أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الجمعة 22 ربيع الأول 1432 هـ الموافق لـ: 25 فيفري 2011 11:00

- خلق الغيرة

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فإنّ موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارة عن صرخة في أذن كلّ مؤمن ..

صرخة من الصّرخات، وليست همسة من الهمسات؛ لأنّ الهمسة لم تعُد تجلب نفعا ولا تدفع ضرّا، ولا تجلب خيرا ولا تدفع شرّا ..

في أذن كلّ مؤمن .. نعم؛ لأنّه لا ينتفع بالذّكرى إلاّ من حرص على الإيمان، وخشي الذّنوب والعصيان، وكما قال تعالى في كتابه المبين:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذّاريات:55]، وقال في كتابه المجيد:{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:من الآية45].

فإنّي أدعوكم معاشر المؤمنين إلى أن نتحدّث عن خلق من مكارم الأخلاق، وأدب من أفضل الآداب .. تعالوا بنا اليوم لنتصفّح أدبا من آداب الإسلام, ونتفقّد ما يكاد يضيع من شعب الإيمان, إنّه خلق جاء الإسلام لتمكينه, وبعث النّبي صلّى الله عليه وسلّم لتوطيده وتمتينه, ألا إنّه خلق " الغيرة "، ولا أقصد الغيرة من الشّيء، ولكن أقصد الغيرة على الشّيء.

تعالوا بنا فقد صار هذا الخلق بين أهله غريبا، ومن تحلّى به عجيبا، يشتاق إلى أهله الّذين كانوا يُعلُون رايته، ويغمرون بالفضيلة ساحته .. خلقٌ قلّ أهله وناسه، فضاقت عليه أنفاسه:

مررت على المكارم وهـي تبكي *** فقلت علام تنتحب الفتـاة

فقالت: كيف لا أبـكي وأهلي *** جميعا دون خلـق الله ماتـوا

وصدق عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى حين قال:" نحن إلى قليل من الأدب أحوج منّا إلى كثير من الفقه "..

هذا قاله في العصر الذّهبي لأمّة الإسلام، يوم انتشر الفقه انتشارا عظيما، فما القول في عصر صار من الفقه عقيما ..

قال ذلك يوم كان يلتفت فإذا به يرى سفيان الثّوري، وابن عيينة، والحسن البصريّ، والفضيل بن عياض، ومنصور بن المعتمر، وغيرهم من سادات الأصفياء، وخيار الأتقياء ..

فما عسانا نقول في عصر تُحارب فيه آداب الإسلام من أصحابها، وتداس معالم الأخلاق من طلاّبها ؟!..

فتعالوا بنا لنرى ما جاء في فضل الغيرة، ولوازمها وآثارها وما يدلّ عليها، فـ:

إنّ الدّعاوى ما لم تقيموا عليها *** بيّنـات فأصحابـها أدعيـاء

فاعلموا معاشر المؤنين والمؤمنات - أنّ أعظم ما جاء في فضائل الغيرة على الشّيء:

- أنّها صفة من صفات الله عزّ وجلّ:

فنحمده سبحانه حمداً يوافي نعمه، ويدفع نقمه، ويكافئ مزيده، على صفات الكمال ونعوت الجلال التّي اتّصف بها.

فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ )).

بل ليس ثمّة أحدٌ في الوجود أشدّ غيرة من الله سبحانه, ففي صحيح البخاري ومسلم أيضا عن عبد اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لاَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ؛ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )).

وفي الصّحيحين أيضا عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ... فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ((.. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِىَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ؟)).

وفيهما أيضا عن المُغِيرة بنِ شعبةَ رضي الله عنه قال: قال سعدُ بنُ عبادةَ رضي الله عنه: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ عَنْهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: (( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟ فَوَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )).

عباد الله، لقد قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: من الآية180]: فينبغي للعبد أن يسارع إلى أن يتعبّد الله جلّ جلاله بهذه الصّفة العظيمة, فتظهر في حياته ومعاملاته وانفعالاته, وخطراته وسكناته وحركاته.

- ومن فضائل الغيرة أنّها دليل على المحبّة:

يقول ابن القيّم رحمه الله في " روضة المحبّين ":

" من غيرة الله على عبده أن ييسّر له أسباب النّجاة يوم القيامة فيزهّده في الدّنيا, وقد روى التّرمذي والإمام أحمد بسند صحيح عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رضي الله عنه أنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً حَمَاهُ الدُّنْيَا، كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ المَاءَ )).

فكلّ من يسّر الله له أسباب الطّاعة، والاقتراب منه تعالى فليُبشر بأنّ الله غار عليه دون كثير من الخلق.

كما أنّ من غيرة الله تعالى أنّه يحجب الهدى والنّور عمّن لا يستحقّه وليس أهلاً له، فقد كان بعض الصّالحين إذا قرأ قوله تعالى:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً} [الإسراء:45] قال: " تلك غيرة الله تعالى ".

هذه غيرة الله، وهاهي آثارها، محبّة، وحماية، وقربة ورعاية .. فأين غيرتك على دينه وشرعه ؟!

من أعظم وأحلى وأحسن ما سجّلته لنا السّيرة العطرة في هذا المقام، غيرة أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على نبيّهم وحمايتهم له:

فهذا ينام مكانه في فراشه ليلة هجرته، ويرى أنّ نفسه لا قيمة لها أمام خدمة دين الله تعالى، ذلك الفتى عليّ رضي الله عنه.

وهذا يريد أن يحمي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بألف جسد لو استطاع .. فقد روى البغويّ وابن هشام بسند حسن أنّ أبا بكر رضي الله عنه كان يكون مرّة أمام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومرّة خلفه، فسأله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فقال رضي الله عنه:" إذا كنتُ خلفَك خشِيت أن تُؤْتَى من أمامِك، وإذا كنتُ أمامَك خشِيت أن تُؤْتَى من خلفِك ".

ولم يطمئنّ له بال، ولم يهدأ له حال، حتّى لامست قدماه غار ثور ..

كان درعا تحمي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .. كان حاله هذا يقول لحيّات الغار وعقاربه: ها هو جسد أبي بكر حيّا طريّا فالتهميه ! هاهو جسد أبي بكر انشري فيه سمومك ومزّقيه ! أمّا أن تمسِّي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي تنتظره الأرض جمعاء، بعد شوق دام قرونا وقرونا، فلا !

هذا الموقف هو ما جعل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يحمرّ وجهه يوم سمع قوما يفضّلونه على أبي بكر رضي الله عنه ! إنّه كان يعرف من هو أبو بكر رضي الله عنه.

جاء في رواية البيهقيّ في "الدّلائل" أنّه حين بلغ عُمَرَ ذلك، صاح في النّاس قائلا:

" والله لليلة من أبي بكر رضي الله عنه خير من آل عمر .. وليوم من أبي بكر خير من عمر .. لقد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة انطلق إلى الغار، ومعه أبو بكر رضي الله عنه، فجعل يمشي ساعة بين يديه، وساعة خلفه، حتّى فطِن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: (( يَا أَبَا بَكْرٍ ! مَا لَكَ تَمْشِي سَاعَةً خَلْفِي، وَسَاعَةً بَيْنَ يَدَيَّ ؟ )) فقال: يا رسول الله ! أذكر الطّلب فأمشي خلفك، ثمّ أذكر الرّصد فأمشي بين يديك. قال عمر رضي الله عنه: فلمّا انتهيا إلى الغار قال أبو بكر رضي الله عنه: مكانك يا رسول الله ! حتّى أستبرئ. فدخل فاستبرأ ثمّ قال: انزل يا رسول الله ! فنزل. والّذي نفسي بيده، لتلك اللّيلة خير من آل عمر".

كيف يفلح الكفّار وهم يحاربون قوما أمثال هؤلاء .. قوم شعارهم الأوّل والأخير:

أغــار عليك مـن نفسـي، ومـنّـي *** وذاك فـي سبـيـل الله مـا حـيـانـي

ولو أنّـي خبّـأتـك فـي عـيـونـي *** إلـى يـوم القـيـامـة مـا كـفـانـي

- ومن فضائل الغيرة أنّها محرّك القلوب والأبدان:

فعليها يقوم الدّين كلّه، يقول ابن القيّم رحمه الله:" إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبّة, بل ترحّل الدّين كلّه ".

وما شرع الله النّصح، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، إلاّ لتجسيد هذا الخلق في أرض الواقع, فالغيرة سمّيت غيرة لتغيّر القلب وهيجانه وغضبه عند المساس بما يغار عليه, فمن حُرِم هذا الخلق الكريم حُرِم طُهْرَ الحياة, ومن حُرِم طُهْرَ الحياة فهو أحطّ من بهيمة الأنعام.

وللأسف الشّديد لم يرض أكثر المسلمين ما رضيه الله لهم, ورضوا بأن يتّبعوا إخوان القردة والخنازير الّذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ, فصاروا يلمزون إخوانهم الغيورين على أعراضهم وعلى دينهم وعلى قيمهم ومبادئهم, يلمزونهم بالجهل والتّخلّف, عوضاً من أن يصفوهم بالعلم والتخلّق, ونسوا أو تناسوا الوعيد الشّديد الّذي رتّبه الله على من يقرّ الفاحشة في أهله:

فقد روى النّسائي وغيره عن ابن عمرَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ: العَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، وَرَجُلَةُ النِّسَاءِ )).

وروى الطّبرانيّ عن عمّارِ بنِ ياسرٍ رضي الله عنه عن رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ أَبَداً: الدَّيُّوثُ، وَالرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ، وَمُدْمِنُ الخَمْرِ )). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَّا مُدْمِنُ الخَمْرِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الدَّيُّوثُ ؟ قَالَ: (( الَّذِي لاَ يُبَالِي مَنْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ )). قُلْناَ: فَمَا الرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ ؟ قَالَ: (( الَّتِي تَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ )).

الخطبة الثّانية:

الحمد لله على إحسانه، وعلى جزيل نعمه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله الدّاعي إلى سبيله ورضوانه، اللهمّ صلّ عليه وسلّم وعلى أصحابه وآله، وعلى كلّ من اتّبع طريقه وسار على منواله، أمّا بعد:

فإنّ من فضائل الغيرة أيضا:

- أنّها صفة الفحول من الرّجال والطّاهرات من النّساء:

لقد بُعِث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأقرّ ما كان عليه العرب من أخلاق حسنة، وألغى ما كانوا عليه من أخلاق رديئة, وهذّب ما كان يحتاج إلى تهذيب, فقد روى الإمام أحمد عن أنَسٍِ رضي الله عنه عنِ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ )).

ومن مكارم الأخلاق التّي كان عليها الجاهليّون: غيرة الرّجل على محارمه وعرضه وقيمه, بل كان بعضهم يشتطّ في هذا الأمر ويبالغ فيه حتّى وصل الحال ببعضهم إلى أن يئد ابنته وفلذة كبده خوفاً من أن تقع في الفَاحشة إذا كبرت !

ومن أخبار العرب في ذلك: حرب الفجّار، تلك الحرب الّتي قامت بين قريش وهوازن ودامت أربعة أعوام كاملة, وما سمّيت بحرب الفجّار إلاّ لانتهاك حرمة الأشهر الحرم الّتي أجمع العرب على حرمة القتال فيها. فلماذا قامت هذه الحرب ؟

كان ذلك بسبب أن تعرّض شباب من كنانة لامرأة واحدة, أرادوا أن يكشفوا عن وجهها, فنادت:يا آل بني عامر ! فأجابتها سيوف بني عامر.

- فجاء الدّين ليهذِّب خلق الغيرة ويقوّمها, وجعلها من شعب الإيمان .. بل جعل الّذي يموت حماية لعرضه مع الشّهداء في الجنان والخيرات الحسان ..

فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السّنن عن سعيدِ بن زَيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ )).

- وقد تمسّك الصّحابة بهذا الأدب الربّانيّ، والهدي النبويّ، وهم يستمعون إلى سيّد الرّجال الفحول يُخبرهم بأنّ الموت من أجل حرمة المسلم شهادة عند عالم الغيب والشّهادة, فلم يكن غريباً ما حدث مع يهود بني قينقاع ( إحدى قبائل اليهود ):

فقد روى أهل السّير أنّ امرأة مسلمة قدمت بجلب لها - وهو ما يجلبه النّاس ليبيعوه في الأسواق - فباعته بسوق بني قينقاع, فجعل بعض اليهود يريدون كشف وجهها، فأبت, فعمد أحدهم إلى طرف ثوبها، فعقده إلى ظهرها وهي لا تشعر، فلمّا قامت انكشفت عورتها ! فصاحت. هنالك وثب رجل من المسلمين على اليهودي فقتله, وقام اليهود فقتلوا المسلم, فسار إليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وحاصرهم حتّى نزلوا على حكمه, فأجلاهم إلى الشّام.

ومن أنفس ما حفظه لنا علماؤنا قصّة تكتب بماء الذّهب - وقد ذكرها ابن الجوزي في " المنتظم "، وابن كثير في " البداية والنّهاية "- في أحداث 686 هـ، جرت لامرأة اختصمت مع زوجها إلى قاضي الرّي، ادّعت على زوجها صداقا قدره 500 دينار، وقالت: ما سلّمه لي أبدا. فأنكر الزّوج، فجاء الشّهود الّذين حضروا مجلس العقد، فقال الشّهود:" نريد أن تُظهر لنا وجهها حتّى نعلم أنّها الزّوجة ".

ومن المقرّر أنّ هذا من المواطن الّتي أباح الله فيها النّظر إلى المرأة، إذ لا يخفى عليكم أنّ نظر الرجل إلى المرأة محرّم إلاّ في مواطن ضيّقة: كالخِطبة، والمعاملة كبيع وإجارة، وفي الشّهادة كما في قصّتنا هذه .. لكن ..

لمّا سمع الزّوج ذلك صرخ .. صرخ وقال: لا تفعلوا هي صادقة فيما تدّعيه.

إنّه يريد صيانة زوجته من أن يراها الرّجال ..

فلمّا رأت الزّوجة ذلك منه، وأنّه ما أقرّ إلاّ ليصون وجهها، قالت: هو في حِلٍّ من صداقي في الدّنيا والآخرة ".

لذلك قال ابن الجوزيّ رحمه الله قبل أن يذكرها:" ومن عجائب ما وقع من الحوادث في هذه السّنة .." ثمّ روى القصّة بسنده.

وقال قاضي الريّ:" اكتبوها في مكارم الأخلاق ".

تنبيهات:

وأريد أن أذكّر إخواننا وآباءنا وأمّهاتِنا وأخواتِنا ببعض مظاهر التّفريط في الغيرة والتّقصير فيها، فإنّه لم يخطر ببال أحد من النّاس أن تصل بلادنا هذه - عمّرها الله بالطّاعة - إلى ما وصلت إليه, فالمسلم الجزائري معروف برجولته وشهامته ونخوته, والمرأة الجزائرية معروفة بعفّتها وكرامتها, فما الّذي أوصلهم إلى كلّ هذا الانحلال، وتغيّر الأوضاع والأحوال ؟! فذهاب حرارة الغيرة من القلوب أدّى إلى ظهور كثير من الفساد.

ومن مظاهر التّفريط في الغيرة:

1- أن يترك الرّجل نساءه ومن تحت ولايته تلبس ما شاءت من الللّباس، وتخرج مُبْدِيَةً زينتها للنّاس, مائلات عن منهج علاّم الغيوب, مميلات لكثير من القلوب, ونسي الجميع أنّ التبرّج عقوبة من الله تعالى لعباده.

نعم، إنّ الله يعاقب بنات آدم إذا زُغن عن منهجه بالتبرّج، وتأمّلوا يوم عصى آدمُ ربّه عزّ وجلّ فكان العقاب: كشف عوراتهما، قال الله تعالى:{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ}.

2- ومن مظاهر ترك الغيرة: أنّك ترى أحدهم لا يبالي أن تخلُوَ امرأته بالرّجال الأجانب ! بالبائع في المتجر, أو بالطّبيب في العيادة، أو غير ذلك, ولا يرى في ذلك بأساً, ونسي وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ )).

3- ومن صور التّفريط في الغيرة :خروج الرّجل مع امرأته ومحارمه إلى بعض التّجمعات العامّة الّتي يكون فيها فساد عريض، ممّا يعرض المرأة إلى الفتنة.

4- ومن صور خفّة الغيرة في الرّجل: أن يترك امرأته تسافر دون محرم، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( لاَ تُسَافِرُ المَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ )) فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً, وَإِنِّي اُكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا ؟ قَالَ: (( اِنْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَهَا )) .. هذا مجاهد في سبيل الله، أمره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يترك الغزو في سبيل الله، كي يرافق زوجته الّتي خرجت في سفر من أعظم الأسفار، وهو: حجّ بيت الله الحرام, ومع رفقة هم أزكى النّاس وأتقاهم يومئذ، ثمّ إنّها قد خرجت ومضت، ومع هذا كلّه قال له: (( اِنْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَهَا )).

هذا غيض من فيض, وقطر من بحر, فلا يظنَّ أحد بربّه إلاّ خيرا, فالغيرةَ ! الغيرةَ ! فإن لم تَغَارُوا، فاعلموا أنّ ربّكم يغار، فلا أحد أغير منه تعالى, ولا يصدنّكم عن هذا الخلق العظيم من غرق في مستنقعات الرّذيلة، وابتعد عن أنهار الفضيلة, فاعلم أنّ أكثر النّاس لا يعلمون، وأكثرهم لا يفقهون.

أخر تعديل في الأربعاء 28 جمادى الثانية 1432 هـ الموافق لـ: 01 جوان 2011 08:11

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.