أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الاثنين 23 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 29 نوفمبر 2010 10:27

- تفسير سورة البقرة (8) الإيمان بالغيب هو أصل الإيمان

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فما زلنا مع تفسير قوله عزّ وجلّ:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.

فكان أوّل المباحث المتعلّقة بهذه الآية الكريمة: بيان معاني ألفاظها، والمبحث الثّاني: بيان أنّ الإيمان هو تصديق وقول وعمل. ومن أهمّ المباحث الّتي لا بدّ من التطرّق إليها في هذه الآية:

· المبحث الثّالث: الإيمان بالغيب هو أصل الإيمان.

هذا الإيمان هو: الفارق بين المسلم والكافر، والفيصل بين المهتدي المطمئنّ والضالّ الحائر.

 

وإنّ المقصود بالغيب الّذي يجب الإيمان به هو: الّذي جاء في أخبار الله عزّ وجلّ، وصحّ عن رسوله صلّى الله عليه وسلّم، لا الغيب الّذي تنسجه أقوال الدجّالين، وتختلقه عقول الخرافيّين.

بأخبار الكتاب المنير، وما صحّ من سنّة البشير النّذير صلّى الله عليه وسلّم ينكشف الغطاء في الدّنيا قبل أن ينكشف يوم القيامة، قال عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه: ( لو انكشف الغطاء ما ازددت يقينا ).

يشير رضي الله عنهإلى قوله تعالى:{ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ق: 22]، ويقصد: أنّه إن مات وعاين العالَم الآخر، وأصبح الغيب لديه شهادةً فإنّه لن يزداد يقينا بالغيب، لأنّه على يقين به.

وقال بعض السّلف:" رأيت الجنّة والنّار " فقيل له: كيف ؟ فقال: رآهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرأيتهما بعينيه، ورؤيتهما بعينيّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ، فإنّ بصري قد يزيغ أو يطغى، أمّا بصر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فما زاغ وما طغى ".

وطريقة القرآن وما صحّ من سنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هي السّبيل الأوحد لتحصيل الإيمان بالغيب، ودفع الشكّ والرّيب.

لذلك كان لا بدّ من ذكر قاعدة نافعة في هذا الباب وهي:

إذا ثبت الأثر شهد النّظر.

وإنّما قال أهل العلم: ( إذا ثبت )، ولم يقولوا: ( إذا ورد ) كما هو شائع : اشتراطاً للصحّة.

وقالوا: ( شهِد النّظر )، ولم يقولوا: ( بطل ) كما يقوله كثيرون ، لأنّ النّظر لا يبطُل، ولكنّه يشهد.

- قال الله جلّ جلاله:{ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } [الزّخرف:81]، فمعنى الآية على قول : إن ثبت أنّ لله ولداً كما تزعمون وتعالى الله عن ذلك، فأنا أوّل المصدّقين المتّبعين، وهذا معنى: إذا ثبت الأثر شهد النّظر.

- ويدلّ على ذلك أيضا حال الصدّيق رضي الله عنه .. وما لقّب بالصدّيق إلاّ ليقينه بالغيب الثّابت ..

فبعد حادثة الإسراء والمعراج العظيمة[1]، ذهب النّاس إليه ليزعزعوا إيمانه، ويزلزلوا يقينه، فقالوا له:

هل لك يا أبا بكر في صاحبك يزعم أنّه قد جاء هذه اللّيلة بيتَ المقدس ! وصلّى فيه، ورجع إلى مكّة !؟

فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه: " إنّكم تكذبون عليه ". فقالوا: بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدّث به النّاس.

فقال أبو بكر رضي الله عنه وتأمّل ما قال : ( والله لئن كان قاله لقد صدق ) أي: إذا ثبت الأثر، شهد النّظر.

ثمّ تأمّل كيف يشهد النّظر ؟ إنّه استدلال العقل السّليم، فقال:

( فما يعجبكم من ذلك، فوالله إنّه ليخبرني أنّ الخبر ليأتيه من السّماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار، فأصدّقه، فهذا أبعدُ ممّا تعجبون منه ).

أي: إنّ إثبات النبوّة أعظم بكثير من ادّعاء الذّهاب إلى بيت المقدس والعودِ منه في ليلة واحدة، فإذا آمنت بنور نبوّته صلّى الله عليه وسلّم، آمنت بكلّ ما جاء من قبساتها.

ثمّ ذهب رضي الله عنه ليتثبّت من الخبر، فأقبل حتىّ انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا نبيّ الله، أحدّثت هؤلاء القوم أنّك جئت بيت المقدس هذه اللّيلة ؟

قال صلّى الله عليه وسلّم: (( نَعَمْ )). فقال: صدقت، أشهد أنّك رسول الله. فمن يومِئذ لُقِّب رضي الله عنه بالصدّيق.

- وفي الصّحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم صَلَاةً ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (( بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، قَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحِرَاثَةِ )).

فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ! بَقَرَةٌ تَتَكَلَّمُ ؟ فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ )) وَمَا هُمَا ثَمّ.

أي: ليس في المجلس أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما.

فاعجَبْ لمن آمن بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد صلّى الله عليه وسلّم نبيّا ورسولا، ثمّ يأتيه النصّ من كتاب الله عزّ وجلّ، وما صحّ من السنّة، ثمّ يستبعد ذلك !

مواقف النّاس من الإيمان بالغيب.

إنّ هناك أربع طوائف ضلّت في هذا الأصل الجليل عن سواء السّبيل:

الأولى: طائفة أنكرت الغيب وقالوا: لا نؤمن إلاّ بما تدركه الحواسّ.

وهؤلاء حكموا على أنفسهم بالجنون لأنّهم لا يرون عقولهم، وحكموا على أنفسهم بالموت لأنّهم لا يرون أرواحهم.

الثّانية: طائفة تردّدت في الغيب، فتقدّم رجلا وتؤخّر أخرى، فآثرت التّسليم وإن كان خاليا من اليقين، وفي ذلك يقول الفيلسوف أبو العلاء المعرّي:

قال المنجّم والطبيـب كلاهمـا *** لا تبعث الأموات، قلت: إليكـما

إن صح قولكما فلست بخاسـر *** أو صح قولي فالخسار عليكــما

وهذا لن ينفع عند الله، لأنّ من شرط الفلاح والنّجاة هو الاعتقاد الجازم في الغيب، الذي لا يخالطه شكّ ولا ريب، وسيأتي إن شاء الله الحديث عن منزلة اليقين في الدّين.

الثّالثة: طائفة تُخضِع علم الغيب للعقول، ونسيت أنّ العقل عجز عن إدراك المادّيات فكيف بالغيبيّات ؟!

وهؤلاء هم الفلاسفة وعلماء الكلام، الّذين جعلوا ميزان الإيمان بالغيب هو طرق أهل الكلام والفلسفة، وقد ضربوا في بيداء لا يعرفون لها طريقا ولا يجدون فيها غير السّراب ..

هؤلاء إن لم تتداركهم رحمة الله فإنّهم يمرقون من الدّين دون رجعة، قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:" أكثر النّاس شكّا عند الموت هم أهل الكلام ".

قال الإمام الطّحاوي رحمه الله في " عقيدة أهل السنّة ":

( فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ، حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ، وَصَافِي الْمَعْرِفَةِ، وَصَحِيحِ الْإِيمَانِ، فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، مُوَسْوِسًا تَائِهًا شَاكًّا، لَا مُؤْمِنًا مُصَدِّقًا، وَلَا جَاحِدًا مُكَذِّبًا ).

قال ابن أبي العزّ الحنفيّ رحمه الله يشرح كلامه هذا:

" وهذه الحالة الّتي وصفها الشّيخ رحمه الله حال كلّ من عدل عن الكتاب والسنّة إلى علم الكلام المذموم، أو أراد أن يجمع بينه وبين الكتاب والسنّة، وعند التّعارض يتأوّل النصّ ويردّه إلى الرّأي والآراء المختلفة، فيئُول أمره إلى الحيرة والضّلال والشّك، كما قال ابن رشد الحفيد - وهو من أعلم النّاس بمذاهب الفلاسفة ومقالاتهم - في كتابه " تهافت التّهافت ":

" ومن الّذي قال في الإلهيّات شيئا يعتدّ به ؟ ".

وكذلك الآمدي، أفضل أهل زمانه، واقف في المسائل الكبار حائر.

وكذلك الغزالي رحمه الله، انتهى آخر أمره إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلاميّة، ثمّ أعرض عن تلك الطرق وأقبل على أحاديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فمات والبخاريّ على صدره.

وكذلك أبو عبد الله محمّد بن عمر الرّازي، قال في كتابه الّذي صنّفه في " أقسام اللّذّات ":

نهاية إقـدام العقـول: عـقـال *** وغايـة سعي العالمين ضـلال

وأرواحنا في وحشة من جسومـنا *** وحاصـل دنيانا أذى ووبـال

ولم نستفد من بحثنا طـول عمـرنا *** سوى أن جمعنا فيه : قيل وقالوا

فكم قد رأينا من رجـال ودولـة *** فبادوا جميعا مسرعين، وزالـوا

وكم من جبال قـد علت شرفاتها *** رجال، فزالوا، والجبـال جبال

لقد تأمّلت الطّرق الكلاميّة، والمناهج الفلسفيّة، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.اهـ

وبمثل ذلك صرّح أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، أنّه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلاّ الحيرة والنّدم، حيث قال:

لعمري لقد طفت المعاهد كلّها *** وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلاّ واضعا كفّ حـائر *** على ذقـن أو قارعا سن نادم

وقال أبو المعالي الجويني رحمه الله:

" يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أنّ الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به ".

وقال عند موته:" لقد خُضت البحر الخِضمّ، وخلّيت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الّذي نَهَوْنِي عنه، والآن فإن لم يتداركْنِي ربّي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمّي - أو قال: - على عقيدة عجائز نيسابور ".

وكذلك قال شمس الدّين الخسروشاهي -وكان من أجلّ تلامذة فخر الدّين الرّازي - لبعض الفضلاء وقد دخل عليه يوما، فقال: ما تعتقد ؟ قال: ما يعتقده المسلمون. فقال: وأنت منشرح الصّدر لذلك مستيقن به !؟ أو كما قال، فقال: نعم، فقال: اشكر الله على هذه النّعمة، لكنّي والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، وبكى حتّى أخضل لحيته.

ومن يصل إلى مثل هذه الحال إن لم يتداركه الله برحمته وإلاّ تزندق، وقال الشّافعيّ رحمه الله:" لقد اطّلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننت مسلما يقوله، ولأن يبتلى العبد بكلّ ما نهى الله عنه - ما خلا الشّرك بالله - خير له من أن يبتلى بالكلام ".

والدّواء النّافع لمثل هذا المرض، ما كان طبيبُ القلوب صلوات الله وسلامه عليه يقوله-إذا قام من اللّيل يفتتح صلاته-:

(( اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اِهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )) [خرّجه مسلم].

توسّل صلّى الله عليه وسلّم إلى ربّه بربوبيّة جبريل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحقّ بإذنه، إذ حياة القلب بالهداية، وقد وكّل الله سبحانه هؤلاء الثّلاثة بالحياة: فجبريل موكَّل بالوحي الّذي هو سبب حياة القلوب، وميكائيل بالقطر الذي هو سبب حياة الأبدان وسائر الحيوان، وإسرافيل بالنّفخ في الصّور الّذي هو سبب حياة العالم وعود الأرواح إلى أجسادها، فالتوسّل إلى الله سبحانه بربوبيّة هذه الأرواح العظيمة الموكّلة بالحياة، له تأثير عظيم في حصول المطلوب، والله المستعان ".[2]

الرّابعة: طائفة تؤمن بكلّ ما يرد عليها من أخبار الغيب، فتأخذ بالصّحيح والضّعيف والثابت والموضوع، وهؤلاء كانوا مجمع النّفايات والفضلات الّتي يلقيها الخرّاسون والكذّابون.

وسبيل الله واضح: إذا ثبت الأثر، شهِد النّظر.

والشّاهد من الآية: أنّ الإيمان بالغيب من أعظم صفات المتّقين.

والحمد لله ربّ العالمين.



[1] كما في سيرة ابن إسحاق، و" دلائل النبوّة " للبيهقيّ، بسند حسن.

[2] " شرح العقيدة الطّحاوية " لابن أبي العزّ الحنفيّ رحمه الله (1/480-484).

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.