أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الخميس 13 ذو القعدة 1431 هـ الموافق لـ: 21 أكتوبر 2010 10:01

- تفسير سورة الفاتحة (9):{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }.

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

عشر فوائد من تفسير قوله عز وجل: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.


لا بدّ أن نعلم أنّ هذه الآية هي قطب رحى هذه السّورة، وإليها ترجع معاني القرآن كلّها، فحوت في طيّاتها تجريد التّوحيد لربّ العبيد، والتوكّل عليه، والثّناء عليه، والدّعاء بالإقبال إليه، والافتخار والاعتزاز بعبادته، فكان في هذه فوائد عدّة:

الفائدة الأولى:في معنى العبادة.

العبادة في اللّغة: هي الذلّة، يقال: طريق معبّد أي: مذلّل للسّير عليه.

وشرعا: هي الذلّ مع شدّة المحبّة، وعرّفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعريفا جامعا بقوله: " هي اسم جامع لما يحبّه الله تعالى من الأعمال والأقوال الظّاهرة والباطنة ".

الفائدة الثّانية: في هذه الآية تحقيق التّوحيد وتجريده لله تعالى.

ذلك لأنّ تقديم المفعول ( إيّاك ) على الفعل فيه فائدتان:

أوّلا: الحصر، فكأنّك قلت: لا نعبد إلاّ إيّاك، ولا نستعين إلاّ بك، كقوله تعالى:{ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [البقرة: من الآية40]، { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } [البقرة: من الآية41]، وهذا هو معنى ( لا إله إلاّ الله ).

ولو قال العبد: " نعبدك " لما أفاد الحصر، إذ يمكن أن يكون العبد يعبد الله وغيره.

إلاّ أنّ الحصر في ( إيّاك نعبد ) حصر عامّ حقيقيّ، والحصر في ( إيّاك نستعين ) حصر إضافيّ، بمعنى أنّه لا يستعان إلاّ بالله في الأمور الّتي تختصّ بالرّبوبيّة، وإلاّ فإنّ الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه جائزة، من ذلك ما رواه البخاري في حديث الهجرة الطّويل عن عائشة رضي الله عنها ( أَنَّ النَبِيَّ اسْتَعَانَ فِي هِجْرَتِهِ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي الدَّيْلِ هَادِياً خِرِّيتاً )، ومنه قول جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: ( جِئْتُ أَسْتَعِينُ بِكَ فِي مُكَاتَبَتِي ).

ثانيا: الاهتمام والأدب مع الله: وشأن العرب تقديم الأهمّ فالأهمّ.

الفائدة الثّالثة: تحقيق المتابعة.

فالله أمر بعبادته ولكن بشرط الاستعانة به، ومن أعظم ما تطلب الاستعانة به لتحقيق العبوديّة هو أن تكون بما شرعه على لسان رسوله ،صلّى الله عليه وسلّم، لا بما تمليه عقول الرّجال، والعادات، والأعراف، وغير ذلك. ومن المعلوم أنّ الله لا يقبل من العمل إلاّ ما كان خالصا لوجهه، موافقا لشرعه. وهذا مقتضى قول المسلم: ( وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ).

الفائدة الرّابعة: تحقيق التوكّل على الله.

فالعبد مأمور بعبادة الله على الوجه المشروع، ولا بدّ أن يتبرّأ من حوله وقوّته، فلا يكن حاله حال من قال:{ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي } [القصص: من الآية78]، بل عليه أن يفتقر إلى الله وحده لا شريك له، ويسأله الإعانة في الأمور كلّها لا سيّما الوصولُ إليه والإقبال عليه. لذلك سنّ لنا نبيّ الرّحمة أن نقول إذا سمعنا المؤذّن يقول: " حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح " أن نقول: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ "، أي: أنت من وفّقني يا ربّ بحولك وقوّتك للاستجابة لهذا النّداء.

وفي معنى هذه الآية قوله تعالى:{ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود: من الآية123]، وقوله تعالى:{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً } [المزمل:9].

قال ابن تيمية رحمه الله وابن القيّم - كما في " التّفسير القيّم " (ص48)- عن هذه الآية: إنّ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } تدفع الرّياء، وأنّ { إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } تدفع الكبرياء.

وقال في " مدارج السّالكين ": " ثمّ إنّ القلب يعرض له مرضان عظيمان، إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التّلف ولا بدّ، وهما الرّياء والكبر، فدواء الرّياء بـ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ )، ودواء الكبر بـ( إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )، وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدّس الله روحه يقول: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) تدفع الرّياء، و( إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) تدفع الكبرياء ".

ويظهر لك جليّا قوّة تعلّق العبد بربّه بالتّكرار، فلم يعلّمنا أن نقول:" إيّاك نعبد ونستعين "، بل أن نعيد كلمة ( إِيَّاكَ ).

الفائدة الخامسة: في الآية التفات.

صورة بلاغيّة عظيمة تكسو الكلام جمالا وكمالا، وهي الالتفات، والالتفات هو " الانتقال من أسلوب إلى آخر " فينتقل المتكلّم من الغيبة إلى الحضور أو العكس. وذلك في كلام الله كثير لنكت بديعة علمناها أو جهلناها.

فقد كان الإخبار عن الله بأسلوب الغيبة: { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}، ثمّ يقول العبد:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }، وفائدة ذلك هو ما ذكره ابن كثير رحمه الله قائلا:

" إنّ العبد لمّا أثنى على ربّه تبارك وتعالى .. فكأنّه اقترب وحضر بين يدي الله تبارك وتعالى، فلهذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ". فإذا علمنا هذه النّكتة، علمنا:

الفائدة السّادسة: تحقيق الأدب في الدّعاء.

فمن أعظم أداب الدّعاء وأسباب الإجابة أن تقدّم بين يدي الدّعاء ثناءً على الله تعالى بأسمائه وصفاته.

قال النّووي رحمه الله في "الأذكار" (ص176):

" أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدّعاء بالحمد لله تعالى، والثّناء عليه، ثمّ الصّلاة على النّبيّ ، وكذلك يختم الدّعاء بهما ".

وهذا أدب رفيع يُحمد من العبد إذا فعله مع المخلوق، فكيف مع الخالق سبحانه. لذلك اشتملت أمّ الكتاب على هذا الأدب فقسمها الله تعالى بينه وبين عبده، وبدأت بالحمد لله، والثّناء عليه، وتمجيده، حتّى إذا فعل العبد ذلك دعا ربّه قائلا: (وإيّاك نستعين اهدنا ..)، فقال عزّ وجلّ: ( ولعبدي ما سأل )، ومنه تقديم الثّناء على الدّعاء في السّجود، وهذا لا يمكن أن يحصيَه مُحْصٍ في أدعية الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.

وجاء في سنن النّسائي وغيره عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَدْعُو بِهِنَّ فِي صَلَاتِي ؟ قَالَ: (( سَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا، وَاحْمَدِيهِ عَشْرًا، وَكَبِّرِيهِ عَشْرًا، ثُمَّ سَلِيهِ حَاجَتَكِ، يَقُلْ: نَعَمْ نَعَمْ )) [قال الألباني رحمه الله: حسن الإسناد].

ومنه ما رواه أحمد وأبو داود والتّرمذي - واللّفظ له - عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: بَيْنمَا رَسُولُ اللَّهِ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ! إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ )).

الفائدة السّابعة: قدّم الله العبادة على الاستعانة من باب تقديم الغايات على الوسائل.

فما خُلِق العبد إلاّ لعبادة الله، كما قال تعالى:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذّاريات:56]، فقدّم العبادة على الاستعانة مع أنّ الاستعانة نفسها عبادة، فكيف بمن يقدّم الوسيلة الّتي هي دون ذلك ؟!

ولذلك حريّ بالعبد أن لا يُهمل الغاية بسبب الوسيلة، ومن أعظم الأحاديث في ذلك ما رواه أحمد عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَيُحَدِّثُنَا، فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: (( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: " إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ " )).

الفائدة الثّامنة: في الآية تحقيق الافتخار بالعبوديّة.

فلو سألك سائل فقال: ما معنى ( النّون ) في قولك القارئ والمصلّي: إِيَّاكَ نَعْبُدُ ؟

فإن كانت للجمع فلماذا يقولها المنفرد ؟ وإن كانت للتّعظيم فالمقام مقام ذلّ لا تناسبه نون العظمة ؟

وللعلماء أجوبة ثلاثة عن ذلك:

الأوّل: المراد جنس العباد جميعهم، فالقارئ يخبر عن نفسه وغيره من العباد، لا سيّما إذا كان في جماعة.

الثّاني: أنّ النّون فعلا للتّعظيم، لأنّ مقام العبوديّة مقام تشريف وتعظيم، فليس لكلّ أحد أن يكون عبدا طائعا لله إلاّ من وفّقه الله إلى عبادته وطاعته، لذلك وصف الله تعالى نبيّه بالعبوديّة في أرقى المقامات، وأعظم المنازل، ولو كان هناك وصف أعظم من العبوديّة لوصفه به، قال ابن القيّم رحمه الله في " مدارج السّالكين" (1/102):

" ووصف أكرمَ خلقه عليه، وأعلاهم عنده منزلة، بالعبوديّة في أشرف مقاماته، فقال تعالى:{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } [البقرة: من الآية23]، وقال تبارك وتعالى:{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ } [الفرقان: الآية1]، وقال:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ } [الكهف: من الآية1]، فذكره بالعبوديّة في مقام إنزال الكتاب عليه، وفي مقام التّحدي بأن يأتوا بمثله.

وقال:{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } [الجـن:19]، فذكره بالعبوديّة في مقام الدّعوة إليه، وقال:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } [الإسراء: من الآية1] فذكره بالعبودية في مقام الإسراء ". اهـ.

لذلك كان كثير من السّلف لا يرضى أن يجرّد من التّعبيد لله إذا ناداه أحد، وما أحسن قول من قال:

( ومـمّا زادنـي شـرفا وتيـها     وكـدت بأخمُصـيّ أطـأ الثّـريّا

دخولي تحت قولك:يَا عِبَادِي     وأن صيّرت أحـمـد لـي نبـيّا )

• الثالث : قالوا: إنّ قول العبد ( إيّاك نعبد ) ألطف في الأدب من قوله ( أعبد )، لأنّ في الثّاني تعظيما لنفسه، إذ جعل نفسه وحده أهلا لعبادة الله  وهو سبحانه لو أمدّنا عمرا يسع أعمار الخلق كلّهم لما وفّيناه حقّه، والملائكة الّذين { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ } [الأنبياء:20] يقولون إذا رأوا الميزان يملأ بين السّماء والأرض: (سبحانك ! ما عبدناك حقّ عبادتك ).

الفائدة التّاسعة: إذا سئلت عن أعظم العبادات وأفضلها ؟

فاعلم أنّه قد كثرت الأقوال في ذلك، وأحسنها ما ذكره ابن القيّم رحمه الله أنّ أفضل العبادات ما كان موافقا للحال والزّمان.. ففي وقت تكون الصّلاة أفضل العبادات، وعند حضور مجلس العلم يكون العلم أفضل من النّوافل، وعند دخول وقت الرّواتب يكون أداؤها أفضل من عمل آخر، وعند احتياج الأخ إليك تكون إعانته أفضل القربات. والأصل في المسلم أن لا يفرغ من عبادة الله، قال تعالى:{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) }، ولو قدّر أن يمرّ على المؤمن فراغ، فأفضل العبادات على الإطلاق هو ذكر الله: بتسبيحه، وحمده، وتهليله، وتكبيره، وتلاوة كتابه، وحضور مجالس العلم، لما رواه التّرمذي وغيره عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم :

(( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟)) قَالُوا: بَلَى ! قَالَ: (( ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى )).

الفائدة العاشرة: ( إيّاك ) تقرأ بتشديد الياء.

وشذّ من قرأ بتخفيفها - وهي قراءة عمرو بن فايد رحمه الله -، قال ابن كثير: " وهي مردودة "، لأنّ ( إيَا ) ضوء الشّمس، لذلك ذكرها الشّيخ بكر بن عبد الله في " معجم المناهي اللّفظية ".

ومنهم من يقرأها ( إِيَكَ ) فيأتي بما لم يُقرأ به لا في الصّحيح ولا الشاذّ.

والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.

أخر تعديل في السبت 14 ذو الحجة 1431 هـ الموافق لـ: 20 نوفمبر 2010 10:09

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.