أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الأربعاء 15 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 19 جانفي 2011 14:01

- الآداب الشّرعيّة (13) مظاهر برّ الوالدين.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ الكلمة الجامعة لبرّ الوالدين هي ( حسن الصّحبة )، قال الله عزّ وجلّ:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}، وجاء رجلٌ إلى رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بحسْنِ صَحَابَتِي ؟

قال: (( أُمُّكَ )) قال: ثُمَّ مَنْ ؟ قال: (( أُمُّكَ )) قال: ثُمَّ مَنْ ؟ قال: (( أُمُّكَ )) قال: ثُمَّ مَنْ ؟ قال: (( أَبُوكَ )) [متفق عليه].

وفي رواية: يا رسول الله مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قال: (( أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ )).

ومن مظاهر ذلك:

أوّلا: خدمتهما والشّفقة عليهما.

فإنّ جزاء الإحسان لا ينبغي أن يكون إلاّ الإحسان، فهما اللّذان رعياك من قبل ولادتك، وبعد ولادتك من صِباك حتّى بلغت أشدّك، ولو عاين الأبناء ما يُقاسيه الوالدان من ألمٍ وعناء، وتعبٍ وبلاء، لحلفوا أن لا يستريحوا عن خدمتهما، ونذروا القيام تحت أقدامهما.

واستمع إلى واعظ الخير وهو يذكّرك بذلك:

أيّها المضيّع لآكد الحقوق، المستبدل ببرّ الوالدين العقوق، النّاسي لما يجب عليه، الغافل عمّا بين يديه، برّ الوالدين عليك دين، وأنت تتعاطاه باتّباع الشّين.

تطلب الجنّة بزعمك، وهي تحت أقدام أمّك، حملتك في بطنها تسع حجج، وكابدت عند الوضع ما يذيب المُهج[1]، وأرضعتك من ثديها لبنا، وأطارت لأجلك وَسَناً[2]، وغسلت بيمينها عنك الأذى، وآثرتك على نفسها بالغذا، وصيّرت حجرها لك مهدا، وأنالتك إحسانا ورفدا، فإن أصابك مرض أو شكاية، أظهرت من الأسف فوق النّهاية، وأطالت الحزن والنّحيب، وبذلت مالها للطّبيب، ولو خيّرَت بين حياتك وموتها، لطلبت حياتك بأعلى صوتها.

هذا، وكم عاملتها بسوء الخلق مرارا، فدعت لك بالتوفيق سرّا وجهارا، فلمّا احتاجت عند الكبر إليك، جعلتها من أهون النّاس عليك، فشبعتَ وهي جائعة، ورويت وهي قانعة، وقدّمْتَ عليها أهلك وأولادك بالإحسان، وقابلتَ أيَادِيَها بالنّسيان، وصعُبَ لديك أمرُها وهو يسير، وطال عليك عمرُها وهو قصير، هجرتها ومالها سواك نصير، هذا ومولاك قد نهاك عن التأفّف،وعاتبك في حقّها بعتاب متلطّف، ستعاقب في دنياك بعقوق البنين، وفي أُخراك بالبعد عن ربّ العالمين، يناديك بلسان التّوبيخ والتّهديد، {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}.

فإذا شعرت أنّ أحدهما يريد حاجة فاسْعَ في قضائها، وإن رغب أحدهما في جرعة ماء، أو شيئا من الأكل الشّهيّ فسارع إلى تحصيله وجلبه، والإتيان به وكسبه، فلا تضيّع أجر خدمتهما، فإنّ أعظم الجهاد فيهما.

وهاك من أخبار الأوّلين، ما يرغّب في ذلك ويبيّنه أعظم تبيين:

1- قصّة أصحاب الغار الثّلاثة .. حيث يخبرنا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنهم قائلا:

(( انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهمُ الْغَارَ ! فَقَالُوا: إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ ))

فذكر عن كلٍّ منهم عملا من الأعمال الصّالحة، والشّاهد من الحديث قول أوّلهم:

(( اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَـوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبُِقُ[3] قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً[4]، فَنَأَى[5] بِي طَلَبُ شَجَرٍ يَوْمًا، فَلَـمْ أُرِحْ[6] عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَـا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْـلاً أَوْ مَالاً )).

كان بين خيارين: إمّا أن يُوقِظ الوالدين من النّوم, وإمّا أن يُطعِم الصِّبية. فلم يختر أيًّا من هذين الخيارين, ولكنّه اختار خيارًا ثالثًا، قال:

(( فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا، حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ )).

فهو طوال يومه على يسعى ويرعى ! والرّعي ليس سهلاً، بل هو من أشقّ المهن، فلا يجلس لحظة إلاّ ويطرد ويُبعِد، وحين رجع لم ينم ! بل ظلّ واقفاً، ولو أيقظهما للعَشاء لما أزعجهما.

بل كان أمامه منظر تتفطّر له الأفئدة، يصوّره لنا قائلا:

(( وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ )) [والضُّغاء هو البكاء مع صياح، وقيل هو الصّياح من أجل الجوع].

(( فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْـنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ.

فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ )). [متفق عليه].

وليتأمّل القارئ هذه القصّة الّتي لولا أنّها وحيٌ لعُدّت من الخيال وليعلم أنّ برّ الوالدين من أسباب الفرج.

2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت يوما من بيتي إلى المسجد، لم يُخرجْنِي إلاّ الجوع، فوجدت نفرا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا:

يا أبا هريرة، ما أخرجك هذه السّاعة ؟ فقلت: ما أخرجني إلاّ الجوع ! فقالوا: نحن - والله - ما أخرجنا إلاّ الجوع !.

فقمنا فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (( مَا جَاءَ بِكُمْ هَذِهِ السَّاعَةَ ؟)).

فقلنا: يا رسول الله ! جاء بنا الجوع. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بطبق فيه تمر، فأعطى كلّ رجل منّا تمرتين، فقال:

(( كُلُوا هَاتَيْنِ التَّمْرَتَيْنِ، وَاشْرَبُوا عَلَيْهِمَا مِنَ المَاءِ، فَإِنَّهُمَا سَتُجْزِيَانِكُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا )).

قال أبو هريرة رضي الله عنه: فأكلت تمرة، وخبّأت الأخرى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، لِمَ رَفَعْتَ هَذِهِ التَّمْرَةَ ؟)) فقلت: رفعتها لأمّي. فقال: (( كُلْهَا، فَإِنَّا سَنُعْطِيكَ لَهَا تَمْرَتَيْنِ )).

قال: فأكلتها فأعطاني لها تمرتين.[7]

وإذا تأمّلت هذه القصّة، بانَ لك جليّا أنّ برّ الوالدين من أسباب مضاعفة الرّزق بإذن الله عزّ وجلّ.

3- وقد لازم أبو هريرة رضي الله عنه أمّه يخدمها، ولم يحُجّ حتّى ماتت[8].

4- وهذا حُجر بن عديّ بن الأدبر رضي الله عنه: كان يلتمس فراش أمّه بيده، فيتّهم غِلَظ يدِه، فينقلب عليه على ظهره، فإذا أمِنَ أن يكون عليه شيء أضجعها[9].

5- وانظر حال الهذيل بن حفصة بنت سيرين: يقول هشام بن حسّان: كان الهذيل بن حفصة يجمع الحطب في الصّيف، فيُقشّره، ويأخذ القصب فيفلقه، قالت حفصة:وكنت أجد قَرَّةً [أي: البرد]، فكان إذا جاء الشّتاء، جاء بالكانون فيضعه خلفي، وأنا في مُصلاّي، ثمّ يقعد فيُوقد بذلك الحطب المقشّر وقودا لا يُؤذي دخانه، ويُدفئني، نمكث ذلك ما شاء الله.

قالت: وعنده من يكفيه لو أراد ذلك [أي: كان قادرا أن يكلّف خدَمه بذلك، ولكنّه يريد خدمة والدته].

قالت: وربّما أردت أن أقول له: يا بنيّ، ارجع إلى أهلك، ثمّ أذكر ما يريد فأدعه[10].

6- وعن الحسن بن نوح قال: كان كَهمَس رحمه الله وهو الملقّب بالدَعَّاء يكسح البيت، ويخدم أمّه. فأرسل إليه سليمان بن عليّ بصُرَّة، وقال: اشتر بها خادما لأمّك؛ لأنّه كان مشغولا بأمّه، وكان أبرّ شيء بأمّه، وألحّ عليه في قبولها فأبى، فألقاها في البيت ومضى. فأخذها كهمس، وخرج يتبعه حتّى دفعها إليه[11].

وكان رحمه الله يعمل في الجصّ كلّ يوم بدانِقَين [سدس درهم]، فإذا أمسى اشترى به فاكهة فأتى بها إلى أمّه.

ومن مظاهر حسن صحبة الوالدين:

ثانيا: الخوف عليهما، ودعوتهما إلى الخير.

فالخوف عليهما هو الدّليل على محبّتهما وتعظيمهما، وهما أحقّ النّاس بأن تدُلّهما على كلّ خير، وتنبّههما لاجتناب كلّ شرّ: تعلّمهما التّوحيد، وشعائر الإسلام، وتبذل لذلك وقتا كما تبذلك لأصحابك، فهم أحقّ النّاس بحسن الصّحبة.

وفي صحيح مسلم قال أبو هريرة رضي الله عنه: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما، فأسمعتني في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أكره !

فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام، فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره ! فادعُ الله أن يهدِيَ أمّ أبي هريرة.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( اللَّهُمَّ اِِهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ )).

فخرجتُ مستبشرا بدعوة نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجافٍ، فسمعَتْ أمّي خَشْفَ قدمَيَّ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة !

وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلَتْ، ولبِسَتْ درعها، وعَجِلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثمّ قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله.

قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله، أبشر، قد استجاب الله دعوتك، وهدى أمّ أبي هريرة !

فحمد الله، وأثنى عليه، وقال خيرا ".

ولم يقف أبو هريرة عند هذا فحسب، بل كان يريد المرتبة العالية له ولأمّه:

قال:" قلت: يا رسول الله ! اُدْعُ الله أن يُحَبِّبَني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين، ويُحَبِّبهم إلينا.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (( اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يعني أبا هريرة - وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ المُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ المُؤْمِنِينَ )).

فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبّني "اهـ.

ومن صور الشّفقة عليهما: أن تجتنب كلّ ما يدخل عليهما الحزن والأسى:

فالولد وهو يرى والديه يتألّمان من حاله، فعليه أن يُصلِح من شأنه، وليَعْلَم أنّه عاصٍ لله تعالى ما دام يؤلمهما ويُحزنهما.

وتأمّل ما ذكره الإمام الذّهبي رحمه الله عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله: فقد قال يحيى بن عبد الحميد: ضُرب الإمامُ لِيَلِيَ القضاءَ، فأبى، فلمّا ضُرِبت رأسُه وأثّر ذلك في وجهه بكى، فقيل له في ذلك ؟!، فقال: إذا رأته أمّي بكت واغتمّت، وما عليّ شيء أشدّ عليّ من غمّ أمّي [12].

[يتبع إن شاء الله]



[1] المُهَج: جمع مهجة: وهو الدّم، وقيل: دم القلب خاصّة، وخرجت مهجته، أي: روحه.

[2] الوَسَن: هو النّعاس، ويقال: السِّنة، كالوعد والعِدة، والوصف والصِّفة.

[3] الغَبُوق: شرب آخر النهار ويقابله الصَّبُوح، والغَبُوقة: الناقة التـي تـحلب بعد الـمغرب [" لسان العرب "].

[4] أي: من رقيق وخدم، وكلّ ما يملكه الإنسان ويقبل البيع والشّراء يسمّى مالا.

[5] النَّأْيُ: البُعدُ، نَأَى يَنْأَى: بَعُدَ، والمراد أنّه استطرد مـع غنمه في الرّعي إلى أن بَعُد عن مكانه زيـادة على العادة، فلذلك أبطأ.

[6] أي: لم أرجع، ومنه قول العرب: يغدو ويروح.

[7] " سير أعلام النّبلاء "(2/592-593)، و" طبقات ابن سعد "(4/329).

[8] تاريخ ابن عساكر (47/517-517).

[9] " علوّ الهمّة " (5/649).

[10] " صفة الصّفوة " (4/25).

[11] "حلية الأولياء"(6/212).

[12] " مناقب الإمام أبي حنيفة " (ص15-16).

أخر تعديل في الأربعاء 28 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 02 فيفري 2011 17:16

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.