أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الجمعة 20 شوال 1438 هـ الموافق لـ: 14 جويلية 2017 07:52

- الآداب الشّرعيّة (22) حفظ الوقت

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فإنّ " النّاس في هذا العالم سَفْرٌ، وأوّل منازلهم المهد، وآخرها اللّحد، والوطن هو الجنّة أو النّار، والعمر مسافة السّفر، فسِنُوه مراحله، وشهورُه فراسخه، وأيّامه أمياله، وأنفاسه خطواته، وطاعته بضاعته، وأوقاته رءوس أمواله، وشهواته وأغراضه قطّاع طريقه، وربحه الفوز بلقاء الله تعالى في دار السّلام مع الملك الكبير والنّعيم المقيم، وخسرانه البعد من الله تعالى مع الأنكال والأغلال والعذاب الأليم في دركات الجحيم.

فالغافل في نفس من أنفاسه حتّى ينقضيَ في غير طاعة تقرّبه إلى الله زلفى، متعرّض في يوم التغابن لغبينة وحسرة ما لها منتهى، ولهذا الخطر العظيم والخطب الهائل شمر الموفّقون عن ساق الجدّ، وودّعوا بالكلّية ملاذ النّفس، واغتنموا بقايا العمر ".["الإحياء" (1/391)].

فالزّمن أجلّ نعم الله تبارك وتعالى، لا يعلم قدرها ويحسن استغلالها إلاّ من وفّقه الله، روى البخاري عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه قال: قال النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ )). 

 

وقالت حفصة بنت سيرين رحمها الله: يا معشر الشّباب، اعملوا، فإنّي رأيت العمل في الشّباب.

وقال قتادة رحمه الله تعالى: اعلموا أنّ طول العمر حجّة، فنعوذ بالله أن نُعيّر بطول العمر {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:من الآية37].

وروي عن الحسن البصريّ رحمه الله أنّه قال:" يا ابن آدم، إنّما أنت أيّام، كلّما ذهب يومٌ ذهب بعضك ".

وهذا معنى يشترك في معرفته النّاس جميعاً، ولكنّ الإسلام زاد على ذلك المعنى حين جعل الوقت بمثابة رأس مال يحاسب عليه الإنسان؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ؟)) [رواه التّرمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه].

وتزداد المحاسبة حين يزداد رأس المال؛ قال المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: (( أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً )).

ولكن الوقت يزيد عن المال؛ فالمال يُدّخر ويُقايض، بل قد يُعوّض إذا أُهدر، ولكنّ الوقت لا سبيل لادّخاره أو مقايضته أو استرجاعه، إضافة إلى ذلك: أنّ الوقت هو المورد الوحيد الذي نُرغم على صرفه سواءً أردنا أم لم نرد !

كان يحيى بن معاذ الرّازي رحمه الله يقول:" الفوت - وهو ضياع الوقت -أشدّ من الموت، لأنّ الموت انقطاع عن الخلق، والفوت انقطاع عن الحقّ ".

وقال أحدهم:" يا هذا، إنّما الأيّام ثلاثة: أمس قد مضى بما فيه، وغدا لعلّك لا تدركه، وإنّما هو يومك هذا فاجتهد فيه، فلله درّ من تنبّه لنفسه، وتزوّد لرمسه، واستدرك ما مضى من أمسه، قبل طول حبسه ".

لا تقل كنّا وغدا سوف نكون *** فأمس قد ولّى، وغدا قد لا يكون

قال ابن القيّم رحمه الله في " مدارج السّالكين "(3/128)وهو يتكلّم عن عالي الهمّة:

" فهو قائم بما هو مطالب به في الحين والسّاعة الرّاهنة، فهو لا يهتمّ بماضي وقته وآتيه، بل يهتمّ بوقته الذي هو فيه، فإنّ الاشتغال بالوقت الماضي والمستقبل يضيع الوقت الحاضر .. قال الشّافعي رحمه الله: صحبت الصّوفية فما انتفعت منهم إلاّ بكلمتين سمعتهم يقولون: الوقت سيف فإن لم تقطعه قطعك، ونفسك إن لم تشغلها بالحقّ شغلتك بالباطل ".

إنّ ديننا الحنيف يحثّ المسلم على اغتنام الوقت ولو في أشدّ الأحوال وساعة الأهوال؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ )) [رواه أحمد].

فإن كان أهل الدّنيا مجمعين على أهمّية الوقت وشرف الزّمان، فعلى أهل الإيمان أن يشمّروا على السّاعد، ويستعيضوا ما فاتهم، ويجمعوا رفاتهم، ويلمّوا شتاتهم، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62].

( فصل ) في ذكر أقوال وصور مشرقة في حفظ الوقت.

- قالوا:" من علامات المقت، إضاعة الوقت ".

- وقد بلغت عناية سلف هذه الأمّة بالزّمان حدّا لا يمكن أحدا منّا أن يتخيّله، بل بلغت همّتهم تلك إلى أنّهم عملوا لما بعد الموت، قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في " صيد الخاطر " (20-21):

" فإذا علم - وإن بالغ في الجدّ - أنّ الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته. فإن كان له شيء من الدّنيا وقف وقفا، وغرس غرسا، وأجرى نهرا، ويسعى في تحصيل ذرّية تذكر الله بعده، فيكون الأجر له. أو أن يصنّف كتابا من العلم، فإنّ تصنيف العالم ولده المخلّد .. فذلك الذي لم يمت: قد مات قوم وهم في النّاس أحياء "اهـ

يشير رحمه الله إلى حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ))، فهذا من علوّ الهمّة في الحفاظ على الزّمن بعد الموت.

- قال ابن مسعود رضي الله عنه:" ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي ".

- وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله:" إنّ اللّيل والنّهار يعملان فيك، فاعمل فيهما ".

- وقال موسى بن إسماعيل التّبوذكي:" لو قلت لكم إنّي ما رأيت حمّاد بن سلمة ضاحكا لصدقت، كان مشغولا: إمّا أن يحدّث، أو يقرأ، أو يسبّح، أو يصلّي، وقد قسّم النّهار على ذلك "!.

- ونُقل عن عامر بن عبد قيس أنّ رجلا قال له:كلّمني، فقال:" أمسك الشّمس !".

- ودخلوا على رجل من السّلف فقالوا: لعلّنا شغلناك ؟ فقال: أصدقكم، كنت أقرأ، فتركت القراءة لأجلكم.

وهذا لا يُعدّ شدَّةً، ولكنّه الحزم، وإنّه متى لان المزور طمع فيه الزّائرون، فأطالوا الجلوس، وآذوا النّفوس.

- وأوصى بعض السّلف أصحابه فقال:" إذا خرجتم من عندي فتفرّقوا، لعلّ أحدكم يقرأ القرآن في طريقه، ومتى اجتمعتم تحدّثتم ".

- وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله:" أثقل السّاعات عليّ ساعة آكل فيها ".

- وهذا القاضي إبراهيم بن الجرّاح الكوفيّ تلميذ القاضي أبي يوسف رحمه الله يقول:" مرض أبو يوسف، فأتيته أعوده، فوجدته مُغْمى عليه، فلمّا أفاق قال لي: يا إبراهيم، ما تقول في مسألة ؟ قلت: في مثل هذه الحالة ؟! قال: لا بأس بذلك، ندرس لعلّه ينجو به ناج. ثمّ قمت من عنده، فما بلغت باب داره حتّى سمعت الصّراخ عليه، وإذا هو قد مات رحمة الله عليه " [" الجواهر المضية في طبقات الحنفية " (1/76)].

- وهذا محمّد بن الحسن الشّيباني رحمه الله التلّميذ الثّاني للإمام أبي حنيفة كان لا ينام اللّيل، وكان يضع عنده دفاتر، فإذا ملّ من نوع، نظر في آخر، وكان يُزيل نومه بالماء ويقول:" إنّ النّوم من الحرارة " [" مفتاح السّعادة " لطاشكبرى زاده (1/36)].

- وهذا الإمام عبيد بن يعيش شيخ البخاري ومسلم، روى عنه عمّار بن رجاء قال:" سمعت عبيد بن يعيش يقول: أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي باللّيل، كانت أختي تلقمني وأنا أكتب الحديث " [" الجامع لأخلاق الرّاوي وآداب السّامع " للخطيب (2/178)].

- وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: سمعت السِّمسمي يحكي أنّ ابن جرير الطّبري مكث أربعين سنة، يكتب في كلّ يوم منها أربعين ورقة.

- وحدّث تلميذه الفرغاني في كتابه "الصّلة" - وهو كتاب وصل به تاريخ شيخه ابن جرير- أنّ قوما من تلاميذ ابن جرير حصّلوا أيّام حياته - منذ بلغ الحلم إلى أن تُوُفّي وهو ابن ستّ وثمانين سنة - ثمّ قسّموا عليها أوراق مصنّفاته، فصار منها كلّ يوم أربع عشرة ورقة.

أي إنّ مجموع ما كتبه في 72 سنة هو 358000 ورقة !

وهذا شيء لا يتهيّأ لمخلوق إلاّ بحسن عناية الخالق.

- وهذا الإمام ابن الخيّاط النّحوي رحمه الله يدرُس في جميع أوقاته حتّى في الطّريق، وكان ربّما سقط في جُرف أو خبطته دابّة. ["قيمة الزّمن عند العلماء" (ص45-46)].

- وهذا ابن عقيل الحنبلي رحمه الله تعالى الّذي وصفه ابن الجوزي رحمه الله قائلا:" كان الإمام ابن عُقَيل دائمَ الاشتغال بالعلم، وكان له الخاطر العاطر، والبحث عن الغوامض والدّقائق ... وأكبر تصانيفه "الفنون" وهو كتاب كبير جدّا، فيه فوائد جليلة في الوعظ، والتّفسير، والفقه، وأصول الفقه، وأصول الدّين، والنّحو، واللّغة، والشّعر، والتّاريخ ".

وقال عنه الذّهبي رحمه الله:" لم يُصنّف في الدّنيا أكبر من هذا الكتاب، حدّثني من رأى منه المجلّد الفلاني بعد الأربعمائة، قال ابن رجب: وقال بعضهم: هو ثمانمائة مجلّدة ".

يقول ابن عُقيل:" إنّي لا يحلّ لي أن أضيّع ساعة من عمري، حتّى إذا تعطّل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن المطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح، فلا أنهض إلاّ وقد خطر لي ما أسطّره ...". وبلغ حرصه الشّديد على وقته أنّه اختار سفّ الكعك وتحسّيه بالماء على الخبز ! قال:" لأجل ما بينهما من تفاوت في المضغ توفّرا على مطالعة، أو تسطير لفائدة لم أدركها .. فالتّكاليف كثيرة والأوقات خاطفة ".

- وفي "ذيل طبقات الحنابلة" (2/249): ذكر عن والد ابن تيمية أنّ أبا البركات الجدّ كان " إذا دخل الخلاء يقول له: اقرأ في هذا الكتاب، وارفع صوتك حتّى أسمع. قلت - أي ابن رجب -: يشير إلى قوّة حرصه على العلم وحفظه لأوقاته ".

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" أعوذ بالله من صحبة البطّالين، لقد رأيت خلقا كثيرا يجرون معي فيما اعتاده النّاس من كثرة الزّيارة، ويسمّون ذلك التردّد خدمة، ويطيلون الجلوس، ويُجرون فيه أحاديث النّاس وما لا يغني، ويتخلّله غيبة .. فلمّا رأيت أنّ الزّمان أشرف شيء، والواجب انتهابه في فعل الخير، كرهت ذلك وبقيت معهم بين أمرين:

إن أنكرت عليهم وقعت وحشة ..

وإن تقبّلته ضاع الزّمان !

فصرت أدافع اللّقاء جهدي، فإذا غُلبت قصّرت في الكلام لأتعجّل الفراق، ثمّ أعددت أعمالا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلّا يمضي الزّمان فارغا، فجعلت من الاستعداد للقائهم قطع الكاغد، وبري الأقلام، وحزم الدّفاتر، فإنّ هذه الأشياء لا بدّ منها ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب .."اهـ

الوقتُ أنفسُ ما عنيتَ بحفظه *** وأراهُ أسهلَ ما عليكَ يضيعُ

رحمهم الله رحمة واسعة.

أخر تعديل في الجمعة 20 شوال 1438 هـ الموافق لـ: 14 جويلية 2017 14:32

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.