أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الأحد 24 ذو الحجة 1432 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2011 13:33

- السّيرة النبويّة (60) موقف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من المخالفين

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فقد رأينا في الحلقة السّابقة كيف ابتُلي المؤمنون بالحمّى والأسقام، وبالأوجاع والآلام.

وتمرّ الأيّام، ويأتي الفرج بدعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتضرّعه لربّ الأنام سبحانه وتعالى، ويعود من ابتُلي بها حولَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وبما أنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يعيش في برج مشيّد، ولا قصر بعيد .. بما أنّه كان صلّى الله عليه وسلّم منهم وهم منه، يأكل طعامهم، ويصافحهم، ويجلس إليهم .. إذا به يسأل عن غائبهم، خاصّة بعد تلك الحمّى الّتي اجتاحت أكثر المهاجرين.

روى الإمام النّسائي وأحمد عن قرَّةَ بنِ إياسٍ المُزَنِي رضي الله عنه قال:

كانَ نبِيُّ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا جَلَسَ، يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَهَلَكَ.

فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ، فَحَزِنَ عَلَيْهِ. ففَقَدَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فقالَ: (( مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا ؟)) قالُوا: يا رسُولَ اللهِ، بُنَيُّهُ الّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ ! فَلَقِيَهُ النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فسَأَلَهُ عنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ، ثمّ قال:

(( يَا فُلَانُ، أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ: أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ ؟ )) قال: يا نَبِيَّ اللهِ، بَلْ يَسْبِقُنِي إلى بابِ الجَنَّةِ، فَيَفْتَحُهَا لِي، لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ. قال: (( فَذَاكَ لَكَ )) [صحّحه الألباني في "أحكام الجنائز" (162)].

زاد الحاكم:" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، جعلني الله فداك، أَله خاصَّةً أو لِكُلِّنَا ؟ قالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( بَلْ لِكُلِّكُمْ ))".

وتبلُغُ هذه البشرى بعضَ نساء الأنصار، فتأتيه وتسأله: بأبي أنت وأمّي، واثنان ؟ قال: (( وَاِثْنَانِ )) ["أحكام الجنائز" (164)].

هكذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جامعاً لكلّ خير، نهاره يتفقّد الرّعيّة، يتلو عليهم آيات ربّهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم .. فقد أرسله الله معلّماً وهادياً، مرشداً ومواسياً، حاكما وقاضياً، فأنّى له ذلك ؟! 

فكان يقضي جلّ ليله مع ربّه عزّ وجلّ .. يناجيه ويناديه ليُلْهِمَه العونَ والتّوفيق والسّداد، وهو يسأله: (( اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ )) ["صحيح التّرغيب والتّرهيب" (1823)].

وكان عليه إلى جانب ذلك كلّه أن يحترِسَ من كيدِ من لا يزال على كفره من المشركين الثّائرين، واليهود الحاقدين ..

إنّه يتذكّر جيّدا أنّ هناك شجرة بالمدينة ستتطاير أشواكُها ..

- أمّا مشركو المدينة:

إنّه يتذكّر رأس المشركين عبدَ الله بنَ أبيِّ بنِ سلولٍ وأتباعه .. فيتساءل في نفسه: كيف السّبيل معهم ؟

فيلهمه الله تعالى بأمره قائلا:{وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [الأحزاب:48]..

فالإعراض هو الحلّ .. مهما بلغه من أذاهم ..

روى البخاري ومسلم عن أسامةَ بنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما أنّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، فقالَ لهُ النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:

(( يَا سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ ؟ - يُرِيدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ  - قَالَ كَذَا وَكَذَا ؟!)).

قالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ: يا رسُولَ اللهِ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ، فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ، لَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، ولَقَدْ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى اللهُ ذَلِكَ بِالحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللهُ، شَرِقَ بِذَلِكَ ! فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ.

فَعَفَا عنهُ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَكَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وأهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى، قَالَ اللهُ عزّ وجلّ:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} الآيةَ.

وقالَ اللهُ:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} إلى آخر الآيةِ.

وقد سبق أن ذكرنا أنّهم سيُعلِنُون الإسلام في الظّاهر بعد وقعة بدر..

- أمّا اليهود ..

فقد أحرقهم ما حدث من حولهم، ويموتون كلّ يوم بغيظهم.. ومع ذلك فقد عمل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم معهم بأمر الله، فعفا وصفح.

بل أظهر لهم أنّهم لديه أفضل من عَبَدَةِ الأوثان، فكان يستقبل قبلتَهم بيتَ المقدس، ففي صحيح البخاري عن البرَاءِ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قال:" كانَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ".

بل كان لا يدع مجالاً فيه حقّ ممّا هم عليه إلاّ وافقهم فيه: روى البخاري ومسلم عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنه:

(( أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم رَأْسَهُ )).

ثمّ زاد ذلك بيانا، فوافقهم في صيام عاشوراء، وقد كان يصومه أهل الجاهليّة، ولكنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ظنّ أنّه من شعار المشركين، فعلم بعد أنّه من شرع اليهود غير المبدّل، فصامه:

روى البخاري ومسلم عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قالَ: قدِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم المَدِينَةَ، فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: (( مَا هَذَا ؟ )) قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قال: (( فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ )) فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

عِبرٌ ثلاث:

- الأولى: كانت معاملة أهل الكتاب بالعفو والصّفح بحكم الله تعالى لأمرين:

الأوّل: بموجب الصّلح بينهم.

والثّاني: أنّه لم يُؤْذَنْ له بقتال؛ لأنّه في حال ضعف. 

- الثّانية: لا نردّ الحقّ مهما كان مصدره. فترى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوافق اليهودَ فيما حقّ.

فهو صلّى الله عليه وسلّم لا يردّ الحقّ من أجل مصدره، وها هو يهوديّ يتقدّم إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بنصيحة حقّ، وما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليردّ الحقّ من يهوديّ:

روى النّسائي عن قُتَيْلَةَ امرأَةٍ من جُهَيْنَةَ أنّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ، وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ، تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، وَتَقُولُونَ: والكَعْبَةِ ! (( فأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا أَرَادُوا أَن يحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَيَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شِئْتَ )).

سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الكلمات من هذا اليهوديّ، ولم ينفجر في وجهه غضباً، ولم يقل له: من أنت حتّى تعلّمنا ديننا ؟!

لم يقل له: لماذا لا تنصحون أنفسكم وأنتم تقولون: عزيرٌ ابن الله ! - تعالى الله عن ذلك -.

لم يقل له: أنت لست من أهل العلم حتّى تُفتِي.

لم يقل له: هذا من الشّؤون الدّاخليّة، ولا نقبل النّقد سوى من جماعتنا !

لم يتفوّه بشيء من ذلك كلّه .. وإنّما ضرب للصّحابة المثلَ الأعلى في قبول الحقّ.

وذهب الصّحابة بالأجر بهذه النّصيحة، كأنّها النّهر يغسل ثنايا القلب الّتي لا تزال فيها بقايا من الشّرك اللّفظي الّذي لا يقصدونه، وذهب اليهود بشركهم وكفرهم.

- الثّالثة: لا بدّ أن نلحظَ الفرقَ بين العبادات والعادات.

فحالة فرقِ الشّعر لم ينتظر فيها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحياً منزّلا؛ لأنّها من باب العادات، بخلاف الصّيام، فهو لم يصم عاشوراء لأنّ اليهود صامته، ولكنّه ثبت لديه أنّ موسى عليه السّلام صامه.

فهو يوافقهم فيما هو حقّ.. أمّا ما يراه أنّه مخالف للفطرة، أو مخالف للشِّرعة فلم يقلّدهم فيه ولو كانوا أهل كتاب..

فقد خالفهم في كثير من مظاهر الفطرة والشّرعة.. فأمر بإعفاء اللّحى، وحفّ الشّوارب، فقال كما في الصّحيحين عن ابنِ عمرَ رضي الله عنه عن النّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى )).

وأمرهم بالصّلاة في النّعال، ففي سنن أبي داود عن شدّادِ بنِ أوسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( خَالِفُوا الْيَهُودَ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ )).

وأمرهم بخضاب الشّيب بالحنّاء والكتم، ففي الصّحيحين عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: إنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ؛ فَخَالِفُوهُمْ )).

ورأى أصحابه عند التحيّة يشيرون بأيديهم ورؤوسهم فنهاهم، ففي سنن التّرمذي عنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو رضي الله عنه أنّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ )).

وخالفهم في معاملة النّساء، ففي صحيح مسلم عنْ أنسٍ رضي الله عنه أنّ اليَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فسَأَلَ أَصحَابُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَأَنْزَلَ اللهُ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إِلَى آخِرِ الآية، فقال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ ))، فَبَلَغَ ذَلِكَ اليَهُودَ فقالوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ!

وهذا ما كان يغيظ أهل الكتاب، والله تعالى يقول له:{وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: من الآية119].

فزادهم الله غيظا إلى غيظهم؛ فخالفهم صلّى الله عليه وسلّم في مظهر من أعظم شعائر الإسلام، ألا وهو: الأذان.

وهذا ما نراه لاحقا إن شاء الله.

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.