أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

السبت 18 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 22 جانفي 2011 09:34

- الآداب الشّرعيّة (14) مظاهر برّ الوالدين: الدّعاء لهما وطاعتهما.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فمن مظاهر حُسن صحبة الوالدين، ومن مجالات البرّ بالأبوين الكريمين:

ثالثا: الدّعاء لهما في حياتهما، وبعد موتهما.

فكثير منّا يحفظ قولَ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ؛ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ )) [رواه أبو داود وغيره وهو صحيح].

وما من أحدٍ إلاّ ويُقِرّ بأنّ معروف الوالدين لا يُحدّ، وأنّ جميلهما لا يُردّ، فهما أولى من يَحْرِصُ العبد على الإكثار من الدّعاء له.

وقد علّمنا الله عزّ وجلّ ذلك فقال:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24].

وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) [رواه مسلم].

وروى الإمام أحمد وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا ؟! فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ ))..

وروى الإمام مالك رحمه الله أَنَّ سَعِيدَ ابْنَ الْمُسَيَّبِ كَانَ يَقُولُ:" إِنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ - وَقَالَ بِيَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَرَفَعَهُمَا-".

وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى بارّا بوالديه، وكان يدعو لهما ويستغفر لهما مع شيخه حمّاد، ويتصدّق عن كلّ شهر دينارا عن والديه.

وهذا أبو يوسف القاضي: كان يقول عقب كلّ صلاة:" اللهمّ اغفر لأبوَيّ، ولأبي حنيفة " [" برّ الوالدين " للطّرطوشي (ص 77)].

رابعا: تعظيمهما وتعظيم أمرهما في غير معصية الله عزّ وجلّ.

هذا نبيّ الله إسماعيل عليه السّلام الأنموذج العالي في برّ الوالدين، قال تعالى:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافّات:102].

يقول:{يَا أَبَتِ} ! وشبح السّكين لا يزعجه ولا يُفزعه، بل لا يُفقده أدبه ومودّته !

فما كان جزاءُ الطّاعة إلاّ أن قال الله عزّ وجلّ:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.

فطاعتهما في غير معصية، لا يأتي من وراءها إلاّ الخير كلّه، كما أنّ عصيان أمرهما لا يأتي إلاّ بالشرّ كلّه، ولا ينبّئك مثل جريج العابد:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَمْ يَتكَلَّمْ في المَهْدِ إلاَّ ثَلاثَةٌ: عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِب جُرَيْج:

وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِداً، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً فَكَان فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ.

فقال: يَا رَبِّ، أُمَي وَصَلاتِي ؟! فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ.

فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلَي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فقال: أَيْ رَبِّ، أُمِّي وَصَلاتِي ؟! فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ.

فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، أَتَتْهُ وَهُوَ يُصلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فقال: أَيْ رَبِّ، أُمِّي وَصَلاتِي ؟! فأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ.

فَقَالَت: اللَّهُمَ لا تُمِتْهُ حَتَّى ينْظُرَ إلَى وُجُوهِ المُومِسَاتِ [والمُومِسات: هنّ البغايا].

فَتَذَاكَرَ بَنُو إسْرَائِيلِ جُرِيجاً وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا.

فَأَتَتْ رَاعِياً كَانَ يَأْوي إلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا. فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ !

فَأَتَوْهُ، فَاسْتَنْزَلُوهُ، وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ ! وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ ! فقال: مَا شَأنكُمْ ؟ قالوا: زَنَيْتَ بِهذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنكَ.

قال: أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ فَجَاءوا بِهِ، فقال: دَعُوني حَتَّى أُصَلّيَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقالَ: يَا غُلامُ مَنْ أَبُوكَ ؟ قال: فُلانٌ الرَّاعِي.

فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ، وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِن ذَهَبِ، قال: لا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا ...)).

فإنّ جريجاً كان في أشرف المقامات، وأعظم الطّاعات، وهي التقرّب إلى الله عزّ وجلّ بالصّلاة والمناجاة، ومع ذلك لم يَحُل ذلك كلّه بينه وبين البلاء الّذي نزل من السّماء بسبب عدم إجابته نداء أمّه !

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وفي الحديث أيضا عِظَمُ بِرّ الوالدين، وإجابة دعائهما، ولو كان الولد معذورا .."اهـ.

فكيف بمن ترك إجابة أمرهما من غير عذر ؟!

- ومن الأعلام في هذا الباب: هشام بن حسّان رحمه الله.

فمن ذا الّذي يجهل منزلة الحجّ من الدّين، ومكانتها عند ربّ العالمين ؟

وها هو هشام بن حسّان رحمه الله يعزم على حجّ بيت الله الحرام، ولكن يقضي الله ما يشاء، ويحدث له ما يثنيه عن عزمه، فما الّذي منعه من حجّته تلك ؟

يقول الفلاّس رحمه الله: كان هشام بن حسّان من العابدين، أحضرْتُ إلى بابه الجملَ والزّادَ والسّفرة ليحجّ، فشقّ على أمّه، وأخذها شبه الرّعدة، فترك الحجّ من أجلها، فلمّا توفّيت، كان لا يدع الحجّ.

- وصورة أخرى من صور البرّ بالأمّ خاصّة: ما حدث للإمام ابن عساكر رحمه الله، الّذي كان كغيره من العلماء والمحدّثين يرحل في طلب العلم وينشط لجمعه من مصادره ولو نَأَت به البلاد، وفارق لأجلها المال والأولاد:

وكانت أصبهانُ حاضرةً من حواضر العلم في عصره، وكان السّفر إليها سبيلا للاستزادة من العلوم، ولكنّ الإمام مع كلّ هذا تأخّر في السّفر إليها، فما سبب ذلك التأخّر ؟

لقد سئل الإمام ابن عساكر رحمه الله عن ذلك فأجاب بصراحة ووضوح: لم تَأْذَنْ لِي أمّي !

وهذا الجواب يعُدُّه كثير من شبابنا هذه الأيّام من خوارم الرّجولة ! وقوادح الفحولة ! ويخشى أن يُعيّر بذلك ! ولكن أين ذكرهم وذكر ابن عساكر رحمه الله ؟

- ومن الأبناء من ترك الطّعام مع والدته حتّى ظنّ بعض النّاس أنّ ذلك معارض لحقّ البرّ بها: فقد قيل لعليّ بن الحسين رحمه الله: أنت من أبرّ النّاس، ولا نراك تؤاكل أمّك !؟ فبادرهم بجواب لا يقوله إلا بارّ، قال: أخاف أن تسير يديّ إلى ما سبقت عينُها إليه، فأكون قد عققتها !

- ومن مظاهر تعظيمهما ألاّ ترفع صوتك على صوتيهما، أو بحضرتهما:

قال محمّد بن محيريز رحمه الله:" من مشى بين يدي أبيه فقد عقّه، إلاّ أن يمشي فيُميط عن طريقه الأذى، ومن دعا أباه باسمه فقد عقّه، إلاّ أن يقول يا أبت ".[" التّبصرة " لابن الجوزيّ (1/160)].

وذكر الذّهبيّ رحمه الله عن أبي بكر [وهو ابن عيّاش] قال: كنت مع منصور بن المعتمر جالسا في منزله، فصاحت به أمّه - وكانت فظّةً عليه - فتقول:" يا منصور، يريدك ابن هُبيرة على القضاء فتأبى !" وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع طرْفه إليها " [" سير أعلام النّبلاء " (5/405)].

هؤلاء رحمهم الله أدركوا ما لا يُدركه الكثيرون: أنّ الوالدين هما الوالدان وكفى .. فهما لا يريان ابنَهما إلاّ أنّه ابنُهما الّذي لا يسعه إلاّ أن يلبّي رغباتهما في أيّ وقت، وكيفما شاءا، ودون مقدّمات.

حتّى ولو كان الابن عند النّاس بأشرف المنازل من علمٍ، أو جاهٍ، أو غير ذلك.

- هذا إمامٌ من أئمّة المسلمين، كان ينزل عند رغبات أمّه مهما كانت، وهو حيوة بن شريح رحمه الله: كان يقعد في حلقته يُعلِّم النّاس، فتقول له أمّه: قُم يا حيوة، فأَلْقِ الشّعير للدّجاج. فيقوم، ويترك التّعليم.

لم يمنع هذا العالِمَ الجليلَ مجلسُه بين أهل العلم وطلبته الّذين قد أثنوا الرّكب من حوله، وقد تطلّعت إليه أعناقهم، وطافت به نظراتهم هيبة وإجلالاً له، من أن يُنفِّذ رغبة أمّه ! تلك الرّغبة قد تكون حقيرةً في نظر أكثر النّاس، أو على الأقلّ - في نظر الكثيرين - يمكن أن تؤجّل إلى حين.

ولكن هؤلاء لا ينظرون بأنظار النّاس، فبلغوا ما لم يبلغه النّاس.

- سُئل الإمام أحمد رحمه الله عن الرّجل يصوم وأبواه ينهيانه، فقال: ما يُعجبني أن يصوم إذا نهياه، ولا أحبّ أن ينهياه.

وفي رواية قال رحمه الله: روي عن الحسن أنّه قال: يُفطر، وله أجر البرّ وأجر الصّوم إذا أفطر.

وقال في رواية أخرى: إذا أمره أبواه أن لا يصلّي إلاّ المكتوبة ؟ قال: يداريهما ويُصلّي.[" الآداب الشّرعية " لابن مفلح (2/60)"].

والآن - رعاك الله وحماك - ماذا ستقول عندما تعلم أنّ كثيراً من الأبناء اليوم عندما تتعارض مصالحهم الشّخصية الدّنيوية مع رغبات والدَيْه الضّرورية؛ تجدهم يفضّلون مصالحهم التّافهة.

قال ابن القيّم رحمه الله في " مدارج السّالكين ":

" فانظر إلى الأدب مع الوالدين: كيف نجّى صاحبّه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصّخرة ؟ والإخلال به مع الأمّ تأويلا وإقبالا على الصّلاة كيف امتُحِن صاحبُه بهدم صومعته، وضرب النّاس له، ورميه بالفاحشة ! وتأمّل أحوال كلّ شقيّ ومغترّ ومدبر: كيف تجد قلّة الأدب هي الّتي ساقته إلى الحرمان ؟"اهـ.

صورةٌ واحدة من هذه الصّور المشرقة كافيةٌ لتذكير المسلم بعِظم حقّ الوالدين، وجليل منزلتهما، وتذكّره بما رواه النّسائيّ أنّ جَاهِمَةَ السّلَميّ رضي الله عنه جاء إلى النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:

يا رَسُولَ اللهِ، أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ، وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ ؟ فَقَالَ: (( هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟)) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (( فَالْزَمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا )).

فهذا الرّجل دعاه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إلى أن يترك هذه الشّعيرة العظيمة، ليس لشيء، إلاّ لأجل أن يبرّ بأمّه.

والله الموفّق لا ربّ سواه.

أخر تعديل في الأربعاء 28 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 02 فيفري 2011 19:35

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.