدّلالة الكاملة.

والهدى الشّرعيّ هو: " الإرشاد إلى ما فيه صلاح العاجِل والآجل ".

وقوله تعالى:{هُدًى} وصف للقرآن الكريم وخبر آخر عنه، فهو لا شكّ فيه أنّه من عند الله، وهداية للمتّقين.

وقد يقول قائل: وهل هو هدى للمتّقين فقط ؟ أليس القرآن هداية للنّاس جميعا ؟ فالجواب أنّ:

الهداية نوعان – كما سبق بيانه في تفسير سورة الفاتحة –:

· هداية إرشاد ودلالة: وهي ثابتة لكلّ دالّ على طريق.

· وهداية توفيق: وهذه ليست إلاّ لله تبارك وتعالى الّذي قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلّبها كيف يشاء. ومنه قوله تعالى حكاية عن نبيّه شعيب عليه السّلام:{وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: من الآية88].

فالقرآن بالمعنى الأوّل للهداية ( هداية الدّلالة ): فهو هدًى للمتّقين وغيرهم، فمن قرأه وتدبّره تبيّن له الطّريق الموصل إلى الله عزّ وجلّ.

وبالمعنى الثّاني للهداية ( هداية التّوفيق ): فإنّه لا ينتفع بما في القرآن من أحكام وزيادة في الخيرات إلاّ المتّقون، أمّا غيرهم من المعرضين عنه، الّذين لا يلتفتون إليه، ولا يرفعون رؤوسهم إليه فهم لا ينتفعون به.

وهذا مثل قوله تعالى:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصّلت:17]، أي دللناهم على الخير بالآيات وهي النّاقة، فأعرضوا، كما في آية أخرى:{وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} [الإسراء: من الآية59].

( فائدة ): من القراء من يقف على قوله تعالى:{لاَ رَيْبَ}، ويستأنف من قوله تعالى:{فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، وهو وقف صحيح.

ولكنّ الوقف على قوله تعالى:{لاَ رَيْبَ فِيهِ} أولى، وذلك لسببين:

‌أ- ليصير قوله تعالى: ( هُدًى ) وصفا للقرآن، وهذا أبلغ من كونه فيه هدى.

‌ب- ليوافق قوله تعالى في سورة السّجدة:{تَنْزِيلَ الكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينِ}.

-و( المُتَّقِينَ ): من التّقوى والاتّقاء، وهي مأخوذة من الوقاية.

ومعناها في اللّغة: ما يجعله المرء من حاجز يقيه السّوء، ومنه قوله تعالى:{وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النّحل: من الآية81]، ومنه قول البراءِ رضي الله عنه-كما في مسلم-: " كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ صلّى الله عليه وسلّم".

والمراد بالتّقوى هنا: الإتيان بالطّاعات واجتناب النّواهي. وعلى التّفصيل: هو فعل المأمور، وترك المحظور، والصّبر على المقدور.

وعبارات السّلف كثيرة في تعريف التّقوى، ومعناها كلّها راجع إلى ما ذكرناه:

- سأل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أبيَّ بنَ كعب رضي الله عنه عن التّقوى، فقال له: أما سلكت طريقًا ذا شوك ؟ قال: بلى، قال: فما عملت ؟ قال: شمّرت وحذرتُ، قال: فذلك التّقوى.

وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتزّ فقال:

خلِّ الذّنـوب صغيرها *** وكبيـرها ذاك التُّـقَى

واصنع كمـاش فوق أر *** ضٍ الشّوك يحذر ما يرى

لا تحقـرنّ صغـيـرة *** إنّ الجبـال من الحصـى

- وقال الحسن رحمه الله: " التّقوى ألاّ تختار على الله غير الله، وتعلم أنّ الأمور كلّها بيد الله ".

- وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: " التّقوى ألاّ يجِد الخلق في لسانك عيبا، ولا الملائكة في أفعالك عيبا، ولا ملك العرش في قلبك عيبا ".

- وقال الواقديّ: " التّقوى أن تُزيِّن سرّك للحقّ، كما زيّنت ظاهرك للخلق ".

- وقال بعضهم: " التّقوى ألاّ يراك مولاك حيث نهاك، وألاّ يفتقدك حيث أمرك ".

المغزى العامّ للآية:

أنّ القرآن لا ريب أنّه كلام الله عزّ وجلّ، أنزله إلى خلقه كي يتّخذوه دليلا وهاديا على خير الدّنيا ونعيم الآخرة، ولكن لا ينتفع بهذا القرآن الكريم إلاّ من عمل به وأقام حدوده.

ثمّ بدأ الله عزّ وجلّ يذكر صفات المتّقين في الآية التّالية.

ولكن قبل ذلك فإنّه لا بدّ من وقفة لنتأمّل فيها منازل المتّقين عند ربّ العالمين، وذلك في حلقة قابلة إن شاء الله

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.