أخبار الموقع
***تقبل الله منا ومنكم، وكل عام أنتم بخير أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالإيمان والأمن واليمن والبركات***
لطرح استفساراتكم وأسئلتكم واقتراحاتكم اتّصلوا بنا على البريد التّالي: [email protected]

مختارات

- الغارة على الأسرة المسلمة (8) هكذا كوني ... أو لا تكوني

خطبة الجمعة ليوم 1 ربيع الثّاني 1425 هـ / 21 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فاليوم نضع رحالنا عند آخر محطّة من هذه السّلسلة المباركة في الحديث عن المرأة المسلمة، بعد أن رأينا أهمّ وسائل ثباتها، وأعظم ما تقاوم به أعداءها.

اليوم نودّعك أيّتها الأخت المسلمة بكلمات نزفّها إليك، تسبغ جلباب العزّة عليك:

إليك حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا 

نودّعك على أمل أن تكوني مرابطةً على ثغور الإسلام، مصابرة لأعداء الله اللّئام ..

ولنجعل موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله بعنوان:" المرأة الّتي نريد "، أو:" هكذا كوني .. أو لا تكوني"..

- الغارة على الأسرة المسلمة (7) حصـاد الإعـلام

يوم 18 ربيع الأوّل 1425 هـ/ 7 مـاي 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

أيّها المؤمنون والمؤمنات.. فقد سبق أن ذكرنا أنّ الحديث عن المرأة المسلمة لا بدّ أن يطول ويطول، وأنّ الجميع لديه فيه ما يقول، كيف لا، وهي حامية البقاع، وحارسة القلاع ؟ كيف لا، وهي تتعرّض لغزو الكفرة بالعشيّ والإبكار، ومخطّطات الفجرة باللّيل والنّهار ؟ كيف لا نطيل الحديثَ عنها لتستمع إلينا قليلا، وقد استمعت إلى غيرنا زمنا طويلا ؟

ورأينا أن يكون موضوع خطبتنا اليوم إن شاء الله تعالى يتناول سلاحا من أعظم الأسلحة المدمّرة لبيوت المسلمين .. وسبيل من أخطر السّبل على قلوب المؤمنين .. سلاح تُستعْمر به العقول قبل الحقول .. وتُسلب به قلوب العباد قبل خيرات البلاد .. ضحيّته لا يعدّ شهيدا في سبيل الله، ولكن يعدّ طريدا من رحمة الله .. ذلكم هو " الإعـلام ".. وما أدراك ما الإعلام ؟!

هذا ما سنبيّنه بإذن الله تعالى في نقاط مهمّات:

- الغارة على الأسرة المسلمة (6) عمل المرأة: حلول وضوابط

خطبة الجمعة ليوم 4 ربيع الأوّل 1425هـ / 23 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا السّادس معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات للحديث عن موضوع المرأة المسلمة، وما يُكاد لها في وضح النّهار، وهو ما أردنا أن نسمّيه بـ" الغارة على المرأة المسلمة "..

رأينا تاريخ هذا الغزو، وبعض أساليبه، وكيف لنا أن نقاوم هذه الأساليب ؟ وكيف نحمي المرأة من هذه الألاعيب ؟ وكان آخر ما رأيناه هو الحديثَ عن شروط خروج المرأة المسلمة، سواء كان خروجها إلى المسجد، أو إلى غيره.

ولكنّ كثيرا من نسائنا يرون ضرورة الخروج إلى العمل، وهنّ أصناف في ذلك: من تخرج لتلبية رغباتها، أو تخرج لقضاء حاجاتها، أو تخرج لأنّها حُرمَت ممّن يغار عليها.

فرأينا أن يكون حديثنا اليوم إن شاء الله تعالى عبارةً عن ثلاثة نداءات: نداء إلى المرأة نفسها، ونداء إلى ولاة الأمور، ونداء يوجّه إلى الرّجل.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وأن لا تكون هذه النّداءات كصرخة في صحراء.

- الغارة على الأسرة المسلمة (5) فضائل الحجاب وشروط خروج المرأة

19 صفر 1425 هـ/ 9 أفريل 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] 

فإنّنا قد رأينا في خطبتنا الأخيرة أهمّ الأسلحة الّتي يقاوِم المسلمون بها المفسدين، وأعظم ما يوقِفُ زحف أدعياء التحرّر من الملحدين، ذلكم هو الحجاب، وما أدراك ما الحجاب ؟ شعارٌ للعفّة والثّواب، واستجابة للعزيز الوهّاب.

وإذا رأيت الهابطات فحوقلي *** وقفي على قمم الجبال وتحجبي 

وقد تبيّن لنا أنّ الحجاب ثلاثة أنواع: قرار في البيت، وحجاب أمام المحارم، وحجاب أمام الأجانب.

وقد تُضطرّ المرأة إلى الخروج كما سبق بيانه، وقد روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ )).

فإذا خرجت فكيف تخرج ؟ فإنّ قرار المرأة في بيتها عزيمة، وإنّ خروجها رخصة، فلا بدّ أن تتوفّر شروط لخروجها، وكان أوّل ما رأيناه: التستّر والتحجّب، بالشّروط الّتي ذكرناها.

- الغارة على الأسرة المسلمة (1) المرأة بين الكرامة والمهانة

خطبة الجمعة ليوم 13 محرّم 1425 هـ الموافق ليوم 5 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء] أمّا بعد:

فقد روى البخاري عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قالت النّساءُ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فوعدهنَّ يوماً لَقِيَهُنَّ فيه، فوعظهنّ، وأمرهنّ.

ومثله ما رواه البخاري ومسلم - واللّفظ له - عن جابرِ بنِ عبد اللهِ رضي الله عنهما قال: شهِدتُ مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصّلاةَ يومَ العيدِ، فأمرَ بتقوَى اللهِ، وحثَّ على طاعتِهِ، ووعظَ النّاس وذكّرَهم، ثمّ مضى حتّى أتى النّساءَ، فوعظهنَّ، وذكّرهنَّ، فقال: (( تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ )) ... الحديث.

- الغارة على الأسرة المسلمة (2) تاريخ الغارة على المرأة

28 محرّم 1425 هـ/ 19 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد شرعنا معكم أيّها المؤمنون والمؤمنات في خوض هيجاءَ ساخنة، وحربٍ طاحنة .. حربٍ ضدّ أدعياء التحرّر والتطوّر، الّذين يريدون إبعاد الدّين عن الحياة بما يفوق كلّ تصوّر .. حربٍ تستوي فيها الضحيّة والسّلاح، فالضحيّة فيها: المرأة المسلمة، والسّلاح فيها: المرأة المسلمة.

ونساؤنا أمام هذه الفتنة العمياء أصناف أربعة:

- الغارة على الأسرة المسلمة (3) كيف نصدّ هذه الغـارة ؟

5 صفر 1425هـ/ 26 مارس 2004 م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فقد رأينا معًا في لقائنا الأخير تاريخ المرأة القديم .. رأينا المرأة بين مخالب اللِّئام وتكريم الإسلام .. بين هوان الجاهليّة وعزّة الحنيفيّة .. ممّا يجعلنا ندرك جليّا أنّ ما يسعى إليه دعاة التحرّر ! هو في الحقيقة العودة إلى الجاهليّة الأولى.

يا دُرّةً، حُفِـظـت بالأمـس غاليـةً *** واليوم يبغونـها للّهـو واللّعـب

يا حُـرّةً، قد أرادوا جَعْـلَهـا أمـةً *** غربيّة العقل لكنّ اسمـها عربـي

هل يستـوي من رسـول الله قائـده *** دَوماً، وآخر هاديـه أبو لـهب

أين من كـانت الزّهـراء أُسـوتَـها *** ممّن تقفّت خُطـا حمّـالة الحطب

سَمَّـوا دعـارتهم: حـرّيـةً كـذباً *** باعوا الخلاعة باسم الفنّ والطّرب

هُمُ الذّئاب وأنت الشّـاة فاحترسـي *** من كلّ مفتـرسٍ للعرض مستلب

أختـاه، لستِ بنَبـتٍ لا جـذور له *** ولستِ مقطوعة مجهـولة النّسـب

- الغارة على الأسرة المسلمة (4) الحـجـاب

12 صفر 1425هـ / 2 أفريل 2004م

الخطبة الأولى: [بعد الحمد والثّناء]

فهذا لقاؤنا الرّابع في هذه السّلسلة المباركة إن شاء الله، نحاول من خلالها الوقوف أمام غزو الغربيّين والمستغربين، وزحف الملحدين والمعاندين.

وكان آخر لقاءٍ معكم قد تضمّن الحديث عن تصحيح كثير من المفاهيم: مكانة المرأة في الإسلام، والمفهوم الصّحيح للعدل، والفوارق بين الرّجل والمرأة. وتبيّن لنا جليّا معنى قول المولى تبارك وتعالى:{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ منْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء:32]، فقد نهى الله جلّ جلاله عن مجرّد التمنّي، فكيف بمن أنكر الفوارق بين الرّجل والمرأة ؟!

وإنّ من أهمّ وأعظم وأكبر الفوارق بين الرّجل والمرأة الحـجـاب.. فمبنى المرأة على السّتر وأن تبقى في الخدور، ومبنى الرّجل على البدوّ والظّهور.

ولم تكن هذه القضيّة مثار جدل بين المسلمين على مدى العصور، إلاّ في منتصف القرن الرّابع عشر عند انحلال الدّولة الإسلاميّة إلى دويلات، وتحوّلها إلى لقيمات هزيلات.

فما معنى الحجاب ؟ وما أنواع الحجاب ؟

Previous
التالي

الخميس 16 صفر 1432 هـ الموافق لـ: 20 جانفي 2011 10:12

- شرح الأسماء الحسنى (23) القابض والباسط عزّ وجلّ

الكاتب:  عبد الحليم توميات
أرسل إلى صديق

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فبعد الحديث عن أسماء الله عزّ وجلّ ( الرزّاق، والرّازق، والوهّاب، والمعطِي )، كان من المناسب جدّا أن نتحدّث عن الأسماء المشابهة لها في المعنى، وهما:

29- القابـض عزّ وجلّ 30- الباسـط عزّ وجلّ.

والحديث عن هذين الاسمين الكريمين في مباحث:

المبحث الأوّل: الأدلّة على إثباتهما.

يذكر العلماء نصوصا كثيرة من كتاب الله عزّ وجلّ على إثبات هذين الاسمين للمولى تبارك وتعالى، منها:

 

قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: من الآية245]، وقوله سبحانه:{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرّعد: من الآية26]، وورد هذا في تسع آيات، وقال تبارك وتعالى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: من الآية64].

والصّواب أنّ هذه النّصوص تثبت صفة القبض والبسط، والأسماء لا تثبت بمجرّد الصّفات كما سبق تقريره مرارا.

أمّا الدّليل على أنّهما اسمان من الأسماء الحُسنى فهو ما رواه الإمام أحمد والتّرمذي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال:

قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، غَلَا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ )).

وأكثر أهل العلم على إثباتهما، كابن خزيمة، والبيهقيّ، وابن منده حيث قال في "كتاب التّوحيد" (2/93):

" ومن أسماء الله عزّ وجلّ: الباسط، وهو صفة له ".

ومنهم أبو نعيم، والخطّابيّ، والحليميّ، والبيهقيّ، والزجّاج، والفخر الرّازي، وابن حزم، والأصبهانيّ، وابن العربيّ، والقرطبيّ، وابن القيّم، والسّعديّ، والشّيخ ابن عثيمين، والقحطانيّ، ونور الحسن خان.

وبعضهم ذكر الباسط دون القابض، كابن الوزير رحمه الله.

وبعض أهل العلم لم يذكرهما وهو يجمع الآثار الواردة في سرد أسماء الله الحسنى، كجمع الطّبرانيّ، والحافظ ابن حجر رحمهما الله.

والصّواب إثباتهما للحديث الصّحيح في ذلك.

المبحث الثّاني: المعنى اللّغوي.

- أمّا القبض: فملخّص ما جاء في معاجم اللّغة أنّ القبض هو: الأخذ، تقول: قبضت الشّيء إذا أخذته وأمسكت به. وقبضت روح فلان، أي: أُخذت منه وسُلبت.

وبعضهم يفرّق بين القبض بالضّاد والقبص بالصّاد ، فالقبض هو الأخذ والإمساك بجميع الكفّ، والقبص هو الأخذ بأطراف الأصابع.

ومنه قيل لمن يمسك عن النّفقة والبذل: قَبَض، قال تعالى:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُم} [التوبة: من الآية67]، أي: يمتنعون عن الإنفاق.

- وأمّا البسط: فهو نقيض القبض، وبسطُ الشّيء - بالسّين والصّاد - هو: نشره ومدّه، والبَسْطة هي السّعة في الشّيء، كما في قوله تعالى:{وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: من الآية247]، ومنه بسط الأرض أي: مدّها، فتسمّى البسيطة والبَساط، وما يُمدّ على الأرض يسمّى البِساط، ورجل بسيط اليدين وبِسْط اليدين أي: واسع البذل والمعروف.

ومنه تُدرك خطأ من يعبّر عن الكتاب الصّغير الحجم بـ( البسيط ) ! فهو عكس معناه.

المبحث الثّالث: معنى هذا الاسم والصّفة في حقّ الله تعالى:

معنى البسط في حقّ الله عزّ وجلّ: الزّيادة والسّعة، فيوسّع الأرزاق بجوده وكرمه، ويبسط الرّوح في الجسد.

والقبض بمعنى التّضييق والتّقتير، فيضيّق ويقتّر على من يشاء.

قال الزجّاجي رحمه الله في "اشتقاق الأسماء" (ص 97):" فهو باسط رزق من أراد من عباده أن يوسّع عليه، ومقتر على من أراد، كما يرى في ذلك من المصلحة ".

وقال الحليميّ في "المنهاج" (1/203):" ومعناه النّاشر فضله على عباده، يرزق ويوسّع ويجود ويفضِّل، ويمكّن ويخوّل، ويعطي أكثر ممّا يُحتاج إليه ".

وقال البيهقيّ رحمه الله في "الاعتقاد" (ص57):" هو الّذي يوسّع الرّزق ويقتره، يبسطه بجوده ورحمته، ويقبضه بحكمته، وقيل: الّذي يقبض الأرواح بالموت الّذي كتبه على العباد، والباسط: الّذي بسط الأرواح في الأجساد ".

وقال قوّام السنّة الأصبهانيّ رحمه الله في "الحجّة في بيان المحجّة" (1/140):" ومن أسماء الله تعالى (القابض الباسط).. ومعناه: يوسّع الرّزق ويُقتّره، يبسطه بجوده، ويقبضه بعدله "اهـ، وبمثل ذلك قال ابن الأثير في "النّهاية" (4/6).

وقال الشّيخ السّعدي رحمه الله في "تيسير الكريم المنّان" (5/303):" يقبض الأرزاق والأرواح، ويبسط الأرزاق والقلوب، وذلك تبع لحكمته ورحمته " اهـ.

فالصّواب هو العموم، وأنّهما متعلّقان بالأرزاق والأرواح.

المبحث الرّابع: هذان الاسمان من الأسماء المزدوجة.

قال الزجّاج رحمه الله في " تفسير أسماء الله الحسنى " (ص40):" الأدب في هذين الاسمين أن يُذكرا معا، لأنّ تمام القدرة بذكرهما معا، ألا ترى أنّك إذا قلت: إلى فلان قبْض أمري وبسْطه، دلاّ بمجموعهما أنّك تريد أنّ جميع أمرك إليه ؟

وتقول: ليس إليك من أمري بسط ولا قبض، ولا حلّ ولا عقد ..[أي]ليس لك منه شيء ".

وقال الخطّابي رحمه الله في "شأن الدّعاء" (ص58):" قد يحسُنُ في هذين الاسمين أن يُقرن أحدهما في الذّكر بالآخر، وأن يُوصل به ليكون أنبأَ عن القدرة، وأدلّ على الحكمة، كقوله تعالى:{وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: من الآية245]، وإذا ذكرت القابض مفردا عن الباسط، كنت قد قصرت بالصّفة على المنع والحرمان. وإذا أوصلت أحدهما بالآخر فقد جمعت بين الصّفتين، منبِئا عن وجه الحكمة فيهما ... حتّى قال:

فإذا زاده لم يَزده سرفا وخرقا، وإذا نقصه لم ينقصه عدما ولا بخلا ".

وقال الشّيخ خليل هرّاس عند قول ابن القيّم رحمه الله في "النّونية" (2/236):

( هو قابـض هو باسـط هو خافـض *** هـو رافـع بالـعـدل والـمـيـزان )

" هذه الأسماء الكريمة من الأسماء المتقابلات الّتي لا يجوز أن يُفرد أحدهما عن قرينه، ولا أن يُثنى على الله عزّ وجلّ بواحد منها إلاّ مقرونا بمقابله، فلا يجوز أن يُفرد القابض عن الباسط، ولا الخافض عن الرّافع ... لأنّ الكمال المطلق إنّما يحصل بمجموع الوصفين "اهـ.

ونلحظ أنّ حكمهم بالمنع، إنّما يخصّونه بما إذا ذُكر القابض دون الباسط، وهذا ممّا لا شكّ في صحّته، كما أنّه لا يقال في حقّ الله: إنّه يمنع دون أن يقرن بالعطاء، وأنّه يخفض دون أن يُقرن بالرّفع، وأنّه يذلّ دون أن يقرن بالإعزاز، وأنّه يضرّ دون أن يقرن بالنّفع.

ولكن هذا لا يمنع أن تذكر الصّفات الدالّة على الفضل مفردةً، كما رأينا في قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( فإنّما أنا قاسم والله المعطي )).

المبحث الخامس: في آثار الإيمان بهذين الاسمين.

1- إدراك سعة جود الله: فما ترك شيئا يدلّ على سعة العطاء والجود والإكرام إلاّ تسمّى به، حتّى إنّه يذكّر بذلك العباد كلّ ليلة:

فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( يَنْزِلُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ أَوْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ وَلَا ظَلُومٍ )).

2- ما يمسكه عزّ وجلّ عن بعض العباد إنّما هو لحكمة بالغة:

قال الله تعالى:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى:27]، فالقبض والبسط تابعان لحكمته عزّ وجلّ لا عن شيء آخر - كما بيّناه في صفة الفتح والرّزق -.

وقد ذكر ابن عبد البرّ رحمه الله في " بهجة المجالس " (1/524) عن بعضهم أنّ الله أوحى إلى موسى عليه السّلام: أتدري لم رزقت الأحمق ؟ قال: لا. قال: ليعلم العاقل أنّ الرّزق ليس بالاحتيال.

حتّى قال أحد الحمقى:

طلبت الرّزق بالعقل *** من الغرب إلى الشّرق

فلم يُكسبني العقـل *** سوى البعد من الرّزق

فأدبرت عن العقـل *** وأقبلت على الحمـق

فلم أتعب ولم أنصب *** ولم أضرع إلى الخلـق 

3- أنّ بسط الخالق ليس كبسط المخلوق، من حيث الحقيقة، ومن حيث المعنى:

فمن حيث الحقيقة؛ فلقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: من الآية11]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "التّدمريّة" (29):" ووصف نفسه ببسط اليدين، فقال:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: من الآية64]، ووصف بعض خلقه ببسط اليد في قوله:{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: من الآية29]، وليس اليد كاليد، ولا البسط كالبسط "اهـ.

ومن حيث المعنى: فبسط الكفّ يُستعمل في المخلوق للبذل والعطاء تارة، وتارة للطّلب والأخذ نحو:{كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاه} [الرعد: من الآية14]، {وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُم} [الأنعام: من الآية93].

أمّا بسط الله عزّ وجلّ إنّما هو للعطاء فقط.

4- إدراك سعة رحمة الله تعالى:

روى مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا )). 

ومن هنا كان أعظم البسط: بسط الرّحمة على القلوب، حتّى تستضيء وتخرج من وضر الذّنوب، فإنّ هذا هو الشّرح المذكور في قوله تعالى:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزّمر:22]، وقوله تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}، ويقابله القبض في قوله عزّ وجلّ:{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:125].

لذلك قال أبو حامد الغزالي رحمه الله في "المقصد الأسنى" (ص 52):" القابض الباسط هو الّذي يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات، ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة، ويقبض الصّدقات من الأغنياء، ويبسط الأرزاق للضّعفاء، ويبسط الرّزق على الأغنياء حتّى لا يُبْقِي فاقة، ويقبضه عن الفقراء حتّى لا تبقى طاقة، ويقبض القلوب فيُضيّقها .. ويبسطها بما يتقرّب إليه من برّه ولطفه "اهـ.

5- على العبد أن يتحرّى مفاتيح القلوب التي تطلّ عليه، كما يتحرّى مفاتيح الرّزق الّذي يسعى إليه، ومن أعظمها:

أ) وأعظمها الدّعاء: فالله بيده مفاتيح القلوب، فعلى العبد أن يسأل ربّه طريقها، فهذا موسى عليه السّلام قال:{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)}.

ب) الإكثار من الذّكر: فبه يبسط الله النّور إلى القلب بما لا يبسطه بغيره، وما انقبض صدرٌ كما انقبض بترك الذّكر، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، وقال:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طـه:124].

ج) الصّدقة: فينبغي لمن منّ الله تعالى ببسطة في المال أن يتفضّل على خلق الله من فضل الله عزّ وجلّ، فالجود بالمال فيه إظهارٌ لصفة البسط الّتي اتّصف الله بها.

وما أعظم الحديث الّذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم:

(( مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ: كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا[1]، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلَا يُنْفِقُ إِلَّا سَبَغَتْ، أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ، حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ، وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلَا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلَّا لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلَا تَتَّسِعُ )).

قال الخطّابي رحمه الله:" فالنبيّ صلى الله عليه وسلم شبّه مثل المنفق مثل من لبس درعا سابغة، فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه وحصّنته، وجعل البخيل كرجل يداه مغلولتان، ما بين عنقه إلى صدره، فإذا أراد لبس الدّرع حالت يداه بينها وبين أن تمرّ سفلا على البدن، واجتمعت في عنقه، فلزمت ترقوته، فكانت ثقلا ووبالا عليه من غير وقاية له، وتحصين لبدنه، والله أعلم "اهـ.

فهذا يدلّ على أنّ الصّدقة وقاية لصاحبها، وأنّها من أسباب انشراح الصّدر، قال ابن القيّم رحمة الله عليه في "زاد المعاد"(2/25) وهو يذكر أسباب انشراح الصّدر:

".. ومنها الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال، والجاه، والنّفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإنّ الكريم المحسن أشرح النّاس صدرا، وأطيبهم نفسا، وأنعمهم قلبا، والبخيل الّذي ليس فيه إحسان أضيق النّاس صدرا، وأنكدهم عيشا، وأعظمهم همّا وغمّا "اهـ.

وهذا الضّيق عبّر عنه القرآن أحسن تعبير كذلك، فقال الله تعالى:{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء:29].

د) الصّلاة: فهي نور من الله يودعه صدرَ العبد، وقد سمّاها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نورا، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:

(( الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا )).

ومن المعلوم أنّ النّور سببٌ للسّعة وشعارٌ لها.

والله الموفّق لا ربّ سواه.



[1] ( الجُنّة )- بضمّ الجيم وتشديد النّون -: كلّ ما وقى الإنسان كالدّرع ونحوه.

( التّراقي ) جمع ترقوة - بفتح التاء وضمّها لحن – وهو: العظم الذي يكون بين ثغرة نحر الإنسان وعاتقه.

أخر تعديل في الأحد 27 جمادى الأولى 1432 هـ الموافق لـ: 01 ماي 2011 21:52

Your are currently browsing this site with Internet Explorer 6 (IE6).

Your current web browser must be updated to version 7 of Internet Explorer (IE7) to take advantage of all of template's capabilities.

Why should I upgrade to Internet Explorer 7? Microsoft has redesigned Internet Explorer from the ground up, with better security, new capabilities, and a whole new interface. Many changes resulted from the feedback of millions of users who tested prerelease versions of the new browser. The most compelling reason to upgrade is the improved security. The Internet of today is not the Internet of five years ago. There are dangers that simply didn't exist back in 2001, when Internet Explorer 6 was released to the world. Internet Explorer 7 makes surfing the web fundamentally safer by offering greater protection against viruses, spyware, and other online risks.

Get free downloads for Internet Explorer 7, including recommended updates as they become available. To download Internet Explorer 7 in the language of your choice, please visit the Internet Explorer 7 worldwide page.